المقالات

بین السلفیه والسلفیین / استاذ مصطفى الطحان

بین
السلفیه والسلفیین

مصطفى
الطحان

 یقول الإمام الشهید حسن البنا فی الأصل السادس
من رکن الفهم: (وکل أحد یؤخذ من کلامه ویترک إلا المعصوم صلى الله علیه وسلم، وکل
ما جاء عن السلف الصالح رضوان الله علیهم موافقا للکتاب والسنه قبلناه وإلا فکتاب
الله وسنه رسوله صلى الله علیه وسلم أولى بالإتباع، ولکنا لا نعرض للأشخاص – فیما
اختلف فیه – بطعن أو تجریح ونکلهم إلى نیاتهم وقد أفضوا إلى ما قدموا).

 

یتناول
هذا الأصل عددا من القضایا الهامه فی حیاه الدعوه والدعاه..

 

أولا-
کل أحد یؤخذ من کلامه ویترک إلا المعصوم صلى الله علیه وسلم:

 

وهو
تأکید لما جاء فی الأصل الثانی من رکن الفهم عندما قال الإمام: والقرآن الکریم
والسنه المطهره مرجع کل مسلم فی تعرّف أحکام الإسلام، أما غیر ذلک فیؤخذ منه
ویردّ، ولا عصمه لبشر إلا لرسول الله صلى الله علیه وسلم، وکل ادعاء بالعصمه لغیر
کتاب الله وسنه رسوله صلى الله علیه وسلم مردودٌ وباطل.

 

ولقد
أساء البعض فهم هذا الأصل.. فاعتقد بأن من حقه التطاول على الآخرین، ونسی ما للعلم
والعلماء من فضل تجب معرفته حتى تستقیم الأمور.. فإذا کانت الحکمه ضاله المؤمن
فینبغی البحث عنها فی إطار رائع من التناصح والتحابب والاحترام. فی الأثر عن ابن
عباس رضی الله عنه أنه کان یأخذ برکاب زید بن ثابت رضی الله عنه ویقول: هکذا
أُمرنا أن نفعل بعلمائنا، وعن سعید بن سمره بن جندب رضی الله عنه قال: (کنت على
عهد رسول الله صلى الله علیه وسلم غلاما فکنت أحفظ عنه، فما یمنعنی من القول إلا
أن ههنا رجالا هم أسنّ منّی)[۱]، وفی الأثر عن علی بن أبی طالب رضی الله عنه قال:
إن من حق العالم علیک:

 

 

 

·         أن تسلّم على القوم عامه وتخصه بالتحیه.

 

·         وأن تجلس أمامه.

 

·         ولا تعینه فی الجواب.

 

·         ولا تطلبنّ عثرته.

 

·         وإن زلّ قبلت عثرته.

 

·         ولا تقولنّ له سمعت فلانا یقول کذا، ولا
إن فلانا یقول بخلافک.

 

·         ولا تصفن عنده عالما فإنما هو بمنزله
النخله تنتظر حتى یسقط علیک منها شیء.

 

ویقول
ابن عمر رضی الله عنه عن رسول الله صلى الله علیه وسلم: أفضل العباده الفقه وأفضل
الدین الورع، وقال صلى الله علیه وسلم : ثلاث لا یستخف بهم إلا منافق: ذو الشیبه
فی الإسلام، وذو العلم، وإمام مقسط.

 

صحیح
أن الحکمه ضاله المؤمن وأن لصحاب الحجه مقالا.. ولکنه صحیح أیضا أن من یضع نفسه
هذا الموضع یجب أن یتحرى: الحق والصدق 
والأسلوب الحسن والأدب الرفیع..

 

فهل
یتصور أحد أن إصلاح الأمر وإصلاح ذوی الأمر یکون بالتلمیح والتجریح والهمز واللمز
وبمجالس الغیبه والبهتان؟

 

وهل
یتصور أحد أن مجتمعا کریما یمکن أن یقوم، لا یوقر فیه صغیر کبیرا ولا یعطف فیه
کبیر على صغیر..؟

 

ولیس
معنى ذلک أن هؤلاء العلماء معصومون أو لا یخطئون.. فکل ابن آدم خطاء.. ولکن معناه
أن تقوم مجتمعاتنا على التقوى والأدب والأخلاق.. فلا خیر فی مجتمع لا تُعرف فیه
الحقوق.. ولا قیمه لمعرفه لا یزینها الأدب.

 

ثانیا
– السلفیه الحقیقیه

 

ویقول
الإمام البنا (رحمه الله): وکل ما جاء عن السلف الصالح موافقا للکتاب والسنه
قبلناه.. وإلا فکتاب الله وسنه رسوله أولى بالإتباع.

 

والسلف
الصالح هم المعنیون بقوله تعالى: )والسابقون الأولون من المهاجرین والأنصار([۲]،
وقوله تعالى: )لقد رضی الله عن المؤمنین إذ یبایعونک تحت الشجره([۳]، وقوله
تعالى:{لقد تاب الله عن النبی والمهاجرین والأنصار الذین اتبعوه([۴]. هؤلاء السلف
رجال عظماء نهلوا من المعین الصافی.. وقامت الدعوه الإسلامیه وانتشرت بفضل إیمانهم
وجهادهم.. وکل ما جاء عن هؤلاء موافقا للکتاب والسنه.. تلقاه المسلمون بالقبول..
أما إذا أخطأ أحدهم فکتاب الله وسنه رسوله هما المرجع والأولى بالإتباع.. فالمعصوم
هو الرسول وحده.

 

ولقد
غالى البعض فی مواقفهم من أصحاب رسول الله صلى الله علیه وسلم  حبا وبغضا.. وهذا الأمر بعید عن الصواب بعید عن
الإنصاف.. والموقف الذی یذکره الإمام حسن البنا بخصوص السلف الصالح هو السلفیه
الحقیقیه، فالسلفیه هی نزعه عقلیه وعاطفیه ومنهجیه ترتبط بخیر القرون، وتعمق
ولاءها لکتاب الله وسنه رسوله صلى الله علیه وسلم، وتبذل الجهد لإعلاء کلمه الله
على الأرض ولذلک فهی لها منهج للعقیده یفسر الکون والحیاه والإنسان بعیدا عن علم
الکلام مستمدا من منهج القرآن، ومنهج للعباده یقوم على الشمول والعموم والکمال
والسمو ینبع من صحه الاعتقاد وصدق الاتباع، ومنهج للحرکه تعریفا وتکوینا وتنفیذا.
فالسلفیه منهج ولیست مجرد شکل من أشکال التنظیم.

 

ثالثا-
تلک أمه قد خلت

 

والسلف
الصالح رجال عظماء.. ولکنهم بشر یجوز علیهم السهو والخطأ والخلاف.. ولقد نشبت بین
الأصحاب خلافات فکریه وکلامیه ووصلت فی بعض الأحیان إلى التقاتل فیما بینهم..

 

ومعظم
الأضرار التی أصابت المسلمین ومازالت تفرق صفهم تکمن فی انحیاز المسلمین إلى فریق
من هؤلاء دون فریق.. والغلو فی الحب والبغض.

 

والمنهج
الأمثل فی مثل هذه الحاله ما قاله الإمام حسن البنا وهو مستمد من منهج العلماء
عندما سئلوا عما وقع بین الصحابه رضوان الله علیهم فقالوا: تلک دماء قد طهر الله
منها أیدینا، فلا نلوث بها ألسنتنا.

 

ولا
یمنع ذلک من الدراسات العلمیه وتحلیل المواقف لأخذ العبره واستخلاص الدروس..
فأحداث الماضی هی المختبر الذی تتمحص فیه الأفکار.. وتربط به الأحداث بالنتائج..
وترسم على ضوء ذلک خطوات المستقبل.. وفی نفس الإطار ینبغی البعد عن التعصب لبعض
السلف والمغالاه فی تقدیر مواقفهم التی قد تؤدی إلى الانحراف.

 

هذا
هو الأدب العالی والمنهج القویم فی التعامل مع السلف الصالح کما یقرره الإمام
البنا فی هذا الأصل[۵].

 

 

 

[۱] متفق علیه.

 

[۲] التوبه – ۱۰۰.

 

[۳] الفتح – ۱۸.

 

[۴] التوبه – ۱۱۷.

 

[۵] فهم الإسلام – جمعه أمین، ص- (۹۱-۱۰۱).

المصدر
: الشبکه الدعویه

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا