المقالاتمطالب جدید

قضایا العقیده فی رسائل الإمام البناء و فی فکر الإخوان المسلمین

قضایا العقیده فی رسائل الإمام البناء و فی فکر الإخوان المسلمین

مصطفى محمد الطحان

 أولاً- العقیده أس البناء

العقیده فی فکر الإخوان وفی دعوتهم هی: رأس الأمر, وأسّ البناء, وروح الإسلام. فالإسلام عقیده, تقوم على أساسها شریعه, تتفرع عنها أخلاق وأعمال, وینبثق منها مجتمع, تحکمه دوله.

والعقیده یعبر عنها فی القرآن والسنه باسم (الإیمان), والشریعه والعباده والأخلاق یعبّر عنها باسم (العمل), ولا یقبل عمل بلا إیمان. کما لا ینفع إیمان بلا عمل.

وقد رکز الإمام البنا منذ فجر دعوته على بناء  الإیمان لدى الدعوه, إقتداء بما فعله رسول الله r , الذی ظل ثلاثه عشر عاماً  فی العهد المکی یغرس فیها – قبل کل شیء- أصول الإیمان, وحقائق التوحید, وعباده الله وحده, واجتناب الطاغوت, کما یغرس فی النفوس والعقول أصول الفضائل ومکارم الأخلاق.

کان من الشعارات التی رفعها الإخوان: (الله غایتنا, والقرآن شرعتنا, والرسول قدوتنا, والجهاد سبیلنا), وکان هتاف الإخوان: (الله أکبر ولله الحمد).

وکانت مناهج التربیه فی جماعه الإخوان تقوم على أن الإیمان هو الرکن الرکین, والحصن الحصین, وأن الجانب الربانی فی التربیه مقدم على کل الجوانب, وهو أصلها الأصیل, وأن رضوان الله تعالى هو (غایه الغایات).

وقد کتب الإمام البنا رساله مرکزه ومیسره فی العقائد.. ولا یکاد یوجد کاتب من کتاب الإخوان إلا وکتب عن العقیده(۱) الإخوان المسلمون- د. یوسف القرضاوی, ص-۳۱۶.

 ثانیاً- کیف یقدم الإخوان العقیده؟

لا یرید الإخوان من تقدیم العقیده وشرحها:

 أن تکون کلمات تحفظ وتردد, ولا مجادلات مع الآخرین, دون أن یکون لها أثر فی حیاه صاحبها, بحیث یقتنع بها عقله, ویطمئن بها قلبه, وینفعل بها وجدانه, وتتحرک بها إرادته.

إن القرآن الکریم حین عرض لنا إیمان المؤمنین جسده فی أخلاق وأعمال باطنه وظاهره کما قال تعالى: ) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِینَ إِذَا ذُکِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِیَتْ عَلَیْهِمْ آَیَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِیمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ. الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَلاهَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ. أُولَئِکَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَهٌ وَرِزْقٌ کَرِیمٌ(. الأنفال- (۲-۴).

وکذلک قوله تعالى: ) قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ. الَّذِینَ هُمْ فِی صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ. وَالَّذِینَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ. وَالَّذِینَ هُمْ لِلزَّکَاهِ فَاعِلُونَ. وَالَّذِینَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(. المؤمنون-(۱-۵)

ثالثاً- العقیده فی الأصول العشرین

وقد جاء فی رساله (التعالیم) الموجزه التی کتبها الإمام حسن البنا والتی وجهها إلى الإخوان على أنها لیست دروسا تحفظ ولکنها تعلیمات تنفذ، حدد فیها رؤیه الإخوان المسلمین للتعالیم الإسلامیه الأساسیه وفیها ما یتصل بمبحث العقیده، نذکر بعضها لصلته بموضوعنا:

  • کل أحد یؤخذ من کلامـه ویترک إلا المعصوم r ، وکل ما جاء عن السـلف رضوان الله علیهم موافقا للکتاب والسنه قبلناه، وإلا فکتاب الله وسنه رسوله أولى بالاتباع، ولکننا لا نعرض للأشخاص – فیما اختلف فیه- بطعن أو تجریح، ونکلهم إلى نیاتهم، وقد أفضوا إلى ما قدموا.
  • ولکل مسلم لم یبلغ درجه النظر فی أدله الأحکام الفرعیه أن یتبع إماما من أئمه الدین، ویحسن به مع هذا الاتباع أن یجتهد ما استطاع فی تعرف أدله أحکام إمامه، وأن یتقبل کل إرشاد مصحوب بالدلیل متى صح عنده صلاح من أرشده وکفایته. وأن یستکمل نقصه العلمی إن کان من أهل العلم حتى یبلغ درجه النظر.
  • والخلاف الفقهی فی الفروع لا یکون سببا للتفرق فی الدین، ولا یؤدی إلى خصـومه ولا بغضاء ولکل مجتهد أجره، ولا مانع من التحقیق العـلمی النزیـه فی مسائل الخلاف فی ظل الحب فی الله والتعاون على الوصول إلى الحقیقه، من غیر أن یجر ذلک إلى المراء المذموم والتعصب.
  • وکل مسأله لا ینبنی علیها عمل فالخوض فیها من التکلف الذی نهینا عنه شرعا، ومن ذلک کثره التفریعات للأحکام التی لم تقع، والخوض فی معانی الآیات القرآنیه الکریمه التی لم یصل إلیها العلم بعد، والکلام فی المفاضله بین الأصحاب رضوان الله علیهم وما شجر بینهم من خلاف، ولکل منهم فضل صحبته وجزاء نیته، وفی التأویل مندوحه.
  • معرفه الله تبارک وتعالى وتوحیده وتنزیهه أسمى عقائد الإسلام، وآیات الصفات وأحادیثها الصحیحه وما یلیق بذلک من التشابه، نؤمن بها کما جاءت من غیر تأویل ولا تعطیل، ولا نتعرض لما جاء فیها من خلاف بین العلماء، ویسعنا ما وسع رسول الله r وأصحابه ) وَالرَّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا(
  • وکل بدعه فی دین الله لا أصل لها – استحسنـها النـاس بأهوائهم, سـواء بالزیاده فیـه أو بالنقص منه-  ضلاله تجب محاربتها والقضاء علیها بأفضل الوسائل التی لا تؤدی إلى ما هو شر منها.
  • والبدعه الإضافیه والترکیه والالتزام فی العبادات المطلقه خلاف فقهی، لکل فیه رأیه، ولا بأس بتمحیص الحقیقه بالدلیل والبرهان.
  • ومحبه الصالحین واحترامهم والثناء علیهم بما عرف من طیب أعمالهم قربه إلى الله تبارک وتعالى, والأولیاء هم المذکورون فی قوله تعالى ) الَّذِینَ آَمَنُوا وَکَانُوا یَتَّقُونَ((۲) والکرامه ثابته لهم بشرائطها الشرعیه مع اعتقاد أنهم رضوان الله علیهم لا یملکون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فی حیاتهم أو بعد مماتهم فضلا عن أن یهبوا شیئا من ذلک لغیرهم.
  • وزیاره القبور أیا کانت سنه مشروعه بالکیفیه المأثوره، ولکن الاستعانه بالمقبورین أیا کانوا ونداءهم لذلک وطلب قضاء الحاجات منهم عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشیید القبور وسترها وإضاءتها
  • والتمسح بها والحلف بغیر الله وما یلحق بذلک من المبتدعات کبائر تجب محاربتها, ولا نتأول لهذه الأعمال سدا للذریعه.
  • والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعی فی کیفیه الدعاء ولیس من مسائل العقیده.
  • والتمائم والرقى والودع والرمل والمعرفه والکهانه وادعاء معرفه الغیب، وکل ما کان من هذا الباب منکر تجب محاربته (إلا ما کان آیه من قرآن أو رقیه مأثوره).
  • والعرف الخاطئ لا یغیر حقـائق الألفاظ الشرعیٍـه، بل یجب التأکد من حدود المعانی المقصود بها، والوقوف عندها. کما یجب الاحتراز من الخداع اللفظی فی کل نواحی الدنیا والدین، فالعبره بالمسمیات لا بالأسماء.
  • والعقیده أساس العمل، وعمل القلب أهم من عمل الجارحه، وتحصیـل الکمال فی کلیهما مطلوب شرعا، وإن اختلفت مرتبتا الطلب.
  • والإسـلام یحرر العقـل، ویحث على النـظر فی الکـون، ویرفع قدر العـلم والعلماء، ویرحب بالصالح النافع من کل شیء، و(الحکمه ضاله المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها).
  • وقد یتناول کل من النظر الشرعی والنظر العقلی ما لا یدخل فی دائره الآخر، ولکنهما لن یختلفا فی القطعی. فلن تصطدم حقیقه علمیه صحیحه بقاعده شرعیه ثابته، ویؤوّل الظنی منهما لیتفق مع القطعی. فإن کانا ظنیین فالنظر الشرعی أولى بالاتباع حتى یثبت العقلی أو ینهار.
  • ولا نکفر مسلما أقر بالشهادتین وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض – برأی أو معصیه- إلا إن أقر بکلمه الکفر، أو أنکر معلوما من الدین بالضروره، أو کذب صریح القرآن، أو فسره على وجه لا تحتمله أسالیب اللغه العربیه بحال، أو عمل عملا لا یحتمل تأویلا غیر الکفر(۱).

رابعاً: أمام الخلافات الدینیه

ولقد عانت الأمه المسلمه فی العقدین الأخیرین من ظاهره تعدد الجماعات الإسلامیه لاسیما فی محیط الشباب الذین لم تتوافر لدیهم شروط الاجتهاد ولم یبلغوا درجه النظر فی أدله الأحکام الفرعیه. وحکم الاجتهاد بالنسبه إلى من لم تتوفر فیهم شروطه الشرعیه، ولم تتوفر لهم وسائله هو التحریم، لأن حکمهم یکون غیر موصل إلى حکم الله ومفضیا إلى الضلال، وکل ما یفضی إلى المحرم محرم. والواجب على هؤلاء أن یعرفوا حکم الله بالسؤال عنه ممن عرفوه بأدلته الشرعیه لقوله تعالى:  ) فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّکْرِ إِنْ کُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ((۲). وأن الدعوه إلى الکتاب  والسنه قد فهمها بعض الشباب المسلم على غیر وجهها فراحوا یهاجمون المذاهب والمتمذهبین ویرمونهم بتنکب طریق السنه، وغالوا فی دینهم إلى حد تکفیر المسلمین ممن لم یؤمن بفکرهم ویسلک طریقهم، وتعصبت کل جماعه لفکرها، وانصرفت طاقات الشباب فی وجهات ضررها أکثر من نفعها، وفاتهم لقصور علمهم وفقههم فی الدین، وتجاوزهم حدوده وأحکامه، أن

نکبه الأمه الإسلامیه فی هذا الزمان هی فی أساسها تفرق کلمتها وتمزق وحدتها، وأن دیننا یأمرنا أن نسد أبواب الخلاف وأن نفتح أبواب التعاون والحب فی الله، ونحن الیوم أحوج ما نکون إلى جمع شمل أبناء الأمه على کتاب الله وسنه رسوله، ونبذ أسباب التفرق والشقاق، وألا نتقطع أمرنا بیننا زبرا کل حزب بما لدیهم فرحون، وأن نعلم أن إقامه الدین لا تتأتى مع التفرق فیه, قال تعالى: ) أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِیهِ((۱), وحذرنا الله تعالى ألا نکون من الذین فرقوا دینهم فی قوله تعالى: ) فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا. فِطْرَهَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لاَ تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ. ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لاَ یَعْلَمُونَ . مُنِیبِینَ إِلَیْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِیمُوا الصَّلاَهَ وَلاَ تَکُونُوا مِنَ الْمُشْرِکِینَ. مِنَ الَّذِینَ فَرَّقُوا دِینَهُمْ وَکَانُوا شِیَعًا کُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ ((۲).

دعوه تجمع ولا تفرق

فی هذا المعنى نسوق ما قاله الأستاذ حسن البنا فی إحدى رسائله وهو یتحدث عن الخلافات الدینیه ومنهاج الدعوه بشأنها، ففیه توجیه طیب  لاسیما للشباب فی هذه الحقبه التی یشهد فیها العالم الإسلامی صحوه إسلامیه تقتضی من الدعاه والمعنیین بالعمل الإسلامی ومستقبل الأمه حسن توجیهها واستمرار عطائها بما یجنبها کید الحاقدین من أعداء الإسلام، فیقول:

فاعلم – فقهک الله – أولا أن دعوه الإخوان المسلمین دعوه عامه لا تنتسب

إلى طائفه خاصه، ولا تنحاز إلى رأی عرف عند الناس بلون خاص ومستلزمات وتوابع خاصه، وهی تتوجه إلى صمیم الدین ولبه، ونود أن تتوحد وجهات النظر والهمم حتى یکون العمل أجدى والإنتاج أعظم وأکبر.. وهی مع الحق أینما کان، تحب الإجماع وتکره الشذوذ، وإن أعظم ما منی به المسلمون الفرقه والخلاف، وأساس ما انتصروا به الحب والوحده، ولن یصلح آخر هذه الأمه إلا بما صلح به أولها. هذه قاعده أساسیه وهدف معلوم لکل أخ مسلم، وعقیده راسخه فی نفوسنا، نصدر عنها، وندعو إلیها(۱).

الخلاف ضروری

ونحن مع هذا نعتقد أن الخلاف فی فروع الدین أمر لابد منه ضروره، ولا یمکن أن نتحد فی هذه الفروع والآراء والمذاهب لأسباب عده:

  • منها اختلاف العقول فی قوه الاستنباط أو ضعفه.
  • ومنها سعه العلم وضیقه.
  • ومنها اختلاف البیئات حتى أن التطبیق لیختلف باختلاف کل بیئه، وإنک لترى الإمام الشافعی رضی الله عنه یفتی بالقدیم فی العراق ویفتی بالجدید فی مصر, وهو فی کلیهما آخذ بما استبان له، وما اتضح عنده, لا یعدو أن یتحرى الحق فی کلیهما…
  • ومنها اختلاف الاطمئنان القلبی إلى الروایه عند المتلقین لها.
  • ومنها اختلاف تقدیر الدلالات فهذا یعتبر عمل الناس مقدما على خبر الآحاد مثلا وذاک لا یقول معه به وهکذا.

 کل هذه الأسباب جعلتنا نعتقد أن الإجماع على أمر واحد فی فروع الدین مطلب مستحیل، بل هو یتنافى مع طبیعه الدین، وإنما یرید الله لهذا الدین أن یبقى ویخلد ویسایر العصور ویماشی الأزمان، وهو لهذا سهل مرن هین لین لا جمود فیه ولا تشدید(۱).

نعتذر لمخالفینا

نعتقد هذا فنلتمس العذر کل العذر لمن یخالفوننا فی بعض الفروع، ونرى أن هذا الخلاف لا یکون أبدا حائلا دون ارتباط القلوب وتبادل الحب والتعاون على الخیر، وأن یشملنا وإیاهم معنى الإسلام السابغ بأفضل حدوده وأوسع مشتملاته..

هؤلاء أصحاب رسول الله r کان یخالف بعضهم بعضا فی الإفتاء، فهل أوقع ذلک اختلافاً بینهم فی القلوب؟ وهل فرق وحدتهم أو فرق رابطتهم؟ اللهم لا وما حدیث صلاه العصر فی قریظه ببعید.

وإذا کان هؤلاء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوه وأعرفهم بقرائن الأحکام، فما بالنا نتناحر فی خلافات تافهه لا خطر لها..؟

ذلک منهاج الإخوان المسلمین أمام مخالفیهم فی المسائل الفرعیه فی دین الله, یمکن أن نجمله فی أن الإخوان یجیزون الخلاف ویکرهون التعصب للرأی، ویحاولون الوصول إلى الحق، ویحملون الناس على ذلک بألطف وسائل اللین والحب.

 لیس العیب فی الخلاف

إلى جانب هذا یعتقد الإخوان المسلمون أن أساس التعالیم الإسلامیه ومعینها هو کتاب الله تبارک وتعالى وسنه رسوله r ، اللذان إن تمسکت بهما الأمه فلن تضل أبدا.. وأن نفهم الإسلام کما کان یفهمه الصحابه والتابعون من السلف الصالح رضوان الله علیـهم, وأن نقف عند هذه الحدود الربانیه النبویه حتى لا نقید أنفسنا بغیرما یقیدنا الله به، ولا نلزم عصرنا لون عصر لا یتفق معه، والإسلام دین البشریه جمیعا.. فهو إنما یضع القواعد الکلیه فی کل شأن من شؤون الحیاه، ویرشد الناس إلى الطریق العملیه للتطبیق علیها والسیر فی حدودها. وما أحکم الإمام مالک رضی الله عنه، حین قال لأبی جعفر وقد أراد أن یحمل الناس على الموطأ: (إن أصحاب رسول الله r تفرقوا فی الأمصار، وعند کل قوم علم، فإذا حملتهم على رأی واحد تکون فتنه)، ولیس العیب فی الخلاف، ولکن العیب فی التعصب للرأی والحجر على عقول الناس وآرائهم… وکانت هذه النظره إلى الأمور الخلافیه ضروریه لجماعه ترید أن تنشر فکره فی بلد لم تهدأ بعد فیه ثائره الخلاف على أمور لا معنى للجدل ولا للخلاف فیها(۱).

خامساً:  قضیه التوسل والخلاف حولها

وأما قضیه التوسل بالرسول r والأنبیاء, والملائکه, والصالحین من عباد الله, فقد ذکر الإمام حسن البنا: أن هذا من الأمور الخلافیه بین الأئمه, وأنه خلاف فی کیفیه الدعاء, ولیس من مسائل العقیده.

وقد أنکر إخواننا السلفیون على الأستاذ البنا هذا القول, واشتد نکیرهم علیه, ولا أدری لم هذا کله؟

فالأمر خلافی بالفعل, ومن قرأ کتب المذاهب المتبوعه من الحنفیه والمالکیه والشافعیه والحنابله: وجد هذا واضحاً, فالکثیرون أجازوا التوسل بالرسول وبالصالحین من عباد الله.

وهناک من کره التوسل, وهناک من منعه.

ولکل فریق من هؤلاء أدلته أو شبهاته – على الأقل- فی تأیید ما ذهب إلیه, وللمخالفین ردودهم علیه, کما هو الشأن فی المسائل الخلافیه.

أما أن التوسل من مسائل العمل, ولیس من مسائل العقیده, فهذا توجیه صحیح, لأنه خلاف فی کیفیه الدعاء, ما دام المدعو والمتوسل إلیه هو الله تبارک وتعالى.

ولیس الإمام البنا هو أول من قال بذلک, بل قال به الإمام محمد بن عبد الوهاب نفسه, کما نقل فی مجموع فتاویه(۱).

سادساً:  قضیه الولاء والبراء والخلاف حولها

وأما قضیه الولاء والبراء, فالإخوان کانوا أسبق الجماعات إلى تقریرها, فهم یوالون کل من والى الله ورسوله وجماعه المؤمنین, کما قال تعالى: )إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُواْ الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاَهَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاهَ وَهُمْ رَاکِعُونَ. وَمَن یَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِینَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ((۲).

وهم یعادون کل من عادى الله ورسوله والمؤمنین: ) یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّی وَعَدُوَّکُمْ أَوْلِیَاء ((۳).

ویؤکد الأستاذ البنا فی رسائله على هذه القضیه, فیقول: فأوثق عرى الإیمان: الحب فی الله, والبغض فی الله. وهل الإیمان إلا الحب والبغض؟

وفی رساله التعالیم فی رکن التجرد یقول: أرید بالتجرد: أن تتخلص لفکرتک مما سواها من المبادئ والأشخاص, لأنها أسمى الفکر وأجمعها وأعلاها: )صِبْغَهَ اللّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَهً ((۱). ) قَدْ کَانَتْ لَکُمْ أُسْوَهٌ حَسَنَهٌ فِی إِبْرَاهِیمَ وَالَّذِینَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنکُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ کَفَرْنَا بِکُمْ وَبَدَا بَیْنَنَا وَبَیْنَکُمُ الْعَدَاوَهُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ((۲). والناس عند الأخ الصادق واحد من سته أصناف: مسلم مجاهد, أو مسلم قاعد, أو مسلم آثم, أو ذمی معاهد, أو محاید, أو محارب. ولکل حکمه فی میزان الإسلام. وفی حدود هذه الأقسام نوزن الأشخاص والهیئات ویکون الولاء والعداء(۳).

والإخوان کانوا أشد الناس على المستعمرین والصهاینه, الذین احتلوا دیار المسلمین, وهم الذین قادوا الجهاد وحرکوه فی دیار الإسلام لمقاومه هؤلاء, فلا یتصور أن یتهموا بدعوى الولاء لهم.

سابعاً- أخوه المواطنین من غیر المسلمین والخلاف حولها

ولکن الإخوان یفرقون بین هؤلاء وبین مواطنیهم, الذین یعیشون فی دار الإسلام, وهم من أهل البلاد الأصلیین, وقد دخل الإسلام علیهم وهم فیها, وأعطاهم الذمه والأمان أن یعیشوا مع المسلمین وفی ظل حکمهم, لهم ما لهم, وعلیهم ما علیهم, إلا ما اقتضاه التمیز الدینی.

فهؤلاء لم ینه الله تعالى عن برهم والإقساط إلیهم, کما فی قوله تعالى: )لاَ یَنْهَاکُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِینَ لَمْ یُقَاتِلُوکُمْ فِی الدِّینِ وَلَمْ یُخْرِجُوکُم مِّن دِیَارِکُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَیْهِمْ إِنَّ اللَّهَ یُحِبُّ الْمُقْسِطِینَ((۱).

فهؤلاء لهم حق البر والقسط, والقسط هو العدل, والبر فوق العدل, وهو الإحسان.

القسط: أن تعطیهم حقهم, والبر: أن تزید على ما هو حق لهم.

القسط: أن یأخذ منهم الحق الذی علیهم, والبر: أن تتنازل عن بعض حقک علیهم.

فهؤلاء – إذا کانوا من أهل وطنک- لک أن تقول: هم إخواننا أی إخواننا فی الوطن, کما أن المسلمین – حیثما کانوا – هم إخواننا فی الدین. (والفقهاء یقولون أن أهل الذمه: هم من أهل الدار, أی دار (الإسلام). فالأخوه لیست دینیه فقط کالتی بین أهل الإیمان بعضهم ببعض, وهی التی جاء فیها قول الله تعالى: )إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَهٌ((۲). بل هناک أخوه قومیه, وأخوه وطنیه, وأخوه بشریه.

ولا یکون ذلک سبباً للطعن فی عقیده الإخوان, وأنهم لا یعرفون الولاء والبراء فی عقیدتهم, بل یکون هذا من حسن فقه الإخوان, وفهمهم عن الله ورسوله ما لا یفهم الآخرون.

ثامناً- تکفیر الحکام والخلاف حولها

وأما اتهام الإخوان بأنهم لا یسارعون بـ (تکفیر الحکام) الذین لا ینفذون شرع الله, ولا یحکمون بما أنزل الله, ویتهاونون فی ذلک, ممالأه للحکام ومداهنه فی الدین.

 فیعلم الله ویعلم المؤمنون, ویعلم الناس أجمعون: کم لقى الإخوان من الحکام, وکم بذلوا من تضحیات, وکم قدموا من شهداء, وکم أضاعوا من أعمارهم سنوات وسنوات فی سجون الحکام ومعتقلاتهم, وکم ارتوت السیاط من دمائهم, وأکلت الآلات من لحومهم, وسحقت أدوات التعذیب من عظامهم, سواء فی ذلک الحکومات الملکیه, والحکومات الجمهوریه, والحکومات فی عهد اللیبرالیه الیمینیه, والحکومات فی عهد الثوریه الاشتراکیه الیساریه. فلیس الإخوان هم الذین یتهمون بالمداهنه فی الدین أو الممالأه.

ولکن الإخوان لهم أصول یرجعون إلیها فی تقویم الحکام, وفی الحکم علیهم, وعن هذه الأصول یصدرون, وعلى أحکامها ینزلون, ولا یحرفونها من أجل ظلم الحکام لهم, وانتهاکهم لحرماتهم, وسفکهم لدمائهم, وأکلهم لأموالهم بالباطل.

ومن هذه الأصول:

أن التکفیر قضیه لها خطرها, ویترتب علیها آثارها, ولا یجوز التساهل فیها, وإلقاء الأحکام على عواهنها دون الاعتماد على الأدله القاطعه, والبراهین الناصعه. فإن الذی نحکم علیه بالکفر: نخرجه من المله, ونسلخه من الأمه, ونفصله عن الأسره,ونفرق بینه وبین زوجه وولده, ونحرمه من موالاه المسلمین, ونجعله عدواً لهم, وهم أعداء له. وأکثر من ذلک: إن جمهور فقهاء الأمه یحکمون علیه بالقتل, فهو محکوم علیه بالإعدام الأدبی بالإجماع, والإعدام المادی بالأکثریه.

قال الإمام البنا فی آخر أصل من أصوله العشرین:

(لا نکفر مسلماً أقر بالشهادتین, وعمل بمقتضاهما برأی أو معصیه. إلا إذا أنکر معلوماً من الدین بالضروره, أو کذب صریح القرآن, أو فسره تفسیراً لا تحتمله أسالیب اللغه العربیه بحال, أو عمل عملاً لا یحتمل تأویلاً غیر الکفر).

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا