الاحزاب و الحرکاتالعربیة

تطور فکره الحزب لدى الإخوان المسلمین

تطور فکره الحزب لدى الإخوان المسلمین

  بقلم: عبده مصطفى دسوقی

أثار قرار الإخوان المسلمین بإنشاء حزب سیاسی منذ سنین کثیرًا من الجدل بین الجمیع؛ حتى إنه أصبح حدیث الساعه منذ انطلاق هذا القرار، والجمیع ما بین مؤید ومعارض، وما بین مترقب ومتوجس؛ خیفهً من شکل الحزب وکیفیه تناوله القضایا وآلیه عمله، وکیفیه تعاطیه مع القضایا الشائکه، مثل المرأه والأقباط، ومرجعیته، بالإضافه إلى اختلاف هذا الفکر عن فکر الإمام المؤسس للجماعه الأستاذ حسن البنا، والذی کان یعارض بشده الحزبیه.

 

لقد استطاع الإمام- کما یصفه الأستاذ أنور الجندی- أن یقیم دعائم أساسیه للفکر الإسلامی، فقد حدَّد موقف الإسلام من الوطنیه والقومیه، وکشف عن صله العروبه بالإسلام، وأن الإسلام لیس دینًا لاهوتیًّا بمفهوم الغرب، ولکنه دین، ومنهج حیاه، ونظام مجتمع.

 

کما استطاع- خلال عشرین عامًا، ثم ما جاء من بعد- أن یصنع جیلاً یحمل همَّ الدین والوطن، ویکون رائدًا فی مجالات الحیاه، فقد کان یعرف قدر الرجال فیعطی العاملین منهم الفرصه للعمل لخیر الوطن والإسلام.

 

وخلال هذه السطور نحاول أن نلقی بالضوء على هذه الأمور، من خلال:

۱- التعرف على مفهوم الحزب السیاسی.

۲- نشأه الأحزاب القدیمه وأثرها فی الحیاه.

۳- مفهوم الحزبیه فی فکر الإمام البنا.

۴- مفهوم الحزبیه فی فکر الإخوان حالیًّا.

۵- مفهوم الحزب السیاسی.

 

أولاً: التعرف على مفهوم الحزب السیاسی:

الحزب فی اللغه: هو عباره عن جماعه من الناس یجمعهم رأی واحد على موقف واحد.

 

وفی المصطلح السیاسی: هو عباره عن تجمع منظم، یهدف إلى المشارکه فی الحیاه السیاسیه بقصد الاستیلاء کلیًّا أو جزئیًّا على السلطه.

 

قال أحد علماء السیاسه هـ. کلن: "الحزب عباره عن تشکیل یضم رجالاً لهم نفس الرأی، بهدف تأمین تأثیر حقیقی لهم فی إداره الشئون العامه".

 

وقال فرانسوا بوردو: "الحزب هو کل تجمع لأفراد یبشرون بنفس الأفکار السیاسیه، ویسعون لجعلها تتغلب من خلال مؤازره أکبر عددٍ ممکن من المواطنین لها؛ للاستیلاء على السلطه أو على الأقل للتأثیر فی قراراتها".

 

وقال العالم السیاسی الکبیر أوستن رنی: "الحزب عباره عن جماعه منظمه ذات استقلال ذاتی، تقوم بتعیین مرشحیها، وتخوض المعارک الانتخابیه؛ على أمل الحصول على المناصب الحکومیه والهیمنه على خطط الحکومه".

 

ویمکننا أن نستخلص من مجموع التعاریف أن الحزب فی المصطلح السیاسی الحدیث عباره عن "جماعه من الناس، لهم تنظیم معین ورأی واحد وموقف موحد؛ لأجل الوصول إلى الحکم، والمشارکه فیه بالاعتماد على دعم الجماهیر لهم".

 

وقد وردت فی القرآن الکریم کلمه الحزب بمعنى الجماعه التی لها رأی واحد وموقف موحد، حقًّا کان أو باطلاً.

 

ثانیًا: نشأه الأحزاب القدیمه وأثرها فی الحیاه:

منذ أن دخل المستعمر الإنجلیزی إلى مصر فی ۱۸۸۲م، وسیطر على جمیع مناحی الحیاه، سواء السیاسیه والاقتصادیه والاجتماعیه والثقافیه، وجعلها تدور فی فلکه، فأدى ذلک إلى تهافت کثیر من الساسه لإرضاء المحتل بأی وسیله، ولهذه الأسباب اعتراض الإمام البنا على إنشاء حزب فی ظل وجود محتل لن یسمح له بالسیر وفق ما ینادی به الإخوان، وأیضًا للبعد عن التنافسیه الحزبیه البغیضه.

 

ولنتوقف لنتعرف على نشأه هذه الأحزاب ودورها وأثرها.

فالحزب الوطنی الذی أنشأه مصطفى کامل المؤسس سنه ۱۹۰۷م استطاع أن یقلق مضاجع الاحتلال الأجنبی، لا سیما بعد حادثه دنشوای ۱۹۰۶م، وکان من سماته الوطنیه العمل من أجل قضیه الوطن، غیر أنه بعد وفاه محمد فرید اعتراه الضعف والتناحر الحزبی، بل وصل به الحال أن حدث به انشقاقات بسبب اعتراض الشباب على سیاسه قاده الحزب؛ حیث وافق حافظ رمضان على الاشتراک فی وزاره فی وجود الاحتلال، وهم من کانوا ینادون بأنه لا مفاوضات إلا بعد الجلاء، فانفصلوا وکوَّنوا الحزب الوطنی الجدید برئاسه الأستاذ فتحی رضوان عام ۱۹۴۴م.

 

ثم کان حزب الأمه، والذی تشکل من عناصر موالیه للمحتل الإنجلیزی طمعًا فی رضاه، فعملوا على التصدی للحزب الوطنی الذی کان یعمل ضد الإنجلیز، وقد نشأ حزب الأمه فی سبتمبر من عام ۱۹۰۷م، وکما یقول عبد العزیز عمر، فی کتابه "دراسات فی تاریخ مصر الحدیث والمعاصر": إن هذا الحزب یکون من عنصرین هما المفکرون المتأثرون بالنظریات الأوروبیه فی جمیع المجالات، الداعون إلى الابتعاد عن ثوابت الأمه التی استقر علیها أمثال أحمد لطفی السید ومصطفى عبد الرازق ومحمد حسین هیکل وطه حسین وغیرهم، والعنصر الثانی هم جماعه الباشوات وکبار الملاک، مثل محمود سلیمان باشا وحسن باشا عبد الرازق وحمد بک الباسل وفخری عبد النور وسلیمان أباظه وعبد الرحیم الدمرداش وعلی شعراوی وعبد الخالق ثروت، وقد رأس الحزب بعد تألیفه محمود سلیمان العضو بمجلس شورى القوانین وأحد کبار أثریاء الصعید.

 

وقد برزت سیاسه الحزب، فیما کتبته جریده (حزب الأمه): "إن مصر ترید الاستقلال، فإذا لم یکن السبیل إلیه میسورًا، وکان لا بد من أن تحکمها أمه أخرى، فإنجلترا خیر أمه ترضاها مصر".

 

وبعد ذلک ظهر حزب الوفد کحرکه شعبیه فی بادئ الأمر، کانت تهدف إلى تأیید المجموعه المصریه التی تم اختیارها کممثلین عن الشعب المصری للتفاوض مع المحتل من أجل تحقیق الجلاء.

 

ونشأت فکره الحزب فی العهد الملکی بتشکیل وفد للتفاوض مع الإنجلیز مکون من سعد زغلول وعبد العزیز فهمی وعلی شعراوی وأحمد لطفی السید وآخرین.. وأطلقوا على أنفسهم (الوفد المصری)؛ للمطالبه بإنهاء الاستعمار البریطانی على مصر.

 

أدى قرار بریطانیا نفی قاده الوفد إلى تفجر مظاهرات احتجاج فی القاهره، ما لبثت أن امتدت فی جمیع أنحاء البلاد، وتحولت الاحتجاجات الشعبیه إلى ثوره عارمه عُرفت باسم ثوره ۱۹۱۹م.

 

فعاد سعد زغلول ورفاقه من المنفى، وبعد الدعم الشعبی الکبیر، قرر تحویل الوفد إلى حزب لاستثمار التحرک الشعبی ومواصله النضال من أجل الاستقلال.

 

أما عن حزب الأحرار الدستوریین فقد نشأ فی (صفر ۱۳۴۱هـ = أکتوبر ۱۹۲۲م) برئاسه عدلی یکن، وکان یمثل طبقه کبار الملاک المصریین الراغبین فی المشارکه فی الحکم مع القصر، وقد انسلخ هؤلاء عن الوفد أثناء المفاوضات مع الإنجلیز، فیما عُرف بالانقسام بین السعدیین (نسبه إلى سعد زغلول) والعدلیین (نسبه إلى عدلی یکن)، وسعى هؤلاء لتأکید سلطه الأمه بین السلطه الشرعیه ویمثلها الخدیوی، والسلطه الفعلیه ویمثلها الإنجلیز، وکان غالبیه قاده هذا الحزب متأثرین بالأفکار الغربیه، مع تمرسهم فی العمل السیاسی، وروابطهم القویه بجهاز الدوله الإداری وعلاقاتهم بالإنجلیز.

 

ولم تتوقف عجله نشأه الأحزاب عند هؤلاء، فقد نشأ حزب الاتحاد فی ینایر ۱۹۲۵م؛ حیث دخل الملک فؤاد فی معرکهٍ سافرهٍ مع الحرکه الوطنیه، بأن أوعز لحسن نشأت باشا بإنشاء حزب الاتحاد؛ لکی یوقف هیمنه الوفد على الحیاه السیاسیه فی مصر.

 

ومن ضمن الأحزاب التی نشأت فی ظل الاحتلال، والتی عملت على خدمه الدیکتاتوریه وتنفیذ سیاسه الأجنبی المحتل؛ حزب الشعب، حیث لجأ الملک إلى استخدام إسماعیل صدقی، وقام بتولیته الوزاره، فقام الأخیر بإلغاء دستور ۱۹۲۳م، وأصدر دستور ۱۹۳۰م الذی أعطى صلاحیات واسعه للملک حتى سمی بدستور الملک، فی مقابل دستور ۱۹۲۳م الذی سمی بدستور الشعب.. وفی ۱۷ نوفمبر ۱۹۳۰م أعلن تأسیس حزب الشعب، وتولى إسماعیل صدقی باشا رئاسته، وأصدر جریده یومیه أسماها (الشعب)، وشارک إسماعیل صدقی التأسیس کل من عدلی یکن، وتوفیق نسیم، ومحمد محمود.

 

أما حزب مصر الفتاه فقد کان حرکه سیاسیه قومیه مصریه بدأت فی جمادى الآخره ۱۳۵۲هـ الموافق ۱۲ أکتوبر ۱۹۳۳م بقیاده أحمد حسین، متأثره بالحرکات القومیه فی تلک الفتره؛ حیث بدأ نشاطه اجتماعیًّا بمشروع القرش عام ۱۹۳۰م، ثم تشکلت الجمعیه بعد ذلک فی أکتوبر ۱۹۳۳م بزعامه أحمد حسین.. وکان من شخصیات الجمعیه البارزین فتحی رضوان ومصطفى الوکیل، غیر أنه فی ۱۶ من شوال ۱۳۵۵هـ الموافق۳۱ من دیسمبر ۱۹۳۶م حوَّل أحمد حسین الجمعیه إلى حزب سیاسی.

 

وقد ثارت خصومه شدیده بین هذا الحزب وحزب الوفد، ووقف مع الأحزاب المناوئه للوفد کالأحرار الدستوریین ومع الملک، وهاجم معاهده سنه ۱۹۳۶م التی أبرمتها مصر مع بریطانیا بزعامه مصطفى النحاس، وبدأ بفرق القمصان الخضراء أُسوه بأصحاب القمصان الزرقاء الفاشیه، ودخل الحزب فی خصومات متعدده مع الأحزاب والملک.

 

وبعد الانشقاق الذی حدث داخل الوفد مره أخرى بقیاده أحمد ماهر باشا ومحمود فهمی النقراشی فی أوائل ۱۹۳۸م کوَّن هؤلاء حزب الهیئه السعدیه، وکانت من سیاستهم إعلان الحرب على دول المحور لصالح الإنجلیز.

 

کما انشق أیضًا مکرم عبید عن حزب الوفد عام ۱۹۴۳م، وکوَّن حزب الکتله الوفدیه، وجاء هذا الانشقاق نتیجه بعض الممارسات الوزاریه فی الحکومه الوفدیه، وکانت قضیه (الاستثناءات) من أخطر القضایا التی أثارت جدلاً؛ حیث کان للوفدین منطقهم الخاص فی إعطاء درجات استثنائیه لأنصار الوفد، وهو الخلاف الذی أدَّى إلى إصدار مکرم عبید لـ(الکتاب الأسود)، فی محاولهٍ لنشر فضائح حزب الوفد، وقد تم القبض على مکرم ورفاقه وألقی بهم فی المعتقل، وخرجوا جمیعًا مع وزاره أحمد ماهر الأولى فی ۸ أکتوبر ۱۹۴۴م.

 

وکان آخر الأحزاب نشأهً الحزب الوطنی الجدید، برئاسه الأستاذ فتحی رضوان عام ۱۹۴۴م، الحزب الوطنی الجدید على مبادئ الحزب الوطنی الذی أنشأه الزعیم مصطفى کامل؛ حیث اختلف مع زعامات الحزب الوطنی القدیم لتخلیهم عن مبادئ مصطفى کامل وتولیه الوزاره تحت ظل المحتل، وقد أصدر جریده (اللواء الجدید)؛ حیث صدر العدد الأول منها فی ۱۲ نوفمبر ۱۹۴۴م.

 

کانت هذه نبذه مختصره عن الأحزاب التی نشأت فی ظل المحتل الإنجلیزی، وقد حرص کثیرًا من هذه الأحزاب أن تحظى برضى الملک والإنجلیز حتى یصلوا إلى الحکم؛ وذلک على حساب الشعب وقضایاه، مما ترک أثرًا سیئًا لدى عموم الشعب عامه وعند الأستاذ البنا والإخوان خاصه.

ثالثًا: الأحزاب والحزبیه فی فکر الإمام البنا:

تربَّى حسن البنا على یدى والده العالم الازهری الجلیل الشیخ أحمد عبد الرحمن البنا وغرس فیه معانی العزه من خلال کتاب الله وسنه نبیه وسیره السلف الصالح، فنشأ کغیره الکثیر ممن تربوا على هذه المعانی، وحینما شبَّ کشاب وجد سیاسه الأحزاب وانسیاقها وراء المستعمر وتنفیذ مطالبه وتغلیب مصالح المستعمر على حساب مصالح الوطن والشعب، ولیس هذا فحسب بل وقعت البلاد فی بلاء المهاترات الحزبیه والتنافس الحزبی بین هذه الأحزاب للوصول إلى السلطه بأی ثمن، سواء بالتزلف للمستعمر أو بالتشهیر بالآخر، أو بالعمل لحساب الملک على حساب الوطن والشعب.

 

ومن ثم بغض الإمام البنا الحزبیه والأحزاب لهذه الأسباب والتی شعر فیها بأن هذه الأحزاب هی سبب شقاء البلاد وخرابها، ومن ثم طالب بحلها.

 

ومع ذلک لم ینظر الإمام البنا إلى الشخصیات الحزبیه کلها أنها سیئه بل أعرب عن سعادته بزعماء عملوا من أجل الوطن أمثال مصطفى کامل ومحمد فرید فیقول فی ذکرى وفاته عام ۱۹۴۸م: " لم یکن مصطفى کامل زعیم حزب ولا رئیسًا لجماعه، وإنما کان مبعث حرکه، وصاحب مبدأ، وقائد أمه، لقد کان مصطفى کامل موفقًا فی تحدید الهدف، موفقًا فی رسم الوسیله، فها نحن بعد أربعین سنه من موته نعود من حیث ترکنا فننادی الیوم: "بألا مفاوضه إلا بعد الجلاء"، وها نحن قد ترخصنا فی الوسائل فإذا بهذا الترخص لا یؤدی إلى غیر وسیله رخیصه رأینا فشلها، وها نحن نعود إلى وسیله مصطفى کامل وهی الکفاح والجهاد".

 

لقد حاول حسن البنا أن یجد السیاسی المحنک الذی یعرف معنى الوطنیه الحقه لا الوطنیه الزائفه التی سار علیها کثیر من الأحزاب فیقول فی رساله دعوتنا: "وإن کانوا یریدون بالوطنیه تقسیم الأمه إلى طوائف تتناحر، وتتضاغن، وتتراشق بالسباب، وتترامى بالتهم، ویکید بعضها لبعض، وتتشیع لمناهج وضعیه أملتها الأهواء، وشکلتها الغایات والأغراض، وفسرتها الأفهام وفق المصالح الشخصیه، والعدو یستغل کل ذلک لمصلحته، ویزید وقود هذه النار اشتعالاً، یفرقهم فی الحق ویجمعهم على الباطل، ویحرم علیهم اتصال بعضهم ببعض وتعاون بعضهم مع بعض، ویحل لهم هذه الصله به والالتفاف حوله، فلا یقصدون إلا داره، ولا یجتمعون إلا زواره، فتلک وطنیه زائفه لا خیرَ فیها لدعاتها ولا للناس.

 

فها أنت قد رأیت أننا مع دعاه الوطنیه، بل مع غلاتهم فی کل معانیها الصالحه التی تعود بالخیر على العباد والبلاد، وقد رأیت مع هذا أن تلک الدعوى الوطنیه الطویله العریضه لم تخرج عن أنها جزء من تعالیم الإسلام".

 

کما فرَّق بین السیاسه الحقه والحزبیه البغیضه فیقول فی رساله مؤتمر الطلبه: "الفارق بعید بین الحزبیه والسیاسه، وقد یجتمعان وقد یفترقان، فقد یکون الرجال سیاسیًّا بکل ما فی الکلمه من معان، وهو لا یتصل بحزب ولا یمت إلیه، وقد یکون حزبیًّا ولا یدری من أمر السیاسه شیئًا، وقد یجمع بینهما فیکون سیاسیًّا حزبیًّا أو حزبیًّا سیاسیًّا على حد سواء، وأنا حین أتکلم عن السیاسه فی هذه الکلمه فإنما أرید السیاسه المطلقه، وهی النظر فی شئون الأمه الداخلیه والخارجیه غیر مقیده بالحزبیه بحال.. بعد هذا التحدید العام لمعنى الإسلام الشامل، ولمعنى السیاسه المجرده عن الحزبیه، أستطیع أن أجهر فی صراحه: بأن المسلم لن یتم إسلامه إلا إذا کان سیاسیًّا، بعید النظر فی شئون أمته، مهتمًّا بها غیورًا علیها.

 

وأستطیع کذلک أن أقول: إن هذا التحدید والتجرید أمر لا یقره الإسلام، وإن على کل جمعیه إسلامیه أن تضع فی رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها السیاسیه، وإلا کانت تحتاج هی نفسها إلى أن تفهم معنى الإسلام".

 

ویوضح أن السیاسه شیء حیث إنها من الإسلام والحزبیه البغیضه شیء آخر لأنها لا تمت للإسلام فی شیء فیقول فی رساله مؤتمر الطلبه أیضًا: "إن هذه السیاسه الإسلامیه نفسها لا تنافی أبدًا الحکم الدستوری الشوری، وهی واضعه أصله ومرشده الناس إلیه فی قوله تعالى من أوصاف المؤمنین: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَیْنَهُمْ﴾.. وإن لی فی الحزبیه السیاسیه آراء هی لی خاصه، ولا أحب أن أفرضها على الناس.. أعتقد- أیها الساده- أن الحزبیه السیاسیه إن جازت فی بعض الظروف فی بعض البلدان، فهی لا تجوز فی کلها، وهی لا تجوز فی مصر أبدًا، وبخاصه فی هذا الوقت الذی تستفتح فیه عهدًا جدیدًا، ونرید أن نبنی أمتنا بناءً قویًا یستلزم تعاون الجهود، وتوافر القوى، والانتفاع بکل المواهب، والاستقرار الکامل، والتفرغ التام لنواحی الإصلاح.. وأعتقد- أیها الساده- أن التدخل الأجنبی فی شئون الأمه، لیس له من باب إلا التدابر والخلاف، وهذا النظام الحزبی البغیض، وأنه مهما انتصر أحد الفریقین فإن الخصوم بالمرصاد یلوّحون له بخصمه الآخر، ویقفون منهما موقف القرد من القطتین، ولا یجنی الشعب من وراء ذلک إلا الخساره من کرامته واستقلاله وأخلاقه ومصالحه.. إننا أمه لم نستکمل استقلالنا بعدُ استکمالاً تامًّا، ولا زلنا فی المیزان، ولا زالت المطامع تحیط بنا من کل مکان، ولا سیاج لحمایه هذا الاستقلال والقضاء على تلک المطامع إلا الوحده والتکاتف.. وفرق بین الحزبیه التى شعارها الخلاف والانقسام فی الرأی والوجهه العامه وفى کل ما یتفرع منها، وبین حریه الآراء التى یبیحها الإسلام ویحض علیها، وبین تمحیص الأمور وبحث الشئون والاختلاف فیما یعرض تحریًا للحق، حتى إذا وضح نزل على حکمه الجمیع سواء أکان ذلک إتباعا للأغلبیه أو للإجماع، فلا تظهر الأمه إلا مجتمعه، ولا یرى القاده إلا متفقین".

 

وقد جاء فی مقررات المؤتمر مطالبه الهیئات الإسلامیه جمیعًا بالاشتراک الفعلی فی السیاسه العامه للأمه، مع العمل على تکوین اتحاد عام لها، وحل جمیع الأحزاب الحالیه السیاسیه، وأن تستبدل بها هیئه موحده لها منهاج إصلاحی إسلامی یتناول کل شئون النهضه، وتتوافر على وضعه وإنفاذه جمیع المواهب والقوى؛ لما ثبت من أضرار النظام الحزبی، وفشله بالنهوض بالأمه.

 

ووضح فی رساله المؤتمر الخامس موقف الإخوان من هذه الأحزاب التی نشأت على الحزبیه البغیضه والمصالح الشخصیه فیقول: " الإخوان المسلمون یعتقدون أن الأحزاب السیاسیه المصریه جمیعًا قد وجدت فی ظروف خاصه، ولدواع أکثرها شخصی لا مصلحی .. ویعتقدون کذلک أن هذه الأحزاب لم تحدد برامجها ومناهجها إلى الآن، فکل منها یدعى أنه سیعمل لمصلحه الأمه فی کل نواحى الإصلاح، ولکن ما تفاصیل هذه الأعمال، وما وسائل تحقیقها؟ وما الذى أعد من هذه الوسائل، وما العقبات التى ینتظر أن تقف فی سبیل التنفیذ، وماذا أعد لتذلیلها؟ کل ذلک لا جواب له عند رؤساء الأحزاب وإدارات الأحزاب، فهم قد اتفقوا فی هذا الفراغ، کما اتفقوا فی أمر آخر هو التهالک على الحکم، وتسخیر کل دعایه حزبیه، وکل وسیله شریفه وغیر شریفه فی سبیل الوصول إلیه، وتجریح کل من یحول من الخصوم الحزبیین دون الحصول علیه.

 

ویعتقد الإخوان کذلک أن هذه الحزبیه قد أفسدت على الناس کل مرافق حیاتهم، وعطلت مصالحهم، وأتلفت أخلاقهم، ومزقت روابطهم، وکان لها فی حیاتهم العامه والخاصه أسوأ الآثار… ویعتقدون کذلک أن النظام النیابی، بل حتى البرلمانی، فی غنى عن نظام الأحزاب بصورتها الحاضره فی مصر، وإلا لما قامت الحکومات الائتلافیه فی البلاد الدیمقراطیه، فالحجه القائله بأن النظام البرلمانی لا یتصور إلا بوجود الأحزاب حجه واهیه، وکثیر من البلاد الدستوریه البرلمانیه تسیر على نظام الحزب الواحد وذلک فی الإمکان.

 

کما یعتقد الإخوان أن هناک فارقًا بین حریه الرأی والتفکیر والإبانه والإفصاح والشورى والنصیحه، وهو ما یوجبه الإسلام، وبین التعصب للرأى والعمل الدائب على توسیع هوه الانقسام فی الأمه وزعزعه سلطان الحکام، وهو ما تستلزمه الحزبیه … هذه مجمل نظرات الإخوان إلى قضیه الحزبیه والأحزاب فی مصر، وهم لهذا قد طلبوا إلى رؤساء الأحزاب، منذ عام تقریبًا أن یطرحوا هذه الخصومه جانبًا وینضم بعضهم إلى بعض".

 

ثم یوضح مفهوم الإخوان للسیاسه التی یعملون فی إطارها، فیقول فی رساله المؤتمر السادس: "أما إننا سیاسیون حزبیون نناصر حزبًا ونناهض آخر، فلسنا کذلک ولن نکون، ولا یستطیع أحد أن یأتی على هذا بدلیل أو شبه دلیل، وأما إننا سیاسیون بمعنى أننا نهتم بشئون أمتنا، ونعتقد أن القوه التنفیذیه جزء من تعالیم الإسلام تدخل فی نطاقه، وتندرج تحت أحکامه، وأن الحریه السیاسیه والعزه القومیه رکن من أرکانه، وفریضه من فرائضه، وأننا نعمل جاهدین لاستکمال الحریه ولإصلاح الأداه التنفیذیه؛ فنحن کذلک، ونعتقد أننا لم نأت فیه بشیء جدید، فهذا هو المعروف عند کل مسلم درس الإسلام دراسه صحیحه".

 

ولا أدل على هذه الحزبیه البغیضه من مواقف کثیر من شباب القمصان الزرقاء التابعه للوفد وشباب القمصان الخضراء التابعه لحزب مصر الفتاه الذین کانت تقوم بینهم الحروب والمعارک حتى أصدر محمد محمود باشا رئیس الوزراء قرارًا بحل التشکیلات العسکریه عام ۱۹۳۹م وأیضًا عدم قبول النحاس باشا لکحومه وطنیه ائتلافیه فی وقت عصیب؛ حیث حاصرت الدبابات القصر الملکی لتخیر الملک بین البقاء کملک وتکلیف النحاس باشا بحکومه وفدیه أو عزله ونفیه، وأیضًا حینما توجه النقراشی باشا رئیس الوزراء عام ۱۹۴۷م لمجلس الأمن لعرض القضیه المصریه؛ فما کان من النحاس باشا إلا أن أرسل برساله إلى الأمین العام یطلعه أن النقراشی لا یمثل الشعب المصری، وأنه لا یمثل إلا نفسه، وأن الوفد هو الممثل الشرعی للشعب المصری، فکانت ضربه قاضیه فی جسد القضیه؛ مما دفع الإمام البنا إلى أن یرسل رسالهً للأمین العام یطلعه أن الشعب المصری یقف خلف النقراشی فی قضیه مصر وعرضها، وجاء فی هذه البرقیه قوله: "یستنکر شعب وادی النیل البرقیه التی بعث بها إلى المجلس وإلى هیئه الأمم المتحده رئیس حزب الوفد المصری ویراها مناورهً حزبیهً لا أثر للحرص على الاعتبارات القومیه فیها".

 

کانت هذه الأسباب التی جعلت الإمام البنا والإخوان یرفضون الحزبیه والأحزاب فی ذلک الوقت، وفی ظل محتل جاثم على ص البلاد ویسخّر هذه الأحزاب، ومن ثم رفض الإخوان إنشاء حزب سیاسی یکون مطیهً فی یدی الملک أو الإنجلیز.

 

لکن لم یکن هذا الرأی على طول الخط، فقد وقته الإمام البنا بظروف البلاد الواقعه، لکن إذا تغیرت هذه الظروف، وإن کانت الأحزاب هی النظام الأفضل لممارسه المهام السیاسه وفق دستور وقانون البلاد؛ فلم یرفضها الإمام البنا، وهو ما سار علیه الإخوان فیما بعد.

رابعًا: الأحزاب والحزبیه فی فکر الإخوان الآن:

ومضت السنون وخرج الاحتلال من البلاد، ودخل الإخوان السجون فی عهد عبد الناصر وتغیرت أحوال البلاد السیاسیه، فکان لا بد من تطویر آلیات العمل، ولقد انطلق الإخوان من قاعده ثابته لدیهم، وهی أن الإسلام نظام شامل یتناول مظاهر الحیاه جمیعًا، فلم یفرقوا بین مجال من مجالات الحیاه، سواء السیاسیه أو الاقتصادیه أو الاجتماعیه والثقافیه أو غیرها، وعملوا من خلال الشرعیه والدستور، سواء العمل من خلال البرلمان أو النقابات أو الاتحادات الطلابیه، وغیرها من المؤسسات الشرعیه، حتى إنهم تعاونوا مع بعض الأحزاب فی ائتلاف شریف للعمل من أجل الوطن.

 

وبعدما زاد التضییق علیهم من قبل النظام البائد نظام حسنی مبارک، ولیس ذلک فحسب بل زادت الأبواق التی تعیب على الإخوان عدم تشکیل حزب سیاسی للعمل تحت مظلته، عمل الإخوان على تحقیق ذلک، وحاولوا أن یتلمسوا الشرعیه السیاسیه بأن وضعوا برنامجًا لحزب سیاسی خاص بهم، لکن ما کاد هذا البرنامج یخرج فی صوره غیر نهائیه إلا وقد تبارى الکثیر یهاجم الإخوان فی برنامجهم الخاص، وکأن الإخوان یصیغون هذا البرنامج کدستور دوله ولیس برنامجًا لحزب خاص بهم، مثل بقیه الأحزاب اللیبرالیه أو الیساریه أو غیرها من الأحزاب.

 

کما أن البعض نادى بأنه إما یکون للإخوان جماعه وهیکل وحسب، فلا یجوز أن یکون الهیکلان موجودین، ولا أدری ما القواعد التی بنى علیها هؤلاء هذا الرأی، فالحزب السیاسی له برنامجه وأهدافه التی تسیر وفق مبادئ ومنهج الإخوان المستمد من شریعه الإسلام، ولن یکون الحزب عوضًا عن الجماعه، کما أنه لن یسیر وفق ما تسیر به الأحزاب من سیاسات میکافیلیه؛ حیث الغایه تبرر الوسیله، ولن یکون الحزب أداهً طیعهً فی یدی حاکم أو دیکتاتور، أو یخالف الإخوان ما نادى به مؤسس الحرکه الإمام الشهید حسن البنا، لکن سیکون الحزب مکملاً لأهداف ومبادئ الإخوان وفقًا لما یقتضیه الدستور المتفق علیه فی البلاد.

 

فالإخوان لم یخالفوا مبادئ مرشدهم الأول الأستاذ حسن البنا أو فکره فی شیء، لکن الظروف والوضع تغیر ومن ثم تغیرت معه الأوضاع وطریقه تناول العمل العام للجماعه، کما أن البلاد لیست محتلهً حتى یسخّر المحتل هذه الأحزاب وفقًا لسیاسته، کما أن الشرعیه السیاسیه الآن تعمل وفق الحزب السیاسی ولیس الفردیه حتى ولو کان الإخوان هم أکبر فصیل سیاسی فی مصر، لکن ما تقتضیه الظروف الآن هو أن یکون للإخوان حزب سیاسی یمارسون من خلاله نشاطهم السیاسی.

 

وإن کان الإخوان منذ خروجهم من السجون لم یعلنوا عن تشکیل حزب سیاسی وتأخروا فی ذلک فذلک بسبب قانون الأحزاب وتعنت النظام المصری مع الإخوان، ومن ثم فلا غروا حینما علمت السلطات أن الإخوان یشکلون حزبًا تحت اسم "الوسط" تحرکت جحافل الشرطه وزوار اللیل وألقوا القبض على کل من جاء اسمه فی مؤسسی حزب الوسط وقدموا لمحاکمات عسکریه، ولهذا کان هذا التأخر فی إعلان وتشکیل حزب سیاسی، بالإضافه إلى وجود لجنه شئون الأحزاب، والتی کان یسیطر علیها الحزب الوطنی ورجال النظام البائد، ففی ذلک یقول الأستاذ محمد مهدی عاکف، المرشد العام السابق للإخوان: إن الإخوان لن یتقدموا بالحزب للجنه شئون الأحزاب، وإن موقف الجماعه من هذه اللجنه ثابت، ویعتبرونها "غیر دستوریه"، وإن الإخوان المسلمین لن یتقدموا بحزبهم للدوله ما دامت هذه اللجنه قائمه.

 

ولقد سیقت الأقاویل ضد الإخوان بأنهم جماعه دینیه ولیست سیاسیه، بالرغم من أن الإخوان لهم منهجهم الثابت، وهو العمل فی أطر النظام الشامل کل مقومات الحیاه، وأن الإخوان لن تحل الجماعه فی مقابل الحزب؛ حیث صرح لـ"العربیه" الدکتور عبدالمنعم أبو الفتوح عام ۲۰۰۷ بقوله: إن إعلان الجماعه اتجاهها لإقامه حزب سیاسی مدنی، ذی مرجعیه إسلامیه، ینسجم مع الماده الثانیه من الدستور المصری، الذی ینص على أن الشریعه الإسلامیه هی المصدر الرئیسی للتشریع، وکشف أن الجماعه لن تتقدم بهذا الحزب للجنه شئون الأحزاب ولن تعلنه من جانب واحد، وإنما تسعى لإقرار مشروع قانون یسمح بإنشاء الأحزاب بمجرد الإخطار.

 

ومن ثم الإخوان لدیهم فکر ومنهج شامل، وهذه هی القاعده التی انطلق وینطلق منها الإخوان فی العمل الدعوی والسیاسی، ولم یفرقوا بین دعوه وسیاسه، أو بین دین ووطن.

 

کما أن الإخوان منذ نشأتها ومبادئهم واحده ومنهجهم واحد، لکن أسالیب الدعوه والعمل تختلف باختلاف الزمان والمکان والوضع السائد، لکن الأیدولوجیات واحده، والفکر واحد.

————

* مشرف موقع إخوان ویکی (ویکیبیدیا الإخوان المسلمین)

اخوان انلاین

 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا