المقالات

الشجره المبارکه والشجره الخبیثه

الشجره المبارکه والشجره الخبیثه

بقلم د. أحمد عبد الخالق

حمدًا لله تعالى، وصلاهً وسلامًا على حبیبنا وشفیعنا سیدنا محمد صلى الله علیه وسلم وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هدیه إلى یوم الدین، وبعد..

 

فإن تأملاتنا فی هذه الحلقه سوف تکون حول معنى کلٍّ من الشجره المبارکه الشجره الطیبه والشجره الخبیثه، والتی تشیر کلٌّ منهما إلى الحق والباطل؛ حتى یتأکد لنا أن الشجره الطیبه لن تموت، ولن تؤثِّر فیها الآفات، وستظل شامخهً ما دامت من غرس الله تعالى، وأن الزوال لتلکم الشجره الخبیثه لا محاله إن آجلاً أو عاجلاً.

 

فالشجره المبارکه هی الکلمه الطیبه، وهی الشجره التی أثمرت الأنبیاء والمرسلین من لدن آدم حتى خاتمهم رسول الله محمد صلى الله علیه وسلم، وهی کلمه الحق التی حملت لواءها الأجیالُ تلو الأجیال من أتباع الأنبیاء والرسل، فساروا على نفس الطریق، وسلکوا درب أصحاب الدعوات الذین سبقوهم، فأثمرت دعوتهم رجالاً وقفوا فی وجه الباطل؛ لم ترهبهم سجونه ولا معتقلاته، ولم تُثْنِهم عن تحقیق أهدافهم مشانق ولا تعذیب، ولم تقف فی سبیل تحقیق غایتهم غطرسه الباطل، فضحوا بأموالهم وأنفسهم، فصدق فیهم قول الله تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِیلاً﴾ (الأحزاب: ۲۳).

 

هذه الشجره المبارکه هی غرس المولى سبحانه وتعالى، واختارها سبیلاً لسید الدعاه إلى الله تعالى؛ حیث قال فی کتابه الکریم: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِیلِی أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِیرَهٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِی وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِکِینَ﴾ (یوسف: ۱۰۸)، وهی وظیفه الأنبیاء والمرسلین، وما أحسنها من وظیفه!؛ حیث قال فیها ربنا تبارک وتعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِی مِنْ الْمُسْلِمِینَ﴾ (فصلت: ۳۳).

 

ولکون هذه الشجره غرسَ الله تعالى، ووظیفهَ الأنبیاء والرسل، فإنها دعوه ربانیه؛ تحمل فی ذاتها قوه التأثیر والجذب؛ ففی الوقت الذی یُعتقل فیه أصحابها ویُضیَّق علیهم بشتى السبل، ترى من یقبل علیها من الشباب والفتیات.

 

ولکونها غرسَ الله تعالى، فإنها قد اکتسبت الثبات والشموخ؛ لذلک یستعصی على الباطل اجتثاثها، أو النیل منها، أو أن یوقف نموها.

 

وهی کما قال الشهید سید قطب: "ثابته سامقه مثمره، ثابته لا تزعزعها الأعاصیر, ولا تعصف بها ریاح الباطل، ولا تقوى علیها معاول الطغیان، وإن خُیِّل للبعض أنها معرضه للخطر الماحق فی بعض الأحیان، سامقه متعالیه, تطل على الشر والظلم والطغیان من عَلٍ، وإن خُیِّل إلى البعض أحیانًا أن الشر یزحمها فی الفضاء، مثمره لا ینقطع ثمرها؛ لأن بذورها تنبت فی النفوس المتکاثره آنًا بعد آن".

 

ویقول أیضًا: "والخیر الأصیل لا یموت ولا یذوی مهما زحمه الشر وأخذ علیه الطریق، والشر کذلک لا یعیش إلا ریثما یستهلک بعض الخیر المتلبس به، فقلَّما یوجد الشر الخالص، وعندما یستهلک ما یلابسه من الخیر فلا تبقى فیه منه بقیه, فإنه یتهالک ویتهشم مهما تضخم واستطال".

 

لذلک فإن شجره الدعوه لا تُروى بالماء کما یُروى غیرها من الأشجار، ولکنها تُروى بالدماء؛ بمعنى أنه لا بد لها من تضحیات؛ فبهذا قضت سنه الله فی الدعوات، ولو تتبعت تاریخ الدعوات وما جرى لأصحابها بدءًا بالأنبیاء والمرسلین، وانتهاءً بأتباعهم إلى یومنا هذا، لوجدت صحه ما نقول.

 

ولقد قصَّ علینا القرآن الکریم الکثیر من ذلک، وقصَّت علینا السیره النبویه الشریفه الکثیر کذلک، ومما ذکره القرآن قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِینَ یَکْفُرُونَ بِآیَاتِ اللهِ وَیَقْتُلُونَ النَّبِیِّینَ بِغَیْرِ حَقٍّ وَیَقْتُلُونَ الَّذِینَ یَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنْ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِیمٍ﴾ (آل عمران: ۲۱) ثم تتبع السیره لترى آل یاسر فی محنتهم، ولترى غیرهم من الصحابه والتابعین والفقهاء والمحدثین، وسوف تصل فی آخر المطاف إلى شهداء الدعوه فی العصر الحدیث، لتعیش لحظاتٍ مع مؤسس الدعوه فی القرن العشرین، الشیخ حسن البنا، والقاضی المستشار عبد القادر عوده، والواعظ المتمیز الشیخ فرغلی، والمجاهد فی سبیل الله یوسف طلعت، والأدیب المفسر سید قطب، وغیرهم کثیر فی العصر الحدیث، أمثال الشهید أحمد یاسین ورفاقه الأبرار.

 

وما زال العطاء مستمرًّا، وما زالت الدماء تسیل، وما زالت التضحیات تُقدَّم کی تظل الشجره ثابته شامخه تؤتی أکلها کل حین بإذن ربها.

 

وتدبر ذلک من خلال قول الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ کَیْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً کَلِمَهً طَیِّبَهً کَشَجَرَهٍ طَیِّبَهٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِی السَّمَاءِ (۲۴) تُؤْتِی أُکُلَهَا کُلَّ حِینٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَیَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ یَتَذَکَّرُونَ (۲۵)﴾ (إبراهیم).

 

فما ظنک یا أخی بشجره هی من غرس الرب سبحانه وتعالى؟! وما ظنک بدعوه حمل لواءها الأنبیاء والمرسلون؟!

 

إن الله تعالى قد کتب لها الخلود؛ لذلک فإنها سوف تظل ثابته راسخه مثمره حتى یرث الله الأرض ومن علیها، حتى ولو تخلى عنها الناس أجمعون، فإن الله تعالى یخلق لها خلقًا جدیدًا، ویهیئ لها أسباب البقاء رغم أنف الدنیا کلها؛ فالشجره قائمه وکائنه بنا وبغیرنا، ولکننا لن نکون بغیرها، وتدبَّر هذه الآیات بثقه ویقین.

 

قال تعالى: ﴿إِلاَّ تَنفِرُوا یُعَذِّبْکُمْ عَذَابًا أَلِیمًا وَیَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَیْرَکُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَیْئًا وَاللهُ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ﴾ (التوبه: ۳۹).

 

وفال تعالى: ﴿هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِی سَبِیلِ اللهِ فَمِنْکُمْ مَنْ یَبْخَلُ وَمَنْ یَبْخَلْ فَإِنَّمَا یَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِیُّ وَأَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا یَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَیْرَکُمْ ثُمَّ لا یَکُونُوا أَمْثَالَکُمْ﴾ (محمد: ۳۸).

 

وقال تعالى: ﴿یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَیُحِبُّونَهُ أَذِلَّهٍ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّهٍ عَلَى الْکَافِرِینَ یُجَاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللهِ وَلا یَخَافُونَ لَوْمَهَ لائِمٍ ذَلِکَ فَضْلُ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِیمٌ﴾ (المائده: ۵۴).

 

أما الشجره الخبیثه فهی کلمه الباطل، هی الزور والبهتان والافتراء، هی الصلف والغرور، هی الطغیان والجبروت، هی غرس الشیطان وحزبه، هی فرعون وهامان وقارون، هی أبو جهل وأبو لهب وعتبه وشیبه، هی العلمنه والتجهیل، هی الفساد بجمیع أطیافه وألوانه وصوره.

 

وشکل هذه الشجره ظاهر فی الدکتاتوریه، وکبت الحریات، وتکمیم الأفواه، وشعارها المُفضَّل: ﴿قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهًَا غَیْرِی لأَجْعَلَنَّکَ مِنْ الْمَسْجُونِینَ﴾ (الشعراء: ۲۹)، ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِیکُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِیکُمْ إِلاَّ سَبِیلَ الرَّشَادِ﴾ (غافر: من الآیه ۲۹)، ﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَکُمْ إِنَّهُ لَکَبِیرُکُمْ الَّذِی عَلَّمَکُمْ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأقَطِّعَنَّ أَیْدِیَکُمْ وَأَرْجُلَکُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّکُمْ أَجْمَعِینَ﴾ (الشعراء: ۴۹).

 

إذا نظرت إلى هذه الشجره أخی القارئ راعک منظرها، وأصبتَ بالفزع والهلع؛ ظنًّا منک أنها شیء وهی فی الحقیقه لا شیء! ﴿فَأَوْجَسَ فِی نَفْسِهِ خِیفَهً مُوسَى (۶۷) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّکَ أَنْتَ الأَعْلَى (۶۸)﴾ (طه)؛ حیث إن الباطل قد انتفش وانتشر، وأصبح تحمیه دول ومؤسسات، وله میزانیات ضخمه، وله أجهزه وإعلام وجیوش وأسلحه حدیثه، فیزداد خوفک ویشتد رعبک، وتقول: ماذا نصنع نحن العُزَّل مع هذه القوى وهذه الأجهزه، ونحن لا نملک إعلامًا ولا مالاً ولا سلاحًا.

 

إن شکل الباطل مرعب!، وتقول: إن الأولى بنا أن نقول: ما قالته النمله: ﴿یَا أَیُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاکِنَکُمْ﴾ (النمل: من الآیه ۱۸) ونرضخ للواقع الذی یریده منا الباطل، ونستسلم له ونکون طوع یمینه، فلعل فی ذلک مصلحه الدعوه! وها هم أصحاب الأفکار الأخرى یعیشون فی أمن وسلام وینشرون دعوتهم دونما تضییق، أو أذى، وما الفائده من المشارکه فی الانتخابات بجمیع أنواعها ونحن لم نَجْنِ من ورائها إلا الاعتقالات وخراب البیوت؟!

ولکنک أخی الکریم إذا قرأت تلک الآیات وکان عندک الیقین لتغیر رأیک.. نعم، أنا على یقین مما أقول، تدبَّر قول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا یُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِیَصُدُّوا عَنْ سَبِیلِ اللهِ فَسَیُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَکُونُ عَلَیْهِمْ حَسْرَهً ثُمَّ یُغْلَبُونَ وَالَّذِینَ کَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ یُحْشَرُونَ﴾ (الأنفال: ۳۶).

 

﴿أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِیَهٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّیْلُ زَبَدًا رَابِیًا وَمِمَّا یُوقِدُونَ عَلَیْهِ فِی النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْیَهٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ کَذَلِکَ یَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا یَنفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الأَرْضِ کَذَلِکَ یَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد: ۱۷).

 

فأما الزبد: من السیل، وما أوقد علیه: من الجواهر ﴿فَیَذْهَبُ جُفَاءً﴾ باطلاً مرمیًا به ﴿وَأَمَّا مَا یَنفَعُ النَّاسَ﴾ من الماء والجواهر ﴿فَیَمْکُثُ﴾ یبقى ﴿فِی الأَرْضِ﴾ زمانًا، کذلک الباطل یضمحل وینمحق وإن علا على الحق فی بعض الأوقات، والحق ثابت باق ﴿کَذَلِکَ﴾ المذکور ﴿یَضْرِبُ﴾ یبین ﴿اللهُ الأَمْثَالَ﴾.

 

﴿وَمَثَلُ کَلِمَهٍ خَبِیثَهٍ کَشَجَرَهٍ خَبِیثَهٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ (إبراهیم: ۲۶)، یقول الشهید سید قطب: "وإن الکلمه الخبیثه- کلمه الباطل- کالشجره الخبیثه; قد تهیج وتتعالى وتتشابک، ویُخیَّل إلى بعض الناس أنها أضخم من الشجره الطیبه وأقوى، ولکنها تظل نافشه هشه, وتظل جذورها فی التربه قریبه حتى لکأنها على وجه الأرض وما هی إلا فتره ثم تجتث من فوق الأرض, فلا قرار لها ولا بقاء.

 

لیس هذا وذلک مجرد مثل یضرب, ولا مجرد عزاء للطیبین وتشجیع، إنما هو الواقع فی الحیاه, ولو أبطأ تحققه فی بعض الأحیان".

 

أخی.. کم کان عدد المسلمین فی أول بعثه رسول الله؟! وکم کان عددهم فی الهجره؟! وکیف دخل رسول الله صلى الله علیه وسلم مکه یوم الفتح؟! وکم کان عدد المسلمین معه؟! وکم کان عدد المسلمین فی حجه الوداع؟! لقد کان یوم الفتح مع عشره آلاف مسلم، وبعدها بعامین وفی حجه الوداع کان حوله من الحجیج مائه وعشرون ألفًا من الموحِّدین؛ یتلقون آخر التعلیمات؛ لینطلقوا إلى الدنیا هداهً إلى الحق، مبلغین دعوه الله للأبیض والأحمر، وفتحوا الفتوحات، واجتثوا شجره الباطل من جذورها، وظلت الشجره المبارکه تؤتی أکلها کل حین بإذن ربها، وستظل إلى الأبد، لکن النصر مع الصبر، والفرج مع الکرب، والیسر مع العسر، ولن یغلب عسرُ یُسْرَین ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا (۵) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا (۶)﴾ (الشرح).

 

أخی.. حافظ على الشجره، وتعهَّدها، واحْمِها، وارْوِها بدمک، وإیاک أن تفرِّط فیها، واعمل جاهدًا على إزاله الشجره الخبیثه من أصلها، واجتثاثها من جذورها، والله یقول الحق وهو یهدی السبیل.

المصدر : اخوان انلاین

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا