حامد أبو النصر
حامد أبو النصر
توطئه:
المولود یولد على الفطره، وهی وحدانیه الله – تعالى- والبیئه عنصر هام فی تکوین الإنسان.
الأسره التی نبت فیها محمد حامد أبو النصر أسسها جده المرحوم السید/ على أحمد أبو النصر، العالم الأزهری، والشاعر الأدیب أحد رواد النهضه الأدبیه فی مصر فی عصر الخدیوی إسماعیل، السیاسی الذی اشترک فی التجهیز للثوره العرابیه، حتى قرر الخدیوی توفیق تحدید إقامته فی منزله بمنفلوط، وبعد فتره تخلص منه بدس السم له فمات فی أواخر عام ۱۸۸۰م، إذ کان المعروف آنذاک أن الشنق للعلماء ذوی النفوذ والجاه مما یثیر غضب الشعب على حکامه.
هکذا کانت بیئه (محمد حامد أبو النصر) مزیجاً من الدین والأدب والسیاسه یترجم ذلک اشتراکه فی تأسیس الجمعیات الدینیه، والمحافل الأدبیه، والاشتراک فی الأنظمه السیاسیه؛ إذ کان أمین صندوق جمعیه الشبان المسلمین، ورئیساً لجمعیه الإصلاح الاجتماعی، وعضواً بلجنه الوفد المرکزیه بمنفلوط.
أبو النصر.. فی سطور:
ولد (۶ من ربیع الآخر ۱۳۳۱هـ الموافق ۲۵ من مارس ۱۹۱۳م) بمنلفوط التابعه لمحافظه أسیوط.
وهو سلیل أسره کریمه تعود إلى الشیخ علی أحمد أبو النصر من رواد الحرکه الأدبیه فی مصر.
تلقى تعلیمه مدنیًا فی المدارس، وحصل على شهاده الکفاءه سنه ۱۹۳۳م.
تمیز فی مطلع عمره بالمشارکه الاجتماعیه والعمل الإسلامی، فکان عضوًا فی جمعیه الإصلاح الاجتماعی فی منفلوط سنه ۱۹۳۲م، وعضوًا فی جمعیه الشبان المسلمین سنه ۱۹۳۳.
انضم إلى جماعه الإخوان المسلمین سنه ۱۹۳۴م.
اختیر عضوًا فی مکتب الإرشاد لجماعه الإخوان المسلمین.
تعرض للمحنه العاصفه التی حلت بالجماعه سنه ۱۹۵۴م، فقبض علیه مع زملائه من مکتب الإرشاد وغیرهم من أفراد الجماعه، وحکم علیه بالأشغال الشاقه المؤبده.
ظل فی المعتقل حتى خرج فی عهد الرئیس محمد أنور السادات.
بعد خروجه من المعتقل عاود نشاطه الدعوی فی جماعه الإخوان.
اختیر مرشدًا عامًا للإخوان بعد وفاه الأستاذ عمر التلمسانی فی سنه ۱۹۸۶م.
فی فتره تولیته مرشدًا للجماعه دخل أکبر عدد من الإخوان فی مجلس الشعب المصری، وشهدت الجماعه نموًا مطردًا.
توفی سنه ۱۹۹۶م عن عمر یناهز الثلاثه والثمانین.
أبو النصر.. والبیعه الأولى فی الصعید:
قد بدأ تعرفه على جماعه الإخوان المسلمین من خلال الصداقه التی نشأت بینه وبین فضیله الشیخ المرحوم/ محمود سویلم الواعظ السلفی الأزهری الذی کان یحدثه بین ألفینه والأخرى عن الإمام الشهید/ حسن البنا – رحمه الله – وعن جهاده فی سبیل رفعه الإسلام، والمسلمین، إذ ربى کثیرًا من الشباب فی مختلف البلاد، ابتغاء تحقیق هذا الهدف العظیم.
وفی عام ۱۹۳۴ – ۱۹۳۵م أخبره صدیقه الأستاذ المرحوم/ محمد عبد الدایم بوجود فضیله الإمام الشهید بجمعیه الشبان المسلمین بأسیوط، فنتناول الهاتف وطلبه فی ذاک المکان، فتفضل – رحمه الله – واستجاب إلى ندائه، ودار الحدیث الآتی بینهما:
فضیله الأستاذ/ حسن البنا؟ قال: نعم. قلت له: لقد أنار الصعید بزیارتکم فهل لمنفلوط أن تحظى بمثل هذه الزیاره؟ فقال فضیلته – رحمه الله –: هل الأرض صالحه؟ فقلت بملء فمی: نعم تنتظر البذر.. فسر لهذه الإجابه.. فقال: إذن سنلقاک باکرًا بمشیئه الله تعالى فی منزلکم قبل الغروب.
یحکی الأستاذ/ محمد حامد أبو النصر قائلاً: عندما انتهى الحفل الذی حاضر فیه الأستاذ البنا بمنفلوط، وانصرف الجمیع، وفی نفس کل منهم تقدیر، وإکبار، وإعجاب بالإمام الشهید، مؤملین النفس أن یلتقوا به مره أخرى فیستزیدوا من معینه الذی لا یغیض، ومن روحه الفیاضه، ثم انتقل إلى داری مره أخرى حیث هُیئت له حجره خاصه للنوم، ودخلها باسم الله، وجلس على الفراش متربعًا، وقال: هیه… هیه یا سید محمد اجلس، ماذا أعجبک اللیله؟
فقلت له ما یجول بخاطر کل شاب فی ذاک الوقت من حسن خطبته، وجمال توقیعها، وموقفه کخطیب، فقال لی ما رأیک فی المعانی التی ذکرت؟ قلت له: إن المعانی التی ذکرتها فضیلتک کثیرًا ما تجری على ألسنه الخطباء، والوعاظ والعلماء.. لکن لیس هذا هو السبیل للرجوع بالمسلمین إلى عهدهم، وأمجادهم السالفه، قال إذن ماذا ترى؟ وکنت فی ذاک الوقت متوشحًا مسدسی الذی لا یفارقنی فی مثل استقبال ذلکم الزائر الکریم الذی أحببته قبل أن أراه، فقلت له: إن الوسیله الوحیده للرجوع بالأمه إلى أمجادها السالفه هی هذا.. وأشرت إلى مسدسی فانبسطت أساریره کأنما لقی بغیته، وعثر على مطلبه، وقال لی: ثم ماذا؟.. تکلم.. فعشت فی هذه الکلمات برهه قطعها فضیلته باستخراج المصحف الشریف من حقیبته قائلاً: هل تعطی العهد على هذین مشیرًا إلى المصحف والمسدس؟ فقلت: نعم بدافع قوی أحس به، ولا أستطیع أن أصفه، اللهم إلا الفیض الإلهی الغامر، والسعاده الأبدیه التی أرادها الله لی فی سابق علمه. وبعد أن تمت البیعه بهذه الصوره، قال فضیلته مهنئنًا: مبارک إنها الأولى فی صعیدکم.
ومن ذلک الحین ارتبطت بالرجل ارتباطًا خاصًا وثیقًا.. ارتباطًا نسیجه الحب والوفاء، وفیه کل معانی الرجوله الصادقه.
ومن هذا المنطلق ابتدأت أعمل فی محیط الإخوان کأحدهم، وفی حقل الدعوه کأحد عمالها الذی أرجو أن أکون من الصادقین منهم.
وبهذه المناسبه أحب أن نوضح أنه لیس المقصود من وجود المصحف بجوار المسدس هو القتل والاغتیال، إنما هو إشاره إلى حمایه الحق بالقوه، مصداقًا لقوله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّهٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّکُمْ) نسأله تعالى الثبات على الحق، والعمل له غیر مبدلین، ولا مغیرین.
أبو النصر.. وتأسیس الشعبه الأولى للإخوان المسلمین بمنفلوط:
یحکی الأستاذ أبو النصر قائلاً: وفی الیوم التالی لزیاره الإمام الشهید لمنفلوط طلب منی فضیلته أن أستدعی له بعض الشباب من الذین حضروا الحفل بدار الشبان المسلمین بالأمس، حتى یلتقی بهم على الدعوه، فقلت له: لا بأس على أنی لا أستطیع أن أترک جمعیه الشبان المسلمین التی أعمل فیها الآن، ولا بأس من أن نلتقی بهؤلاء الشباب الذین سأحضرهم لدى فضیلتکم فی حجره صغیره ضمن حجرات دار الجمعیه فوافق فضیلته وقال هذا یکفی. المهم اللقاء على الفکره دون النظر للمسمیات وفعلاً دعوت لفضیلته حوالی عشرین شابًا أغلبهم من مدرسی المرحله الأولیه فی ذاک الوقت وتناولوا مع فضیلته طعام الغذاء على طریقه مبسطه سعد بها حیث فرش بساط على الأرض واجتمعنا علیه فی شکل حلقه، ویظهر أن هذا الوضع المبسط وقع فی نفسه موقعًا جمیلاً، وهو ما یدل على أن هذه البساطه مبدأ بارز من مبادئه فی تربیه النشء وتهیئه الجماعه، وتحدث حدیثًا عذبًا فیاضًا، ونظر إلیهم نظره جعلتهم یکبرون فی نظر أنفسهم من حیث إنهم مسئولون عن الإسلام وعن دعوه الناس للنهوض به من جدید، فلما أحسوا بهذا المعنى فی أنفسهم تهیئوا لتلقی البیعه فی سبیل هذه الدعوه قائلاً لهم یکفی أن نرتبط على هذه المعانی، وعلیکم أن تجتمعوا مره واحده کل أسبوع وتتذکروا سیره الرسول والصحابه رضوان الله علیهم وأشار علیهم بقراءه کتاب حماه الإسلام، وقرأ معهم سوره العصر وانفض الاجتماع.
ومن ذلک الحین التقت هذه المجموعه فی أماکن مختلفه من أبرزها مکتب تحفیظ القرآن الکریم الملحق بمسجد "أبو النصر" بمنفلوط.
ونذکر أنه عندما زار الإمام الشهید تلک الشعبه فی أیامها الأولى کتب بیده هذه العباره تسجیلاً لزیارته الکریمه: "دعوتنا قصه من قصص القرآن الکریم فیها عبره وعظه وهدایه ونور، إن بدت الیوم أحدوثه فی أفواه الناس فهی فی الغد حقیقه فی مجتمعاتهم وفی دار الأرقم بن أبی الأرقم نبتت الدعوه الأولى، وفی مثل هذه الدار یعید التاریخ سیرته، ویأبى الله إلا أن یتم نوره ولو کره الکافرون".
الفقیر إلى الله حسن البنا :
وقد تحققت الآمال فقد أسس الإخوان المسلمون بمنفلوط دارًا خاصه منسقه بمیدان أبو النصر، جمعت أوجه الأنشطه المختلفه للجماعه، وقد صودرت هذه الدار وما فیها مع غیرها من دور الإخوان المسلمین فی أنحاء البلاد بقرار من مجلس قیاده الثوره ثم احتلتها هیئه التحریر.
التوجیه الربانی:
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن یُذْکَرَ فِیهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِی خَرَابِهَا أُولَئِکَ مَا کَانَ لَهُمْ أَن یَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِینَ لَهُمْ فِی الدُّنْیَا خِزْیٌ وَلَهُمْ فِی الآَخِرَهِ عَذَابٌ عَظِیمٌ) صدق الله العظیم.
أبو النصر.. ومرافقه البنا:
ورد عن الأستاذ محمد حامد أبو النصر قوله: دعانی الإمام الشهید لزیاره الإسکندریه بصحبته، ومن میدان محطه مصر رکبنا حافله حتى وصلنا میدان المنشیه بها وعندما أخذنا مقاعدنا أخرج فضیلته من حقیبته الصغیره المصحف الشریف وأخذ یسر القراءه فیه طوال مده الرکوب وکانت هذه عادته فی السفر وحذوت حذوه، وفی میدان الخدیوی إسماعیل نزلنا بفندق صغیر شعبی بالدور الثانی أمام البوسته العمومیه، وما أن تعرفنا على حجرتنا حتى توضأنا وصلینا الظهر، ثم أبدى فضیلته رغبته فی تناول طعام الغذاء، فسألت فضیلته أی أنواع الطعام ترغب؟ فقال اشتر لنا خبزاً وجبناً وعنباً؛ فلبیت رغبته وتناولنا طعامنا واسترحنا القیلوله واستیقظنا على أذان العصر فأدیناها، ومن میدان المنشیه استقللنا ترمای إلى القباری حیث کان –هناک موعد مسبق مع فضیله إمام المسجد لیلقی الإمام الشهید درساً بعد صلاه المغرب، وعندما وصلنا إلى محطه النزول بالقباری توجهنا إلى المسجد وبعد صلاه المغرب قدم فضیله إمام المسجد الشهید لإلقاء الدرس، وتم ذلک وانصرفنا.
ومما استرعى انتباهی حادث وقع أثناء الطریق وهو أن المحصل لم یحضر إلینا ولم یطلب منا ثمن أجره الرکوب، وقد سألنی الإمام الشهید.. هل جاء الکمساری؟ وهل أعطاک التذاکر؟ فقلت.. لم یحضر بعد، فقال إذن لا بد من ندائه وإعطائه الأجر، وطلب التذاکر منه لأن هذا ما یملیه الضمیر، قلت لفضیلته لعله یرید أن یعفینا من طلب الأجر.. قال لیس هذا من حقه بل هو حق الشرکه ولیس لإنسان أن یتبرع من مال الغیر فنادیت الکمساری وطلبت منه التذاکر فقال: أنا عارف یا سیدی.. وأنا شایف ضروری یعنی؟ خلیها على الله دی شرکه أجنبیه فسمع الإمام الشهید فابتسم وقال لو.. لا بد من أن تأخذ ثمن التذکرتین وشکر الله لک، فأبرزت إلیه الثمن وقدم إلى التذکرتین.
وقد عشت فی هذه المعانی الکریمه المتلاحقه والمبادئ التی أشرب بها قلب الرجل الذی أبى أن یستبیح مال الغیر مهما کان الأمر. وهکذا کان سلوکه فی معاملته للناس على اختلاف أدیانهم وأجناسهم، فهی لفته کریمه من مرب عظیم ینهج قواعد الحق والعدل بین بنی الإنسان.
التوجیه الربانی:
(یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا کُونُوا قَوَّامِینَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلاَ یَجْرِمَنَّکُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِیرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) صدق الله العظیم.
أبو النصر.. وطرفه معسکر الدخیله:
یحکی الأستاذ محمد حامد أبو النصر عن معسکر الدخیله ۱۹۳۷م، أول معسکر تربوی للإخوان المسلمین، رأینا الحدیث تطرق إلى طرفه أبدعت درساً قائلاً: ومن الطریف ما وقع منی على سبیل المزاح فی الأیام الأولى من إقامه المعسکر حیث الریاضه والهواء الطلق، وانشراح الصدر جعلنی فی حاجه إلى المزید من الطعام – فحینما حمل إلینا الأخ الفاضل الشیخ/ عبد الباری – المسئول عن المطبخ طعام الإفطار فی سلته التی ملئت بأشطر الفول المدمس أخذت شطرًا دون إذن لأسد به جوعتی وما أن انتهى الأخ من التوزیع حتى تبین له أن هناک شطرًا ناقصًا أخذ دون إذنه کمسئول فنادى أیها الإخوان إن أحدکم أخذ نصیبًا من الطعام زیاده عن حقه المقرر فعلیه أن یعلن عن نفسه، فصمتُ ثم قلت لفضیله الإمام الشهید الذی کان یجلس بیننا ماذا یکون الحال لو أعلن الأخ عن نفسه، فقال فضیلته وهو یبتسم لا شیء المطلوب فقط معرفه الاسم فقلت أمری إلى الله أنا صاحب هذا الحادث لأننی کنت جائعًا وما زلت جائعًا – فضحک الجمیع، وقال الشیخ عبد الباری فی تشنج لفضیله الإمام الشهید لا بد من عقاب هذا الأخ، مشیرًا إلى.. فقال فضیله الإمام الشهید وبماذا ترید أن تعاقبه؟… قال الشیخ عبد الباری یبقى معی غدًا فی المطبخ لیعاوننی فی غسل الأوانی وتنظیف المطبخ وتنفیذ ما یطلب منه، وفی المساء أعلن القرار بعقوبتی، وفی الصباح الباکر سلمت نفسی له وقمت بتنفیذ ما أمرنی به طیله الیوم برضا وتسلیم، ومن أصعب المهمات التی قمت بها غسل أربعین قروانه أجهدتنی غایه الإجهاد، وأرهقتنی غایه الإرهاق، وقد أخذت من هذا الدرس عبره وعظه حیث کنت فی الماضی حینما یجیء وقت الغذاء ویتأخرون فی تقدیم الطعام وکان یقال لی إن سبب التأخیر هو غسل الأوانی فکنت لا أقر ذلک وأثور فی غضب، والآن بعد هذه التربیه الإخوانیه أصبحت لا أتسرع الأمور وأتجمل بالصبر والأناه وبذلک أسعد ویسعد من معی.
أبو النصر.. والإنجلیز:
ورد عن الأستاذ محمد حامد أبو النصر قوله: فی أوائل الأربعینیات بعد انتهاء الحرب العالمیه الثانیه، طلب منی وکیل بنک بارکلیز فرع منفلوط دفع مبلغٍ من المال کتبرع للجندی المجهول أسوه بالأعیان وأصحاب الرتب وکبار التجار، فرفضت أن أدفع ملیمًا واحدًا فی مشروع أو عمل تقوم علیه الحکومه البریطانیه، فسألنی لماذا؟ قلت له: إن إنجلترا وفرنسا کانتا قد وعدتا فی لجنه مشترکه بالجلاء عن سوریا ولبنان بعد انتهاء الحرب، ولم تف بوعدها.. کما أنها لم تستجب لطلب رفعه النحاس باشا رئیس الحکومه فی هذا الشأن. فقال لی وکیل البنک هذا کلام خطیر ولا داعی لذکره – فقلت: نعم إنه کلام خطیر لکنی أتحمل مسئولیته.
وبعد أسبوع من هذا الحدیث فوجئت بزیاره ضابط مخابرات إنجلیزی یدعى (باترک) ومعه مراسل الأهرام بأسیوط کمترجم، وبعد أن شربنا القهوه سألنی الضابط: هل لکم رأی معین فی السیاسه التی تنتهجها الحکومه البریطانیه فی الشرق الأوسط؟ فقلت له: إن هناک موقفًا یمکن لبریطانیا أن تستغله لإثبات حسن نوایاها وصدق وعودها وهو أن تقوم بالضغط على حکومه فرنسا للجلاء عن سوریا ولبنان فورًا، ثم سألنی: هل هناک من یرى رأیکم من الإخوان المسلمین؟ فقلت له: إن جمهور مائه شعبه للإخوان المسلمین بمدیریه أسیوط تطالب بتحقیق هذا المطلب.
فقال: إن حکومته یهمها أن تعرف مطالب الشعوب الصدیقه، لتبنی علاقتها معها على أساس من هذه السیاسه.. وإننی أعدک أن أرفع هذا المطلب إلى المسئولین فی السفاره. وانصرف.
وبعد أسبوع من تلک الزیاره وصلنی خطاب من الضابط (باترک) یشکرنی فیه ویخبرنی أن (المیجور لاندل) مبعوث السفاره البریطانیه یرغب فی زیارتک ویطلب تحدید الموعد وعلى ذلک أرسلت خطابًا إلى الإمام الشهید على اعتبار أنه قائد الجماعه والمسؤل عن سیاستها شرحت له ما دار فی الزیاره المذکوره، فرد علی هاتفیًا بموافقه فضیلته على اللقاء وأفهمنی أنه سیبعث إلیّ برساله مفصله، وقد وصلتنی الرساله مرفقًا بها خطاب من صورتین إحداهما کتب بالعربیه لتلقى فی الحفل، والأخرى بالإنجلیزیه تسلم (للمیجور لاندل)، ومما یذکر أنه قال لی فی الرساله إن هذا الباب أراد الله أن یفتح على یدیکم ویهمنی أن تعرف کل الشعوب، والحکومات حقیقه دعوه الإخوان المسلمین.
وعلیه تحدد موعد اللقاء مع (المیجور لاندل) وکنت قد دعوت لتناول الغداء معه نخبه من رؤساء الأدیان وکبار الموظفین والأعیان بمنفلوط، وعندما دلف المیجور لاندل إلى حجره الاستقبال رأى صوره الإمام الشهید حسن البنا فوقف أمامها ینظر ملیًا ومعه المترجم فسألنی: صوره من هذه؟ قلت إنها صوره المربی الروحی الأستاذ حسن البنا المرشد العام لجماعه الإخوان المسلمین. قال: وما هی مکانه المربی الروحی عندکم؟ قلت: إنه یأمر فیطاع دون تردد، وما أن سمع (المیجور لاندل) هذا حتى رفع قبعته إجلالاً لصاحب هذه الصوره، وبعد أن تناولنا طعام الغداء سلمت (المیجور لاندل) صوره الخطبه المکتوبه بالإنجلیزیه وألقیت صورتها العربیه، ومن أهم ما جاء بالخطبه أن الإخوان المسلمین یعلنون حقیقه مبادئهم وطریقه إصلاحهم ووسائلهم، وأوضح أنهم یعملون على تربیه النشء على مبادئ القرآن الکریم ویرحبون بأن ینشئ أصحاب الأدیان الأخرى أبناءهم على مبادئ الإنجیل والتوراه وبذلک یوجد فی العالم المجتمع المتدین، والمجتمعات المتدینه لا یقع فیما بینها حروب کما هو قائم الآن بین الشعوب التی باعدت بینها وبین حقیقه أدیانها وأصبحت الحرب الضروس التی أتت على الأخضر والیابس، فلا رحمه ولا عداله ولا مساواه. وقد حیا الحاضرون المعانی التی تضمنتها الکلمه بالتصفیق والارتیاح، واختتم الحفل وانتهی بکلمه شکر من (المیجور لاندل) لصاحب الدعوه والمدعوین، وما أن وصل (المیجور لاندل) دار السفاره البریطانیه بالقاهره حتى أرسل إلیّ خطابًا یشکرنی ویبدی رغبته فی اللقاء معی فی القاهره، وأثناء وجودی بالقاهره التقیت به بعد استئذان الإمام الشهید وإذنه لی بالزیاره، وفی اللقاء سألنی (المیجور لاندل) ما رأیکم فی الجلاء عن مصر؟ قلت له: إن الأمه جمیعها تطالب بالجلاء فورًا، ثم قال: ماذا لو جاء الروس واحتلوا مصر؟ قلت: عندئذ نتعاون کأصدقاء ولیس کأتباع، قال: وما رأیکم فی مشکله فلسطین؟ قلت: تترک لأهلها ینظمون شئونهم بطریقتهم متعاونین ومتحدین کشعب واحد. وانتهى اللقاء وقد نقلت إلى فضیله الإمام الشهید الحدیث فاستحسنه، وبعد أیام قلیله مضت علمت أن الوزیر البریطانی المسئول عن الشرق الأوسط ومعه سفیر بریطانیا فی مصر ووفد من دار السفاره زاروا المرکز العام للإخوان المسلمین بالقاهره وتقابلوا مع الإمام الشهید/ حسن البنا وعرضوا معونه مالیه کبیره والمساهمه، ورفض الإمام البنا کل هذه العروض بصلابه وحزم.. قائلاً لهم: إن مجهودات الإخوان تقوم بعد فضل الله تعالى على القروش القلیله التی یدفعها الإخوان من جیوبهم الخاصه، ونحن نرفض أی معونه من أیه حکومه أو من أیه دوله ونحن فی طریقنا لعرض مبادئنا بکل ما نستطیع من قوه وإراده – وانتهت المقابله.
والجدیر بالذکر وجود أرشیف لجماعه الإخوان المسلمین فی دار السفاره البریطانیه وصوره للإمام الشهید/ حسن البنا، وکتب تحتها عباره: "أخطر رجل فی الشرق الأوسط".
(وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَکَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ * وَإِن یُّرِیدُوا أَن یَخْدَعُوکَ فَإِنَّ حَسْبَکَ اللهُ هُوَ الَّذِی أَیَّدَکَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِینَ) صدق الله العظیم.
أبو النصر.. والطاعه المبصره:
صدر عن الأستاذ أبو النصر قوله: فی سنه ۱۹۴۲م عندما أعلن الإمام الشهید/ حسن البنا ترشیح نفسه نائبًا عن دائره الإسماعیلیه بناءً على رغبه الإخوان بها طلب رفعه النحاس باشا رئیس الحکومه فی ذاک الوقت من فضیلته التنازل عن الترشیح استجابه لضغوط الإنجلیز، ثم قال له: إنه من الأوفق لک کصاحب دعوه وفکره أن تترک الترشیح الآن وتنطلق تشرح دعوتک إلى الناس فی أنحاء القطر.
ولما طرح هذا الأمر على الهیئه التأسیسیه للإخوان المسلمین مجتمعه تبلور الحوار عن وجهتی نظر إحداهما عدم التنازل ویمثل الأغلبیه، والأخرى ترک الأمر لفضیله الإمام الشهید على اعتبار أنها مسأله شخصیه، وعلى ذلک فقد تصرف الإمام الشهید على هذا الوضع الأخیر وآثر التنازل، فأحدث ذلک اضطرابًا فی صفوف الإخوان فمنهم الموافق ومنهم المعارض، وعمت هذه الموجه الغاضبه جمیع الإخوان داخل القطر، وهو ما اضطر مکتب الإرشاد إرسال بعض أعضائه إلى الأقالیم لعرض المسأله وشرحها بما یطمئن النفوس، فکان أن زارنا فی الصعید الأستاذ المرحوم/ عبد الحکیم عابدین سکرتیر عام الجماعه وعقد لذلک اجتماعًا لنواب الإخوان فی دارهم بأسیوط، وأعطیت الکلمه للأستاذ/ عبد الحکیم عابدین فتناول الموضوع بالشرح والإسهاب وانتهى به الأمر إلى أن التنازل مسأله خاصه بفضیله الإمام الشهید ولا یصح أن تکون موضع قلق أو اضطراب الإخوان، وبعد ذلک عقبت فی کلمتی قائلاً: إن التنازل مسأله انتهت ولا یصح تضییع الوقت فی الکلام فیها، ولکنی أرجو من الأستاذ/ عبد الحکیم عابدین أن یرفع إلى فضیله الإمام الشهید أننا قد سلمنا بما انتهى إلیه الأمر ولکن على فضیلته أن ینزل مستقبلاً على رغبه الأغلبیه مهما کانت النتیجه، وما أن سمع الأستاذ/ عبد الحکیم عابدین کلامی حتى وقف معقبًا وأعلن أن هذا معناه عدم الطاعه لفضیله مرشد الجماعه والتمرد بل هو الخروج على مبادئ الجماعه، وصور ذلک فی قوه شدیده وثوره عارمه وعلى أثر ذلک انصرفت من الاجتماع محتجًا، ومن ثم عدت إلى منزلی بمنفلوط وقضیت بقیه اللیله أکتب رساله مطوله لفضیله الإمام الشهید أشرح فیها ما حدث فی الاجتماع موضحًا رأیی بصراحه ووضوح وموقف الأخ الأستاذ/ عبد الحکیم عابدین نحوی وکررت طلبی بالنزول على رأی الأغلبیه مستقبلاً، وما أن وصل خطابی إلى فضیله الإمام الشهید حتى اتصل بی هاتفیًا من القاهره معتذرًا عما حدث من الأستاذ/ عبد الحکیم عابدین ووعدنی بأنه سوف یأخذ بما أشرت فی خطابی من احترام قرارات الهیئه مهما کانت الظروف وأکبر فی هذا المعنی الصریح فسعدت بهذا أیما سعاده وفهمت أن الدعوه الإسلامیه بین یدی رجل یعشق الحریه ویحترم الرأی الآخر مهما تعارض مع ما أصدر من قرارات، فشکرت لفضیلته روح التفاهم العالیه وسماحه قلبه الکبیر بتصحیح الأوضاع وإرساء قاعده الشورى واحترامها والعمل بها حفاظًا على وحده الکلمه وجمع الصف. وفی هذا قوه الجماعات.
(فَمَا أُوتِیتُمْ مِنْ شَیْءٍ فَمَتَاعُ الْحَیَاهِ الدُّنْیَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَیْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِینَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ * وَالَّذِینَ یَجْتَنِبُونَ کَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ یَغْفِرُونَ * وَالَّذِینَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاهَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَیْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ * وَالَّذِینَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ) (الشورى:۳۶-۳۹).
أبو النصر.. فی منزل الرئیس عبد الناصر:
یسرد الأستاذ/ أبو النصر قصه وجوده فی منزل عبد الناصر قائلاً: وکان من بواکیر اللقاءات التی تمت هی دعوه الضابط عبد الناصر قائد الحرکه لفضیله الشیخ محمد فرغلی ومعه (الشاهد على الطریق) محمد حامد أبو النصر لتناول الإفطار فی منزله بمنشیه البکری، وفی الساعه السادسه صباحًا المیعاد المحدد لهذا اللقاء توجهنا إلى منزله فوجدناه فی انتظارنا فی حجره الاستقبال وبعد قلیل جلس ثلاثتنا حول مائده صغیره أعدت بإفطار مبسط عادی وأذکر أن دارت بیننا أحادیث بدأها الضابط عبد الناصر من أهمها:
العمل على إزاله آثار العوائق التی وقعت بین قیاده الإخوان وقیاده الحرکه، کما کانت مسأله إصلاح الأزهر الشریف منار الإسلام وما یجب أن یکون علیه من کفاءه حتى یؤدی رسالته.. وهنا لوح الضابط عبد الناصر بإشارات خفیفه حول إسناد مشیخه الأزهر لفضیله الشیخ فرغلی، کما تناول الحدیث إرسال بعثات إسلامیه من الإخوان المسلمین إلى جنوب أفریقیا لحاجه شعوبها إلى الإسلام وقد لاحظت على هذا اللقاء أمرین:
أحدهما: أن الدعوه موجهه لفضیله الشیخ فرغلی ولی على اعتبار أننا جمیعاً من أبناء محافظه أسیوط وبهذا کان یرید الضابط عبد الناصر بدعوته لنا هو استقطاب إخوان أسیوط حوله.
والآخر: هو عندما طلبت دخول دوره المیاه لقضاء بعض حاجتی وأثناء خروجی وبینما کنت أتوضأ لاحظت الضابط عبد الناصر یدخل الدوره ویفتشها بدقه، وهذا أمر کان له وقع سیئ على نفسی؛ إذ ظن أننی أخفیت له شیئًا ما، وهذا إن دل على شیء فإنما یدل على ریبته فی الإخوان وسوء ظنه بهم.
ولما انتهت الزیاره ورکبت مع أخی فضیله الشیخ فرغلی السیاره ذکرت له هذه الواقعه الأخیره، فضحک کثیرًا وقال معلقًا: (أصلک أنت راجل خطیر یا عم)، وأخذ یکرر هذه العباره ونحن نتبادل التعلیق والضحک والأسف الشدید.
ومما یذکر أن هذه الواقعه لم أذکرها لأحد فی حینها ولا یعلم بها سوى فضیله الشیخ فرغلی، والدافع لهذا الکتمان هو تهیئه الجو لتوثیق الرابطه وجمع الشمل.
ومما هو جدیر بالذکر أنه رغم وجود الروابط التی کانت تربطنا بالضابط عبد الناصر.
وأولها: رابطه الأخوه فی جماعه الإخوان المسلمین.
ثانیها: رابطه الانتماء إلى أسیوط حیث الموطن الذی یجمعنا.
وثالثها: رابطه الاجتماع على طعام واحد (العیش والملح).
ورغم هذه الروابط الثلاث القویه فقد حفظها الضابط عبد الناصر ورعاها فأعدم فضیله الشیخ فرغلی شنقاً، وحکم علی بالأشغال الشاقه المؤبده.
أبو النصر.. بین المحاکمه والمعتقلات:
یحکی الأستاذ/ أبو النصر فصول المحاکمه قائلاً: وبعد مضی ثلاثه أسابیع تقریبًا من وقوع حادث المنشیه غادرت القاهره إلى أسیوط یوم الخمیس ۱۸ من نوفمبر سنه ۱۹۵۴م فی القطار السریع الذی یصلها الثانیه صباحًا ورکبت سیاره لمنزلی بمنفلوط، وهناک بعد أن التقیت بأولادی فوجئت حوالی الساعه الخامسه صباحًا من یوم الجمعه ۱۹ من نوفمبر سنه ۱۹۵۴ بقوه کبیره لا تقل عن خمسین جندیًا وخمسه ضباط من قوات الجیش والبولیس یقتحمون منزلی، وفتحت عینای على أحد الضباط الذی طلب منی القیام فوافقته وأخذ هو وزملاؤه من الضباط فی تفتیش حجرات المنزل والأماکن الملحقه به تفتیشًا دقیقًا کما أحیط المنزل من الخارج بالجنود المدججین بالسلاح ومنع المرور فی الشوارع المحیطه بالمنزل، وفی هذه الأثناء طلبت طعام الإفطار وتناولته والسید مأمور المرکز یجلس أمامی وقد عرض علی الاستقاله من الجماعه وبذلک یمکن للسید المحافظ أن یحول دون تقدیمک للمحاکمه فرفضت بإباء، وقلت له: "لا یمکن؛ لأننی عندما التحقت بهذه الجماعه کنت رجلاً موفور العقل وأعرف تمامًا العقبات التی سوف تحدث فی طریق تحقیق مبادئ الإسلام وما زلت على عهدی وصدق ارتباطی بالجماعه والحمد لله.
وفی السادسه من صباح السبت ۲۰ من نوفمبر سنه ۱۹۵۴ وصلنا القاهره حیث کان فی انتظارنا لوری محمل بالجنود توجه بنا إلى المحافظه ومنها إلى وزاره الداخلیه، حیث تلقى الضابط المنوط بحراستی التعلیمات بتسلیمی لسجن الأجانب بمحطه مصر.
وفی السابعه من مساء یوم الخمیس ۲۵ من نوفمبر سنه ۱۹۵۴ فوجئت بالسجان یطرق علی باب الزنزانه، ودخل وطلب منی الخروج معه حیث غرفه المأمور فوجدت بها الضابط النوبتجی ومعه الأستاذ عبد الرحمن صالح المدعی العام فی محکمه الشعب، وضابط آخر أظنه صلاح الششتاوی وجاویش تحت إبطه حقیبه، وجلسوا جمیعًا جلسه المحققین وسألنی الأستاذ عبد الرحمن صالح عن اسمی وسنی ومهنتی وبلدی فأجبته، ثم سألنی بعض الأسئله أتذکر منها.
هل أنت عضو فی التنظیم السری؟ أجیب: لا.
هل تعلم أن الجماعه لها تنظیم سری؟ أجیب لا، إنما هو تنظیم خاص.
هل سمعت بالحوادث التی وقعت فی الماضی مثل اغتیال النقراشی؟ أجیب: أعلم من خلال مطالعتی الصحف.
منذ متى اخترت عضوًا فی مکتب الإرشاد؟ أجیب: منذ أن اختیر ممثل للصعید فی عضویه مکتب الإرشاد فی عهد الإمام الشهید حسن البنا.
هل اخترت فی عهد الهضیبی؟ أجبت: نعم اخترت مره واحده فی المکتب الأخیر.
لم لم تختر فی المکتب الأول؟ أجبت: الهیئه التأسیسیه لم تخترنی.
ألم تعلم أن عبد الرحمن السندی هو رئیس التنظیم السری؟ أجبت أعلم أنه رئیس التنظیم الخاص للجماعه.
وانتهی التحقیق معی ولم یستغرق أکثر من عشرین دقیقه، وقبل أن ینصرف المحقق قال: أنت لیس علیک أی شیء لأنه لیس علیک أی دلیل فی اشتراکک فی الحوادث الأخیره لولا أن مجلس الثوره قرر تقدیم أعضاء مکتب الإرشاد جمیعهم للمحاکمه ما کنت قدمت.
ولکی تبرأ ساحتک المطلوب منک التبرؤ من هذه الجماعه وإسناد حادث المنشیه إلى حسن الهضیبی، فقلت له: کیف أقول ذلک وأننی أعلم أن الأستاذ الهضیبی مستشار عظیم ولا یرضى عن مثل ذلک وأما عن الجماعه فأنا افتتحت مع فضیله الإمام الشهید حسن البنا أغلب شعب الصعید ولیس من المروءه أن أتنکر وأتخلى عن جماعتی، فرد على: أنت راسک ناشفه واتفضل خذ الإعلان ویمکنک الاتصال بأحد المحامین للحضور معک، والمحاکمه یوم السبت سبعه وعشرین.
وفی صباح الیوم التالی ۲۶ من نوفمبر سنه ۱۹۵۴ أنزل جمیع الإخوان المسجونین من الزنازین ووزعنا مجموعات، وعلى رأس کل مجموعه عسکری ویرأس الجمیع الصول أمین الجلاد المعروف، فکان یأمرنا بالسیر فی شکل طوابیر، کما کان یأمرنا بالجلوس القرفصاء ثم ینادی علینا بالقیام، ویتکرر ذلک مرات عدیده، وإن ار