المقالات

صناعه الإیجابیه فی المجتمع المسلم

صناعه الإیجابیه فی المجتمع المسلم
بقلم: محمد النادی
الإیجابیه کأی صفهٍ قد تکون جبله فطریه فی نفس صاحبها، وقد تکون مکتسبه نتیجه لاستشعار صاحبها بأهمیتها وحاجته إلیها، فیفسح المجال لاکتسابها حتى تکون وکأنها جبله راسخه فیه.
ویحتاج هذا الکسب لأمور لا بد منها:
 
أولاً: العزم والقصد (النیه) (۱)
وهو قصد النفس إلى العمل(۲)، أو توفر الإراده الدافعه إلى العمل،﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّهً﴾ (التوبه: من الآیه ۴۶)، ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِیَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (۱۱۵)﴾ (طه).
وقد عرَّفها الغزالی بقوله: "النیه: انبعاث النفس وتوجهها ومیلها إلى ما ظهر لها أن فیه غرضها إما عاجلاً وإما آجلاً"(3).
فالنیه لیست مجرَّد حدیث اللسان، ولکنها عزمه من عزمات القلب، یتوجه بها صاحبها نحو العمل؛ فالعمل ثمره النیه وفرع عنه.
 
والمسلم الفطن یستحضر لکل عمل نیه، ویجاهد نفسه لکی تکون هذه النیه خالصه لله لا مدخل للهوى أو الشیطان فیها، "فإن کنت من أولی العزم والنهى، ولم تکن من المغترّین فانظر لنفسک الآن، ودقق الحساب على نفسک قبل أن یدقق علیک، وراقب أحوالک، ولا تسکن ولا تتحرک ما لم تتأمل أولاً أنک لمَ تتحرک؟ وماذا تقصد؟ وما الذی تنال به من الدنیا؟ وما الذی یفوتک من الآخره؟ وبماذا ترجح الدنیا على الآخره؟ فإذا علمت أنه لا باعث إلا الدین فأمض عزمک وما خطر ببالک وإلا فأمسک، ثم راقب أیضًا قلبک فی إمساکک وامتناعک؛ فإن ترک الفعل فعل ولا بد من نیه صحیحه، فلا ینبغی أن یکون الداعی هوى خفی لا یطّلع علیه، ولا یغرنک ظواهر الأمور ومشهورات الخیرات، وافطن للأغوار والأسرار تخرج من حیز أهل الاغترار"(4).
 
ثانیًا: تحدید الغایه والأهداف
فالمسلم لا یحیا حیاهً عبثیهً، فهو یعرف ما یرید فی ضوء مراد الله- جل وعلا، وما انتظمت الحیاه لمهمل، ولا صفت لمَن لم یعرف له فی الحیاه هدفًا ولا غایه، "وأعظم غایه للمسلم، وأخطر قضیه هو أن یفوز فی حیاته الأخرویه تلک، وینجو من الخسران فیها، وکیف لا؟! وقد علم أنها هی الحیاه الأبدیه والخالده التی لا تفنى ولا تنتهی.
وکیف لا؟! وقد أیقن أن الفوز فی الآخره هو الفوز العظیم، وأن الخسران فیها هو الخسران المبین"(5).
والدنیا مزرعه الآخره، ومطیه لها، ومن فقد المطیه فقد الوصول؛ لذا کان لزامًا أن تحدد الأهداف والغایات.
والأهداف فی حیاه الإنسان تنقسم إلى:
۱- أهداف کبرى کلیه دائمه.
۲- أهداف صغرى جزئیه مرحلیه.
ولا بد أن تکون الأهداف الصغرى خادمهً للأهداف الکبرى، ودائره فی فلکها، ووسیله لها، وطریقًا للوصول إلیها.
 
وهذه هی بعض الأفکار التی تساعد الإنسان على تحدید أهدافه المشروعه:
۱- حذار أن تعود نفسک على القیام بأعمال لا هدف لها.
 2- عند تحدید الأهداف یجب مراعاه الإمکانات المتاحه والمتوقعه، ثم تحدید الأهداف على مقدارها؛ فلا تکون الأهداف خیالیه فی طموحها بینما الإمکانات المعده لها أو تلک التی یمکن إعدادها متواضعه جدًّا، أی أن یکون الهدف ممکنَ الحصول والتحقیق.
۳- یجب أن یکون الهدف الذی تسعى لتحقیقه مناسبًا للزمن الذی قدرته لإنجازه.
۴- یجب أن یکون محددًا واضحًا لا غموض فیه ولا لبس؛ لأن عدم تحدید الهدف أو عدم وضوحه یجعل الإنسان غیر قادر على الوصول إلى ما یرید أو عدم معرفه ما یرید.
۵- من شروط تحقق الأهداف وضع خطه عملیه للوصول إلیها؛ فالهدف مهما کان عظیمًا وممکنًا ومشروعًا ومحددًا ما لم یبین سبیل الوصول إلیه یبقى أفکارًا وآمالاً فقط، أما تحققه فی الواقع فلا بد له من خطه توصل إلیه.
۶- بعد إنجاز الخطه وتوفیر الاحتیاجات وتحدید زمن التنفیذ یکون التنفیذ للخطه من أجل الوصول للهدف.
۷- ترتیب الأهداف التی نسعى لتحقیقها الأولى فالأولى.
۸- تجزئه الأهداف الکبرى إلى أهداف مرحلیه صغرى، وبعدها تحقق کل هدف مرحلی على حده(۶).
 
ثالثًا: القدره مع علو الهمه
وضوح الأهداف وحده لا یکفی للتغییر، ولکنه یحتاج إلى قدره على التغییر، وتتفاوت درجات القدره من شخص لآخر، حتى تنتهی عند الإراده القلبیه، ولیس وراء ذلک للمرء من سبیل، وذلک واضح من قول الرسول- صلى الله علیه وآله وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْکُمْ مُنْکَرًا فَلْیُغَیِّرْهُ بِیَدِهِ، فَإِنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ یَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِکَ أَضْعَفُ الإِیمَانِ"(7).
والعیب کل العیب فیمن کان قادرًا على التغییر، ولکن نفسه رکنت إلى الجمود والسکون، وما أجمل قول المتنبی:
وَلَم أَرَ فی عُیوبِ الناسِ شَیئًا کَنَقصِ القادِرینَ عَلى التَمامِ
 
والأمه الإسلامیه لا تعوزها القدره، ولکنها تحتاج إلى همه عالیه، ونفس وثابه متطلعه إلى المعالی لا تکل ولا تمل، وعمل دءوب لا ینقطع، وروح شفوفه کأنها تعیش بین أهل السماوات.
 
الأمه الإسلامیه تحتاج إلى من یحمل همها، وینشغل بمشاکلها، وعلاج آفاتها، تحتاج إلى شخص قد أعد عدته، وأخذ أهبته، وملک علیه الفکر فیما هو فیه نواحی نفسه وجوانب قلبه؛ فهو دائم التفکیر، عظیم الاهتمام، على قدم الاستعداد أبدًا، إن دعی أجاب، وإن نودی لبى، غدوه ورواحه وحدیثه وکلامه وجده ولعبه لا یتعدى المیدان الذی أعد نفسه له، ولا یتناول سوى المهمه التی وقف علیها حیاته وإرادته، یجاهد فی سبیلها، تقرأ فی قسمات وجهه، وترى فی بریق عینیه، وتسمع فی فلتات لسانه ما یدلک على ما یضطرم فی قلبه من جوى لاصق وألم دفین، وما تفیض به نفسه من عزیمه صادقه وهمه عالیه وغایه بعیده.
فهذا الصنف ومَن على شاکلته لا یعرفون الراحه، ویکرهون السکون والعجز، قاهرون للأعذار، مسارعون فی تنفیذ التکالیف وإنجازها.
قال ابن الجوزی: "من علامه کمال العقل علو الهمه، والراضی بالدون دنیء"(8).
والرضا بالدون یأتی عن طریق:
۱- رکون المرء إلى الدنیا والانشغال بها.
۲- مقارنه المرء عمله وجهاده بعمل وجهاد مَن هو دونه من حیث قدراته وإمکاناته.
۳- وجود المرء فی بیئه مثبطه لا تعینه على الانشغال بما هو بصدده(۹).
 
رابعًا: الوسائل
لإتمام أی عملٍ لا بد له من نیه تدفع للقیام به، ثم تحدید الهدف المرجو من هذا العمل، ثم التحرک الفاعل لإتمام هذا العمل، ویکون ذلک عن طریق اتخاذ الوسائل العملیه المناسبه والشرعیه؛ لأن المسلم لا یکون میکافیللیًّا یرى أن الغایه تبرر الوسیله(۱۰)، ولکنه لا یتخذ إلا الوسیله المشروعه المحققه لغایته النبیله.
والوسائل العملیه المقترحه کثیره نشیر إلى بعض منها تارکین المجال لک- أیها القارئ الأریب- لتبدع الوسائل المتنوعه لتحقیق الإیجابیه فیک وفی الآخرین.
۱- دراسه سیره الدعاه السابقین
فتشبهوا إن لم تکونوا مثلهم      إن التشبه بالرجال فلاح
إنَّ دراسهَ سیر الدعاه على مر العصور ابتداءً من الرسل الکرام حتى المجددین فی العصر الحدیث، وإبراز الدور الذی لعبوه فی التغییر والإصلاح، وکیف أنهم لم یجدوا السبیل ممهده معبده، ولکنهم شقوا طریقهم بین الصخور، متحملین العنت والمشقه من المدعوین، لم یدخل الضعف إلى نفوسهم، استعانوا بالله رب العالمین، وأخذوا بالأسباب ولم ینظروا إلى النتائج؛ فالمهم العمل؛ لأن المحاسبه تکون على الأعمال لا على النتائج.
کل ذلک مدعاه لنا أن نسلک طریقهم، ونتخذ منهجهم فی التغییر، وأن یکونوا القدوه لنا فی زمن عزَّ فیه أن نهتدی للشخصیات الصالحه للاقتداء ﴿أُولَئِکَ الَّذِینَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ﴾ (الأنعام: ۹۰).
 
 2- مصاحبه مَن یتصفون بالإیجابیه
إن مصاحبه هؤلاء الإیجابیین "أولى الهمم العالیه لترفع همه الفرد، وتجعله یتعلم من سلوکهم العملی ما لا یتعلمه من کثیرٍ من المواعظ والکلام، فقد قیل: "عمل رجل فی ألف رجل خیرٌ من قول ألف رجلٍ فی رجل" (11).
وبالاحتکاک والمعایشه تنتقل الصفات الإیجابیه بین الأفراد وتنتشر؛ حتى تصبح الإیجابیه صفه جمعیه أو مجتمعه بمعنى أن المجتمع کله یکون إیجابیًّا ولیست صفه أفراد متفرقین، وعندها نقول- بحق: إن هذه الأمه أصبحت قادرهً على تغییر العالم مما هو فیه من البلاء، وتوجیهه نحو الصواب، حیث الإسلام.
 
 3- متابعه البرامج التی تغرس هذه الصفه
فی مجتمعاتنا الإسلامیه الآن فئات تشعر بأهمیه التغییر، وتدعو لحمل همِّ الأمه، وتطالب بالمبادره إلى الإسراع بخطى التغییر نحو الإصلاح الحقیقی للأمه، وتضع برامج للتغییر والإصلاح، وتحاول نشر ذلک من خلال الدورات والدروس، وورش العمل… إلخ.
فبادر- أیها الأخ الحبیب- إلى الاشتراک فی هذه الأعمال ومتابعتها لتتعلم فتعمل وتعلم غیرک.
 
۴- ادع الآخرین
إذا أردت أن تکون إیجابیًّا فادع من تتوسم فیه الخیر إلى أن یکون إیجابیًّا، فنشر هذه الصفه فی المجتمع المحیط بک یحافظ علیک أنت شخصیًّا، وعندها یکون قد تم التوسع رأسیًّا وأفقیًّا، وذلک بانتشار هذه الصفه بین أکبر عددٍ من الناس، وتعمقها کذلک فیک عن طریق ممارستها، فالأقوال النظریه لا تصنع الواقع ما لم تترجم إلى أفعال.
وتتم الدعوه للإیجابیه عن طریق إعطاء دورات فیها، وفی أهمیتها، وکیفیه ممارستها، والعوامل المترتبه علیها، وکذلک عن طریق حلقات الدروس، أو المجلات.. إلخ.
وإذا لم تستطع استخدام هذه الوسائل فی نشرها فعلیک بدعوه الأفراد إلیها فردیًّا عن طریق المصاحبه والمخالطه.
وفی أثناء الدعوه للإیجابیه تلمس الشخصیات المحوریه المؤثره التی إن أحدثْت فیها تغییرًا تجد أثر ذلک على جمیع المحیطین بها.
۵- إنشاء محاضن لهذه الصفه
فلماذا لا ننشئ جمعیات فی المدارس، وأسرًا فی الجامعات تقوم فی مبادئها على نشر هذه الصفه فی المجتمع؟
ومجتمع المدارس والجامعات یحتوی على عماد الأمه، والجیل الذی تقوم على أکتافه نهضه هذه الأمه، فتوجیه الاهتمام إلیهم بنشر هذه الصفه فیهم هو لبنه فی صرح البناء النهضوی المرتقب للأمه.
 
۶- مراجعه الأعمال وتقییمها
مراجعه الأعمال بین الحین والآخر لمعرفه مستوى الأداء أمر مطلوب، فقد یحدث قصور- وکثیرًا ما یحدث- فنحاول أن نجد له العلاج المطلوب، أما إذا ترکنا الأمور تسیر هکذا خبط عشواء فعندها قد یحدث انحدار دون أن یشعر به المرء، والإنسان الغافل هو الذی لا یراجع ما قام به من أعمال لیصحح الخطأ، أو یبحث عن وسائل جدیده لتحقیق مستهدفاته… إلخ.
فهذا الأستاذ البنا یتحدث فی المؤتمر الخامس فیقول: "ولا بأسَ أن ننتهز هذه الفرصه الکریمه فنستعرض برنامجنا، ونراجع فهرس أعمالنا، ونستوثق من مراحل طریقنا، ونحدد الغایه والوسیله، فتتضح الفکره المبهمه، وتصحح النظره الخاطئه، وتعلم الخطوه المجهوله، وتتم الحلقه المفقوده" (12).
وهذه نظره ثاقبه من الإمام البنا؛ فلیس معنى أنه داعیه إسلامی، وأن جماعته معنیه بالشئون الإسلامیه، ألا یخطط لأعماله، وألا یراجعها بعد تنفیذها لیرى إلى أی مدى قد وصلت الأمور، وقد یکون من الأسباب التی أدَّت إلى استمرار تلک الدعوه بعد فضل الله عز وجل أن سلکت طریق المراجعه والتقویم.
—————–
۱- قال الغزالی: "اعلم أن النیه والإراده والقصد عبارات متوارده على معنى واحد" (أبو حامد محمد بن محمد الغزالی: إحیاء علوم الدین، تحقیق: الشحات الطحان، عبد الله المنشاوی، مکتبه الإیمان، المنصوره، الطبعه الأولى، ۱۴۱۷ﻫ-۱۹۹۶م، (۵/۷).
۲- مجمع اللغه العربیه: المعجم الوجیز، طبعه خاصه بوزاره التربیه والتعلیم، سنه ۱۴۱۱ﻫ-۱۹۹۱م، ص (۶۴۱).
۳- الإحیاء، (۵/۱۹).
۴- السابق، (۵/۱۸).
۵- عبد الحلیم الکنانی: غایتنا أخطر قضیه فی حیاه المسلم، دار البشیر للثقافه والعلوم الإسلامیه، طنطا، الطبعه الثانیه، ۱۴۱۴ﻫ-۱۹۹۳/۱۹۹۴م، ص (۳۴).
۶- انظر: د. عوض بن محمد القرنی: حتى لا تکون کلاًّ، دار الأندلس الخضراء، جده، الطبعه الخامسه، ۱۴۲۰ﻫ-۱۹۹۹م، ص (۱۴-۲۶).
۷- أخرجه مسلم فی "الإیمان"، باب: "بیان کون النهی عن المنکر من الإیمان، وأن الإیمان یزید وینقص، وأن الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر واجبان"، ح(۷۰).
۸- أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزی: صید الخاطر، دار ابن خلدون، الإسکندریه، ص(۷).
۹- انظر: ماجد العویسان: طرق التدریس الحدیثه بین النظریه والتطبیق، المؤسسه الحدیثه، د.ت، (۲/۲۶۱-۳۰۳).
۱۰- انظر: محمد قطب: مذاهب فکریه معاصره، دار الشروق، القاهره، الطبعه التاسعه، ۱۴۲۲ﻫ- ۲۰۰۱م، ص (۴۶۶) وما بعدها.
۱۱- طرق التدریس الحدیثه بین النظریه والتطبیق، ص (۲۹۷).
۱۲- مجموعه رسائل الإمام الشهید حسن البنا، دار التوزیع والنشر الإسلامیه، القاهره، ۱۴۱۲ﻫ-۱۹۹۲م، ص (۱۱۵).
المصدر:اخوان انلاین

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا