المقالات

رساله المرشد العام إلى المسلمین جمیعًا بمنا

رساله المرشد العام إلى المسلمین جمیعًا بمناسبه شهر رمضان المبارک

المرشد العام یخاطب الحضور أثناء حفل إفطار الإخوان

 

الإخوه المسلمون..

تحیهً من عند الله مبارکهً طیبهً، فالسلام علیکم ورحمه الله وبرکاته، وأحمدُ اللهَ تعالى، واسعَ العفو، غزیرَ الإحسان، وأصلِّی وأسلمُ على رسوله الأکرمِ، ورحمتِه للعالمین، وختامِه للرسالات والنبیِّین، وعلى آلِه وصحبِه والتابعین، وبعد..

 

فیسعدُنی أن أتقدمَ بخالصِ التهنئهِ لکم جمیعًا بالشهرِ الکریمِ، شهرِ رمضانَ، الذی أُنزل فیه القرآنُ، هدًى للناسِ، وبدأت به الرسالهُ العامهُ الکاملهُ الخاتمهُ من اللهِ ربِّ العالمین للبشرِ کافهً، فی کلِّ الأصقاعِ والبقاع، ولکلِّ الأممِ والأجیالِ ما بقیت على ظهرِ هذه الأرض حیاهٌ.

 

لقد اقتضت حکمهُ الله ورحمتُه أن تتصل السماءُ بالأرض، وأن یتنزَّل الوحیُ بالهدایهِ والمنهاجِ؛ لیسعدَ الناسُ فی الدنیا والآخره.. ﴿قَدْ جَاءَکُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَکِتَابٌ مُبِینٌ*یَهْدِی بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَیُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَیَهْدِیهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ﴾ (المائده: من الآیتین ۱۵-۱۶).

لذلک جعل الله تعالى هذا الشهرَ ظرفًا لفریضهِ الصیامِ ﴿کُتِبَ عَلَیْکُمُ الصِّیَامُ کَمَا کُتِبَ عَلَى الَّذِینَ مِنْ قَبْلِکُمْ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾ (البقره: من الآیه ۱۸۳).. الصیامِ عن ضروراتِ الحیاهِ وشهواتِها المباحهِ، ومن باب أولى عن المعاصی والشهواتِ المحرَّمهِ، مادیهً کانت أو معنویهً؛ لتهذیبِ النفسِ، وتقویهِ العزیمهِ، وشحذِ الإرادهِ؛ لیکون المسلمُ سیدَ نفسِه، ومن ثمَّ سیدَ الکون، کما أراده اللهُ، یعمُره بالخیرِ، ویتصدَّى للشرِّ، کما شرع رسولُ الله صلى الله علیه وسلم قیامَ اللیل فی الصلاه، والتهجدَ، والذکرَ، وتلاوهَ القرآن، وشرَعَ زکاهَ الفطر، وکما کرَّم الله تعالى هذا الشهرَ لنزول القرآن فیه، فقد رفعَ قدرَ اللیلهِ التی بدأ نزولُ الوحیِ فیها أیَّما رفعهٍ، وجعلها خیرًا من ألفِ شهرٍ، فهلاَّ استوعبْنا الدرسَ، وقدرْنا القرآن قدرَه، واتخذناه لنا إمامًا ونبراسًا ومنهاجًا، ولم نقفْ عند حدِّ القراءهِ والتبرُّکِ فحسب.

 

أیها الإخوه المسلمون الکرام..

إننی أسعدُ کلَّ السعادهِ حینما أرَى إقبالَ المسلمین على الطاعاتِ، والمنافسهِ فی الخیراتِ، ولکنی أشعرُ أن هذه المسارعهَ إنما تبتغی الخلاصَ الفردیَّ أو الشخصیَّ دون کبیرِ اکتراثٍ بهمومِ الأمهِ وأزماتِ العالمِ.. إننی حین أتلفَّت حولی فأرى أمتَنا- المفروضُ فیها أنها خیرُ أمهٍ أخرجت للناس، تأمرُ بالمعروف، وتنهى عن المنکر، وتؤمنُ بالله- أراها تتقاتلُ بلا عقلٍ ولا ضمیرٍ، تسیل فیها الدماءُ أنهارًا، تحکمُها مجموعاتٌ من المستبدِّین بالحدیدِ والنارِ، تصادِرُ الحریاتُ، وتستبیحُ الحرمات، وتزوِّر الانتخاباتِ، وتملأُ السجونَ بالمخلصین والمصلحین، وتعذِّب الأبریاءَ، وتحتقرُ القانونَ، وتتلاعب بالقضاءِ، وتکمِّمُ الأفواهَ، وتنهبُ الثرواتِ، وتقرِّب المفسدین، حتى سقطت غالبیهُ الشعوبِ فی هوَّهِ الفقرِ والعوزِ والبطالهِ والمرضِ؛ حتى وصلت دولنا- للأسف الشدید- إلى مؤخرهِ الدولِ المتخلِّفهِ فی مجالاتِ الحریهِ، وحقوقِ الإنسانِ، واحترامِ القانونِ والشفافیهِ، والعلمِ والجامعاتِ والاختراعِ، والتنمیهِ والصحهِ، والاستثمارِ، حتى غدا زمامُ قراراتها فی أیدی أعدائها، یسوقونها إلى حیث یریدون، على حساب أمنِها وشعوبِها ومقدساتِها وثرواتِها واستقلالِها واستقرارِها وتقدمِها.

وهذا یدلُّ على أننا فقدنا البوصلهَ، وجهلنا حقیقهَ دورِنا ورسالتِنا فی هذه الحیاه، المتمثله فی قوله تعالى: ﴿وَکَذَلِکَ جَعَلْنَاکُمْ أُمَّهً وَسَطًا لِتَکُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَیَکُونَ الرَّسُولُ عَلَیْکُمْ شَهِیدًا﴾ (البقره: من الآیه ۱۴۳) وقوله عز وجل: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِیرَهٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِی وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِکِینَ﴾ (یوسف:۱۰۸) فالدعوهُ إلى اللهِ والشهادهِ على الناسِ بلسانِ الحالِ (الواقع) المُشَخِّصِ لحقیقهِ الإسلامِ والمجسِّمِ لحضارتِه التی عاشت البشریهُ فی ظلالِها قرونًا عدیدهً؛ هما الواجبان المفروضان لردِّ المسلمین إلى صحیحِ دینِهم وهدایهِ البشریهِ إلى طریقِ السعادهِ والسلامِ، فلم تکن البشریهُ أحوجَ إلى الإسلام منها فی هذا الوقت.

 إننا نعیش فی ظل هیمنه الحضاره الغربیه التی قامت على استعمار الدول وإذلال الشعوب واستنزاف الثروات، والتی أبادت أممًا وشعوبًا من على وجه الأرض، وقتلت ما یزیدُ على سبعین ملیونًا من البشرِ فی حربیْن عالمیتیْن غیر الجرحى، واستخدمت القنابلَ النوویهَ على الیابانِ بلا مبرِّرٍ، وقتلت الملایینَ فی فیتنام والعراقِ وأفغانستانَ، ولا تزال تنشرُ القلاقلَ والفتنَ فی أنحاءِ الأرضِ؛ لإشباع الجشعِ المادیِّ والرغبهِ فی السیطرهِ والتسلطِ.

إن هذه الحضارهَ تبدو کعملاقٍ ضخمٍ فی مجالِ التقدمِ المادیٍّ، وقزمٍ ضئیلٍ فی مجالِ القیمِ والأخلاقِ، ولذلک ما إن انهار الاتحادُ السوفیتیُّ حتى ظهرت نظریاتُ معاداهِ الإسلامِ وصراعِ الحضاراتِ ونهایهِ التاریخِ، وما درَوا أن الإسلامَ الذی یعادونه ویحاربونه هو خلاصُهم ونجاتُهم من وهدهِ الطینِ وظلامِ المادهِ الذی یعیشون فیه.

قد یتساءل کثیرون: هل للإسلامِ طاقهٌ بالتصدِّی لهم، فضلاً عن اجتذابِهم، وأقول بکل الثقهِ: إن الإسلامَ تصدَّى لمحنٍ قاسیهٍ، تصدَّى للتتارِ وانهزمَ المسلمون أمامَهم، وانتهى الأمرُ بدخولِ المنتصرین فی دینِ المغلوبین؛ لِمَا رأوه فیه من رقیٍّ وکمالٍ، وکانت هذه أولَ مرهٍ فی التاریخِ.

ونحن إن لم نملکْ جزءًا ضئیلاً من القوهِ المادیهِ التی یملکون؛ فإننا نملکُ رسالهَ اللهِ للعالمین.. نملکُ رصیدَ الفطرهِ المکنونَ فی نفوسِ البشرِ أجمعین، نملکُ الإیمانَ والقیمَ والمبادئَ والأخلاقَ التی یحتاجها الناسُ.

 

 أیها المسلمون الکرام..

لا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ولو کنتم ضعفاءَ وفقراءَ؛ شریطهَ أن تعرفوا قیمهَ ما تملکون، وأن تعتزُّوا به، وأن تعملوا وأن تدْعُوا له.

إنکم تملکون عقیدهً فی الله جاءت بها کلُّ الرسلِ.. أرقى عقیده عرفها البشر، تقوم على التوحیدِ الخالصِ الذی لا تشوبه شائبهُ شرک قط.. اللهُ فیها هو الخالقُ البارئُ المصوِّرُ، الرازقُ الحکیمُ الخبیرُ، الرحمنُ الرحیمُ، هو الکمالُ والجلالُ المطلقُ، صاحبُ العزه والجمال، مالکُ الملکِ ربُّ العالمین، وتؤمنون بالأنبیاء جمیعًا، لا تفرقون بین أحدٍ منهم؛ باعتبارهم قمهَ الکمالِ البشریِّ وتنزِّهونهم عن کل نقصٍ وخطیئهٍ نُسبت إلیهم، وتتخذونهم قدوهً وأئمهً وضیاءً.

وتؤمنون بالکتبِ السماویهِ کلِّها، وأنها فی أصلِها من مشکاهٍ واحدهٍ تهدی إلى الرشدِ وإلى صراطٍ مستقیمٍ، وتحقِّق السعادهَ فی الدنیا والآخرهِ، وأنَّ القرآنَ الکریمَ مصدقٌ لها ومهیمنٌ علیها، وکلمهُ الله الخاتمهُ للعالمین.

وتؤمنون بیوم القیامه.. یومَ یقوم الناس لرب العالمین، ویُنصَب فیه المیزانُ بالقسط، ویُجزَى کلٌّ بما قدمت یداه؛ إن خیرًا فخیرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِینَ الْقِسْطَ لِیَوْمِ الْقِیَامَهِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَیْئًا وَإِنْ کَانَ مِثْقَالَ حَبَّهٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَیْنَا بِهَا وَکَفَى بِنَا حَاسِبِینَ﴾ (الأنبیاء: ۴۷).

 وتؤمنون بأن الناس جمیعًا لآدمَ، وآدمُ من ترابٍ، لا فضلَ لعربیٍّ على أعجمیٍّ، ولا لأبیضَ على أسودَ إلا بالتقوى والعملِ الصالحِ النافعِ للناسِ ﴿یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرٌ﴾ (الحجرات: ۱۳).

واللهُ عزَّ وجلَّ هو ربُّ العالمین، ولیس ربَّ قوم دون قوم، أو قبیله دون أخرى، أو مجموعه من الناس دون غیرهم، والناس متساوون کأسنان المشط.

واللهُ تعالى سخَّرَ للإنسانِ ما فی السماوات وما فی الأرض ﴿وَسَخَّرَ لَکُمْ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ جَمِیعًا مِنْهُ﴾ (الجاثیه: من الآیه ۱۳)، وأمرَه أن یستکشفَ أسرارَها، ویستخرجَ کنوزَها، ویطوِّعَها لخدمتِه ﴿فَامْشُوا فِی مَنَاکِبِهَا وَکُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَیْهِ النُّشُورُ﴾ (الملک: من الآیه ۱۵).

 

وکرَّم هذا الإنسانَ على العالمین ﴿وَلَقَدْ کَرَّمْنَا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِی الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّیِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى کَثِیرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِیلاً﴾ (الإسراء:۷۰)، ومن ثمَّ حرَّمَ العدوانَ على حیاتِه أو على بدنِه أو عِرضِه أو مالِه أو کرامتِه، واعتبرَ قتْلَ فردٍ واحدٍ کقتلِ الناسِ جمیعًا ﴿أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَیْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِی الْأَرْضِ فَکَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِیعًا وَمَنْ أَحْیَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْیَا النَّاسَ جَمِیعًا﴾ (المائده: من الآیه ۳۲).

وخلق الناسَ أحرارا "متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا"، ومن ثمَّ کفلَ لهم حریهَ العقیدهِ والعبادهِ والرأیِ والتعبیرِ والتجمعِ والعملِ والانتقالِ.

 

کما فرضَ اللهُ تعالى عباداتٍ تزکی النفوسَ، وتُطهرُ القلوبَ، وتُحیِى الضمائرَ، وتُحلِّقُ بالأرواحِ، وتصلُ الإنسانَ برب العالمین، فترتقی مشاعرُه وتتهذبُ أحاسیسُه وتنضحُ بالخیرِ على سلوکه نحوَ الناس، إضافهً إلى آثارِها الاجتماعیهِ والاقتصادیهِ والسیاسیهِ، فالصلاهُ والزکاهُ والصیامُ والحجُ هی الأرکانُ الخمسهُ بعد الشهادتین لهذا البناء الروحانی العظیم.

 

وکذلک فرضَ أخلاقًا سامیهً جعلَها محورَ الرسالهِ وجوهرَها "إنما بعثت لأتمم مکارم الأخلاق"، فالصدقُ والأمانهُ والوفاءُ والبرُّ والکرمُ والتسامحُ والعفوُ والصفحُ والتضحیهُ والبذلُ.. إلى آخر الأخلاقِ الکریمهِ؛ کلُّها أمورٌ مفروضهٌ، وهی ترتبطُ ارتباطًا لا فکاکَ منه بکلِّ المعاملات بشتَّى أنواعِها.

کما شرع اللهُ تعالى شریعهً تنظِّم أمور الحیاه، وتحدِّد العلاقات بین الناس، شرع فیها أحکامًا ثابتهً فی الأمور التی لا تتغیر بتغیر الأزمان والأماکن، وترک للمجتهدین أن یستنبطوا الأحکام المناسبه لأجیالهم وأزمانهم فی إطار المبادئ والقیم والأخلاق الإسلامیه.

ونظَّم الإسلامُ العلاقهَ بین الرجل والمرأه فی إطار الأسره، وسوَّى بین الرجل والمرأه فی الکرامه الإنسانیه وأسس الأسره على التکامل بین الزوجین، فی سبیل توفیر مقوِّمات الحیاه، وتحقیق السعاده لجمیع أفراد الأسره.

ونظَّم العلاقه بین الأفراد، فی المعاملات المالیه، فی البیع والشراء، والرهن والإجاره، والمزارعه والاستثمار، والهبه والوکاله وسائر العقود.

 

ونظَّم العلاقه بین الحاکم والشعب، على أساس حقِّ الأفراد فی تولِّی هذا المنصب وغیرِه من المناصب، وأن ولایه هذا المنصب لا تکون إلا برضا الشعب (الأمه مصدر السلطات) أی بالانتخاب الحر النزیه، وأن هذا هو طریقُ اکتساب الشرعیه، وأن المرکزَ القانونیَّ للحاکم إنما هو النیابهُ عن الأمه أو الوکاله عنها فی تنفیذ الأحکام والسیاسات الشرعیه النصیَّه والاجتهادیه التی تسنُّها الهیئه التشریعیه، وأن الأخیره هذه إنما تتبوَّأ مناصبَها بالانتخابِ الحرِّ النزیهِ أیضًا.

 

 وبیَّن الإسلام أن سیادهَ القانون تسری على الکبیر والصغیر والحاکم والمحکوم، ولا سلطانَ لأحد على القاضی إلا ضمیرُه والقانونُ الذی یحکمُ به، وحسبُنا حدیثُ الرسول صلى الله علیه وسلم: "إنما أهلک من کان قبلکم؛ أنهم کانوا إذا سرق فیهم الشریف ترکوه، وإذا سرق فیهم الضعیف أقاموا علیه الحد، وأیم الله لو أن فاطمه بنت محمد سرقت لقطعت یدها".

 

کما حرَّم الموبقاتِ والخبائثَ؛ فحرَّم الزنا والربا والخمرَ والمخدراتِ والغشَّ والاختلاسَ والنهبَ، ولهذا جاء فی الحدیث الشریف: "إن رجالاً یتخوَّضون فی مال الله بغیر حق فلهم النار یوم القیامه" وجاء فیه أیضًا: "هدایا الأمراء غلول"؛ أی الهدایا التی تقدَّم للحکام إنما هی سرقهٌ لو أخذوها لأنفسهم.

ویحکم کلَّ هذا تقوى اللهِ عزَّ وجل، ویحرُسه الضمیرُ قبل أن یحرسَه القانونُ.

 

 أیها المسلمون الأفاضل..

هذه بعضُ معالم إسلامنا التی نحتاجها ویحتاجها العالمُ کله، لا سیما فی هذا الزمان، فضلاً عن أنها تؤسِّسُ لنهضه عظیمه وحضاره عملاقه للعالم العربی والإسلامی؛ إنْ هو سار على دربها وأخذ بها، والتزم منهاجها، انتفعَ بها الناسُ جمیعًا على اختلاف عقائدهم وأجناسهم.

 

 إذًا فنحن نملکُ ما نقدمُه للبشریه، وهو أغلى بکثیر مما نحتاجُه منهم، من سلعٍ وأدواتٍ ومحاصیلَ؛ فهل نغیِّرُ ما بأنفسنا حتى یغیِّرَ الله ما بنا، وحتى نکون شهداءَ على الناسِ بحقٍّ؟!

 

إننا نستطیع- بفضل الله- أن نفتح قلوبَ الناس فی العالم کلِّه بالکلمه الطیبهِ والدعوهِ المخلصهِ بالحکمهِ والموعظهِ الحسنهِ والحوارِ العقلیِّ البنَّاء؛ حتى نعیدَ الروحَ والإنسانیهَ والاعتدالَ إلى الحضارهِ الغربیهِ، ومن فضلِ الله أن وسائلَ الاتصالِ والإعلامِ ذلَّلت هذه المهمه، کما أن ما وهبنا الله من ثرواتٍ یُتیح لنا کمسلمین القیامَ بهذه الرسالهِ؛ فهل نستطیع تبنِّیها حکوماتٍ وشعوبًا من أجل سعاده البشریه؟!

إننی وأنا أفتح باب الأمل على مصراعیه إنما أتمثَّل رسول الله صلى الله علیه وسلم وهو یبشِّر أصحابه بانتشار الإسلام فی العالم، یبشرهم بذلک وهم فی قلب المحنه والأحزاب یحیطون بهم من کل جانب لیستأصلوا شأفتهم ویبیدوا خضراءهم.

 

وأقول هذا الکلام بینما الألم یعتصرُ قلبی، والمرارهُ تملأ نفسی مما یحدث فی مصر، من قمعٍ واعتقالٍ وتلفیقٍ للاتهاماتِ، وترویعٍ للآمنین، وتضییقٍ على الجمیع، ونهشٍ للأعراض فی وسائل الإعلام، ومصادرهٍ للأموال، واحتقارٍ لأحکام القضاء، وأذکِّر من یفعل ذلک بقولی: أما آن لکم أن تصوموا عن حرماتِ الناس وحریاتِهم وحقوقِهم وکرامتِهم وأموالِهم وأعراضِهم؟ إنکم بما تفعلون إنما تظلمون أنفسَکم قبل أن تظلمونا، وتظلمونَ وطنکم وشعبکم بحرمانه من أسباب النهضه والتقدم، وتظلمون دینَکم بحرمانِ البشریهِ منه، وهی أحوجُ ما تکون إلیه، وتخدمون- دون أن تدروا- الصهاینهَ أعداءَ الأمهِ فی مشروعِهم الإجرامیِّ للسیطرهِ علیها.

 وأقول أیضًا لناهبی أموال الأمه.. أما آن لکم أن تتوبوا عن الحرام، وتُعیدوا للفقراء والمعدَمین حقوقَهم؛ لیجدوا الکفافَ قبل أن تنفجر ثورهُ الجیاع والمحرومین، أو قبل أن ترحلوا إلى الله بلا درهمٍ ولا دینارٍ، وإنما بالجرائم والأوزارِ؟!

 

 وأنتم أیها المستبیحون لدماء المسلمین فی العراق وأفغانستان وباکستان والصومال والسودان.. أما آن لکم أن توقفوا شلالَ الدماءِ وتنشروا السلامَ والوئامَ، وتشعروا بمسئولیتکم أمام الله عن الشعوبِ وعن الإسلامِ وحضارته وعن البشریهِ وحاجتِها.

 

وأنتم أیها الحکام الذین تشارکون فی حصار إخوانکم الصامدین فی غزه، طاعهً للمتکبِّرین والغاصبین من الأمریکان والصهاینه.. أما آن لکم أن ترفعوا الحبلَ عن أعناقِ إخوانِکم، وأن توفوا بوعودِکم فی إعمارِ ما دمَّره العدوانُ الصهیونیُّ علیهم، وألا تخذلوهم فی موقفٍ هم محتاجون فیه إلى نصرتِکم؟ قبل أن تحتاجوا إلى نصیرٍ أو شهیدٍ عند اللهِ فلا تجدوا إلا الخذلان؟!

 

وأنتم أیها الأحرارُ الشرفاءُ المجاهدون.. یا من تقبعون فی غیاهبِ السجونِ.. فی مصر وفلسطین والعراق وفی کلِّ مکان.. ظلمًا وعدوانًا، وتُحرمون من أهلیکم وإخوانِکم فی هذا الشهرِ الفضیلِ، یا من تأمرون بالقسط، وتبتغون الإصلاحَ، وتعزُفون عن المناصبِ والمصالح، وتضحُّون فی سبیل الله؛ اعلموا أن الله معکم ولن یترکم أعمالکم، وأن النصرَ مع الصبر، وأن الفرجَ مع الکرْب، وأن مع العسرِ یسرًا، وأننا على العهدِ باقون، وعلى الطریق ثابتون، وأن العاقبه للمتقین ﴿وَالَّذِینَ جَاهَدُوا فِینَا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِینَ﴾ (العنکبوت:۶۹) ﴿وَسَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: من الآیه ۲۲۷).

 

﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ﴾ (یوسف: من الآیه۲۱).

المصدر : اخوان انلاین

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا