المقالات

عند فساد الأخوه.. ابحث عن العظمه الحقیقیه/ ال

عند فساد الأخوه.. ابحث عن العظمه
الحقیقیه/ الدکتور کمال المصری

الإخوه الأفاضل،

تحیَّهٌ ربَّانیَّهٌ مبارکه، فالسلام
علیکم ورحمه الله وبرکاته،

أرید أهنِّئکم على هذا الجهد الطیِّب
الذی یتسنَّى لنا نحن من نخوض بدایه الطریق من خلاله أن نوفِّر على أنفسنا الوقوع فی
کثیر من الأخطاء وإضاعه أوقاتنا التی نحن فی أمسِّ الحاجه لها فی هذا الزمن، عبر
إعطائنا الفرصه للاطِّلاع على تجارب إخوهٍ لنا سبقونا علماً وعملا، وبارک الله
فیکم وفی کلِّ من بذل جهداً -ولو بسیطا- فی رفع رایه الحقِّ فی زمان تکالبت فیه
الأمم على ألا ترتفع هذه الرایه.

وبعد إخوانی،

أودُّ أن اطرح علیکم هذه المشکله التی
قد تظهر بسیطه، ولکنَّنی أراها من أعظم الحواجز التی تعیق من العمل الإسلامیِّ
النشط.

ففی یومٍ کنت أعاتب أخاً لی على عدم
مداومته التزاور مع إخوانه وانعدام علاقاته بهم، وعلى تعلُّقه کثیراً بمن نعتبرهم
أصحاب کبائر.

وأرى أنا أنَّ الداعیه علیه البعد عنهم
إذا شعر أنَّه سیتأثَّر بهم ولا یؤثِّر فیهم، (وهو ما یحدث مع هذا الأخ الحبیب)
فکان ردُّه مفزعاً لی رغم أنِّی عندما فکَّرت فیه وجدته على حقٍّ إلى حدٍّ ما،
وکان جوابه: “أنا لا أجد الأخوَّه التی نتحدَّث عنها فی کثیرٍ من لقاءاتنا،
ونقرأها فی الکتب المثالیَّه، ولکنَّنی أرى الشعور الصادق بالصداقه مع هؤلاء الذین
نعدُّهم بعیدین عنا کثیرا”.

کان هذا الجواب عجیبا، ولکنَّه صادقٌ
نوعاً ما، فأخوَّتنا فی هذا المجتمع أصابتها المادیَّه، وتداخلت فیها المصالح
الشخصیَّه، ممَّا أدَّى فی کثیرٍ من الأحیان إلى انزواء الکثیر من الإخوه،
واکتفائهم بالعلاقات الرسمیَّه وفقط.

فلا أدری هل هذا الابتلاء هو عامٌّ کما
أشعر؟؟

وبارک الله فیکم.

—————————————

أخی الفاضل “أبو البراء”،

أشکرک على ما بدأت به من کلمات، وعموماً
فإنَّ تواصل الخبرات وتناقلها، هو من أهمِّ الأهداف التی ابتغینا تحقیقها عبر هذه
الصفحه، والحمد لله أن بدأت بذورها تثمر، ونسأل الله تعالى العون والسداد.

 

أخی “أبو البراء”،

ما تفضَّلتَ به فی استشارتک هو فی
الواقع مشکلهٌ حقیقیَّهٌ لا متخیَّله، وإنَّنی وإن کنت أختلف مع أخیک فی التفاصیل،
إلا أنَّنی أتَّفق معه فی العموم.

ما أتَّفق فی عمومه هو أنَّنا فی عمومنا
–ملتزمین وغیر ملتزمین- قد تأثَّرنا بالدنیا تأثُّراً کبیرا، وغدا لها فی قلوبنا
مکانهٌ کبیره، وهذه المشکله لیست ولیده الیوم، بل هی قدیمه، فقد ورد عن أنَّ سفیان
الثوری کان یقول: “أدرکنا الناس وهم یحبُّون من قال لأحدهم: “اتَّق الله
تعالى”، وقد صاروا الیوم یتکدَّرون من ذلک”.

 

وما أختلف فیه هو أنَّ التعمیم خطأ،
فلیس کلُّ “الإخوه” لا یقومون بحقِّ الأخوَّه، ولا کلُّ
“البعیدین” هم إخوهٌ بصدق.

کلُّ ما فی الأمر –من وجهه نظری- هو
أنَّنا نطلب من إخواننا أکثر ممَّا نطلب من غیرهم، فإذا هم لم یقدِّموا لنا ما
نطلب، بدَوا کأنَّهم مقصِّرون أهل دنیا، وفی المقابل لا نطبِّق هذا المیزان على
“البعیدین”، فنقبل منهم أقلَّ القلیل، ونعتبرهم أفضل من إخواننا.

جزءٌ من خطئنا فی ذلک أنَّنا نفترض فی
“الإخوه” العصمه والکمال، فنطالبهم بما فوق طاقه البشر، أو نعتبر
المثالیَّه هی الأساس، متناسین بشریَّتهم وإنسانیَّتهم.

نعم ینبغی أن یکون الملتزمون من أکثر
الناس التزاماً بدینهم، وأخلاقهم وسلوکیَّاتهم یجب ألا یخالطها عیب، لأنَّهم
ببساطهٍ فهموا وعلموا، فیجب أن یتحوَّل هذا الفهم، وذلک العلم إلى واقعٍ وعمل،
لأنَّ دیننا دین عمل، ولیس دیناً نظریّا فقط.

نعم لکلِّ ذلک، لکنَّ ذلک کلُّه لا ینفی
بشریَّتهم التی من أساس تکوینها الخطأ والسهو والعیب، وهو الذی نقبله من
“البعیدین”، ولا نقبله من “الإخوه، ولعلَّ هذا ما یجعل تأثُّرنا
بخطأ “الإخوه” أعظم وأشدّ.

ولست هنا أبرِّر الخطأ، بقدر ما أوصِّف
الحاله، ولذلک أدعو کلَّ إخوانی أن ینتبهوا لأنفسهم وفعلهم، وأن یتعلَّموا دینهم
ویفهموه حقَّ الفهم، وأن یحقِّقوا فی أنفسهم وسلوکهم أعلى درجاته ومراتبه، کما لا
أنفی وجود قدرٍ کبیرٍ من الأخلاق والصفات الطیِّبه فی “البعیدین”، فهم
لیسوا شیاطین أو مجموعهً من اللصوص وقطَّا ع الطرق.

 

أنا هنا لست فی مجال المفاضله بین
الطرفین، لأنَّنی أعتبر أنَّ الانحیاز إلى أیَّه فئهٍ من الفئتین خطأ، فلا حیاتنا
کلُّها “مجتمع الإخوه”، ولا هی “مجتمع البعیدین”، نحن نعیش
مجتمعنا بکلِّ فئاته وأصنافه وتنوُّعاته، وعلینا أن نتفاعل ونؤثِّر فی کلِّ هذه
الدوائر، لا ننعزل، فنخسر ویخسرون، ولا ننخرط فنغرق ویغرقون، بل نعیش حیاتنا بین
الجمیع بأخلاقنا، والتزامنا، ودیننا، فنعمل الصواب مهما أخطأ الناس، ونبتعد عن
الخطأ مهما وقعوا فیه، وندعو کلَّ من حولنا، بأفعالنا وأقوالنا، إلى الهدایه
والفلاح فی الدنیا والآخره.

هذا الاختلاط الصعب هو المتعه
الحقیقیَّه، وهو الذی جعل مقام الدعاه هو مقام الأنبیاء، وللأستاذ سیِّد قطبٍ رحمه
الله تعالى کلامٌ بدیعٌ فی هذه المسأله حیث یقول:

“حین نعتزل الناس لأنَّنا نحسُّ
أنَّنا أطهر منهم روحا، أو أطیب منهم قلبا، أو أرحب منهم نفسا، أو أذکى منهم عقلا،
لا نکون قد صنعنا شیئاً کبیرا… لقد اخترنا لأنفسنا أیسر السبل، وأقلَّها مؤونه!.

إنَّ العظمه الحقیقیَّه: أن نخالط هؤلاء
الناس مشبعین بروح السماحه والعطف على ضعفهم ونقصهم وخطئهم، وروح الرغبه
الحقیقیَّه فی تطهیرهم وتثقیفهم ورفعهم إلى مستوانا بقدر ما نستطیع!.

إنَّه لیس معنى هذا أن نتخلَّى عن
آفاقنا العلیا ومثلنا السامیه، أو أن نتملَّق هؤلاء الناس ونثنی على رذائلهم، أو
أن نشعرهم أنَّنا أعلى منهم أفقا.. إنَّ التوفیق بین هذه المتناقضات، وسعه الصدر
لما یتطلَّبه هذا التوفیق من جهد: هو العظمه الحقیقیَّه!”.

 

فهلاَّ طالبنا أنفسنا وإخواننا بکثیرٍ
من الالتزام، وبتحقیق الأخوَّه بمعناها الشامل العمیق؟

وهلاَّ –فی ذات الوقت- خفَّفنا الوطء
على أحدهم إن أخطأ أو ضعف لأنَّه بشر؟

وهلاَّ خالطنا الناس مشبعین بأهدافنا
ومثلنا العلیا؟

 

إنَّ ذلک کلَّه هو بحقّ: العظمه
الحقیقیَّه.

وأهلاً بک یا أبا البرا

اسلام آن لاین

 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا