المقالات

قصص مع القلوب الحیه

قصص مع القلوب الحیه

بسم الله ارحمن الرحیم

 

المقدمه

 

الحمد لله نحمده ونستعینه ونستغفره, ونتوب
إلیه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسیئات أعمالنا, من یهده الله فلا مضل له, ومن یضلل
فلا هادی له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شریک له, و أشهد أن محمداً عبده
ورسوله:

{یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [ سوره آل
عمران: ۱۰۲]

 

أخی المسلم: أرید أن انطلق أنا وأنت مع آیه
من کتاب الله, مع أصحاب تلک القلوب النیره, حیث قال تعالى: {إِنَّ الَّذِینَ
اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّیْطَانِ تَذَکَّرُواْ فَإِذَا هُم
مُّبْصِرُونَ} [سوره الأعراف: ۲۰۱]. ویقول ابن مسعود رضی الله عنه: “المؤمن
یرى ذنوبه مثل الجبل یخشى أن یقع فیه, والمنافق یرى ذنوبه کذباب قام على أنفه فقال
به هکذا” [رواه البخاری موقوفاً].

 

وریقات نتجول من خلالها فی حیاه الصالحین
عندما یلم أحدهم بخطأ أو یفوته خیر, ماذا کان یفعل؟ وبماذا کان یحس؟.

إنه إحساس المؤمن من الذنب وفوات الخیر, إنه
شعور مرهف وقلق دائم, وغمٌ مطبق عندما یفعل ذنباً.

أخی وأنت تقرأ هذه الصفحات عن أحوال الأخیار
تساءل: لِمَ هذا الشعور وهذا الإحساس؟ وکیف وصلوا إلى هذه المرحله من الإحساس
والشعور؟ ثم قارن ذلک بحالنا – نحن المقصرین- محاولاً معرفه السبب الذی سنصل إلیه
أنا وأنت فی النهایه.

 

مطالب عالیه

 

عندما صلى العصر – ولم تفته رکعه ولا تکبیره
الإحرام- رجع إلى منزله وجلس مع أهله, أخبرهم بأنه فی ضیق. فقیل له فی ذلک, فقال: صلیت
فریضه الله بدون حضور قلب ولا تدبر, فلم أهتم بها ولم أؤدها کما ینبغی, فلا أحس
بأثرها فی قلبی, بل أحس بضیق… إنها فریضه. أستغفر الله.. أستغفر الله.

 

ویذکرنا هذا الموقف بعلی بن الحسین (زین
العابدین) حینما یتوضأ ویقوم للصلاه تأخذه رعده فقیل له: ما لک؟ فقال: ما تدرون
بین یدی من أقوم ومن أناجی؟ (۱)

 

تفیـض عـیونـی بالدمــوع السواکـب *** ومالی
لا أبکی عل خیر ذاهب

علـى کـم ذنــوب کـم عیــوبٍ وزلـــهٍ *** وسیئـه
مخشیـهٍ فی العـواقـب

علــى أننــی قـد أذکــر الله خالقــی *** بغیر
حضــور لازم ومصـاحـــــبِ

أصلی الصلاه الخمس والقلب جائلٌ *** بأودیه
الأفکــار من کـل جـانــبِ

 

(۱) صفه الصفوه.

 

قلوب حیه

 

وهذا کرز بن وبره أخذ فی البکاء: فقیل له: ما
یبکیک؟ قال: منعت جزئی أن أقرأه البارحه, وما هو إلا من ذنب أذنبته (۱).

یبکی لأنه مضت علیه لیله لم یقم یصلی ویقرا
القرآن فیها, بل إنه اتهم نفسه مسنداً ذلک إلى ذنب منعه الخیر.

فهل خصصنا نحن جزءاً نقرأه کل لیله من أجل
أن نحزن أو لا نحزن إذا فات؟!

 

إذا مضت الأوقات فی غیر طاعـهٍ *** ولم تک
محزوناً فذا أعـظم الخـطبِ

علامه مـوت القلب أن لا ترى به *** حراکاً
إلى التقوى ومیلاً عن الذنبِ

 

(۱) صفه الصفوه: ج۳.

 

 

بین الخوف والرجاء

 

کنا فی رفقهٍ فی موسم الحج ومعنا ذاک الرجل
الذی قد زار بیت الله الحرام, وأدى مناسک الحج, وقد کان یلهج بالدعاء لیلاً
ونهاراً, وکم قد دمعت عیناه فی تلک البقاع الطیبه متمنیاً غفرات السیئات وإجابه
الدعوات والقرب من رب الأرض والسموات.

والعجب أنه قد ظهرت علیه سیما التقى والصلاح
یقول: والله الذی لا إله إلا هو إنی خائف ألا یقبل الله منی بسبب ما عندی من سوء
النیه والطویه, والله یعلم ذلک لکنی أرجوا أن یتقبل منی برحمته وهو أرحم الراحمین.

قال تعال: {وَالَّذِینَ یُؤْتُونَ مَا آتَوا
وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَهٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} [سوره المؤمنون: ۶۰].

 

 

منذ أربعین سنه

 

قال محمد بن سیرین: إنی لأعرف الذنب الذی
حُمل به علی الدین.قلت لرجل من أربعین سنه: یا مفلس.

قال أبو سلیمان الدارانی: قلت ذنوبهم فعرفوا
من أین یؤتون, وکثرت ذنوبی وذنوبک فلیس ندری من أین نؤتى؟ (۱).

 

(۱) صفه الصفوه: ج۳.

 

إحساس طفل

 

 

جاء إلى معلمه یشکو إلیه شیئاً أرقه وآلمه
قائلاً:

إن أبی لا یصلی وقد نصحته کثیراً فتضایق منی
حتى طردنی.

حاول المعلم أن یذکره ببعض الوسائل المفیده
فی ذلک, وإذا بالغلام یقول: قد فعلت فلم تُجدِ شیئاً.

حینها قال المعلم: إذا فعلتَ ما تستطیع, وحاولت
فلم یستجیب فأنت معذور.

لکن الغلام الصغیر لم یقتنع بهذا الکلام عند
هذا الحد, وتغیر وجهه وأغرورقت عیناه فرد فوراً:

لا. لا..لا أرید أن یکون أبی لا یصلی, لا
أرید.

 

أخی: کم نعرف الکثیر من الأخطاء عند الأهل
والأقرباء والأصدقاء, فهل أحسسنا وشعرنا بتقصیرنا تجاههم بعباده الأمر بالمعروف
والنهی عن المنکر؟!

 

 

سنه ونصف

 

ذهبت الرفقه الصالحه فی الطریق إلى رحلتها, وکان
أحد الطلاب (فی الأول الثانوی) یرکب الحافله الثانیه, وفی الطریق تعطلت الحافله
الثانیه, ووقفت الحافله الأولى ومن فیها لمساعدتهم فوجدوا العطل یسیراً, فقالوا: نتقدمکم
إلى المکان, وأثناء ذلک أوصى الطالب الأستاذ الذی یرکب فی الحافله الأولى بألا
یبدءوا بالصلاه حتى یحضر هو ورفاقه, وکررها مره بعد أخرى, فلما وصلوا إلى المکان
المناسب بدءُوا بالصلاه, فلما حضر الطلاب من الحافله الثانیه أدرکوهم فی الرکعه
الثانیه, فلما انتهت الصلاه ذهب ذلک الطالب إلى الأستاذ قلقاً متحسراً قائلاً: لِمَ
صلیتهم وقد أوصیتک بألا تصلوا حتى نحضر؟

والوصیه لم یحسب المعلم لها حساباً کبیراً.

ثم أکمل الطالب قائلاً: لِمَ یا أستاذ فقد
فاتتنی تکبیره الإحرام وقد کنت مستمراً متعهداً محافظاً علیها منذ سنه ونصف, وهاهی
الیوم تفوتنی.

 

الله أکبر: بماذا یشعر؟ وماذا یقول من فاتته
الرکعات تلو الرکعات إن لم یکن الصلوات والأوقات؟!

من یهن یسهل الهوان علیه *** ما لـجـرحٍ
بمیتٍ إیـلامُ

 

 

لا یملک مالاً

 

أخذ یتفکر ویتذکر أعمال الخیر من أعمالٍ
إغاثیه ودعویه وخیریه کبناء للمساجد وطباعهٍ للمصاحف وکتب العلم, ومحاضراتٍ وبعثات
دعویه, وحلقات للتحفیظ للرجال والنساء, وتجهیز للغزاه ودعوه غیر المسلمین, وکفاله
للأیتام وإطعام للمساکین, وقضاء للدیون, ومساعدهٍ للراغبین فی الزواج, وسقیا
المسلمین وإفطار للصائمین, وتذکر المؤسسات الخیریه والمکاتب الدعویه والأوقاف
الخیریه والمدارس التعلیمیه… إلخ أعمال الخیر فی جمیع أنحاء الأرض.

 

ثم تمنى من أعماق قلبه عازماً أن لو کان
عنده مال یکفی جمیع ما تقدم من الخیرات, بل وجمیع خیرات الأرض لینفق هو علیها
ویکون متسبباً فیها… ثم بکى مره أخرى.

 

کل ذلک أملاً أن یکون أعظم المسلمین أجراً..
ثم الدرجات العلى برحمه الله.

إنه قلب حی, ونیه طیبه, وعزیمه صادقه, وبکاءٌ,
خوف فواتِ الخیر.

ومن المسلمین من یملک الأموال ویستطیع
الإنفاق لکن… إلا من وفقه الله.

 

وکم من نیه صادقه سبقت أعمالاً کثیره.

قال رسول الله صلى الله علیه وسلم:« مثل هذه
الأمه کمثل أربعه نفر: رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو یعمل بعلمه فی ماله؛ ینفقه
فی حقه, ورجل آتاه الله علماً ولم یؤته مالاً, فهو یقول: لو کان لی مثل هذا عملت
فیه مثل الذی یعمل. قال رسول الله صلى الله علیه وسلم: فهما فی الأجر سواء.. »الحدیث.
[رواه ابن ماجه, صحیح الترغیب والترهیب].

 

 

هذه قلوب الصالحین

 

من خلال هذه القصص والمواقف نرى أن المؤمن:

* صاحب إحساس وقلب حی تلومه نفسه, ویتألم عندما
یفعل معصیه صغیره أم کبیره, وکأنها جبل قد أثقله حتى یتوب توبه نصوحاً.

 

* تلومه نفسه ویتألم عندما یفوته الخیر
والطاعه واجبه أم مستحبه.

وکما قال تعالى: {وَلَا أُقْسِمُ
بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَهِ} [ سوره القیامه: ۲].

وقال الحسن البصری: “إن المؤمن والله
ما تراه إلا یلوم نفسه, ما أردت بکلمتی, ما أردت بأَکلتی؟ ما أردت بحدیث نفسی؟ وإن
الفاجر یمضی قدماً ما یعاتب نفسه”.

 

* وعندما تصیبه مصیبه یعلم أنها بسبب أفعاله
متذکراً قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَکُم مِّن مُّصِیبَهٍ فَبِمَا کَسَبَتْ
أَیْدِیکُمْ وَیَعْفُو عَن کَثِیرٍ} [سوره الشورى: ۳۰].

فهل أنت أخی الحبیب ممن یلوم نفسه ویحاسبها
فیکون من هؤلاء الصالحین؟

 

إذا أنت لم ترحل بزادٍ من التقـى *** وأبصر
بعد الموت من قد تزودا

نـدمـت على أن لا تکـون کمثلـه *** وأنک لم
ترصد کما کان أرصدا

 

 

وهذه قلوب الغافلین

 

– یأکلون الحرام ویسیرون فی أموال الربا.

– تفوتهم الصلاه أو بعض الرکعات, إن لم
یخرجوها عن الأوقات.

-ینظرون إلى المحرمات فی الأسواق والطرقات
والشاشات.

– یطلقون ألسنتهم وآذانهم للآثام.

– بعیدون فی هیئتهم ولباسهم عن أهل الإسلام.

– یذهب الیوم والیومان فأکثر ولم یفتحوا
کتاب رب الأرض والسموات.

– بل قال بعضهم: لم أفتح المصحف سنه کامله
إلا فی رمضان.

– یرضون أو یتغافلون عما فی بیوتهم وأهلیهم من
منکرات.

– یغیب عن إحساسهم أهمیه أداء الأمانات.

 

وعندما یکون عند احدهم شیء من هذه الأخطاء
لا یحس بالضیق ولا یأبه بذلک, وکان شیئاً لم یکن, کأنه ممن قال الله فیه: {بَلْ
یُرِیدُ الْإِنسَانُ لِیَفْجُرَ أَمَامَهُ} [سوره القیامه: ۵].

فهل أنت من هؤلاء؟

قال ابن مسعود: إنکم لتعملون أعمالاً کنا
نعدها على عهد رسول الله صلى الله علیه وسلم من الموبقات.

روی أن ابن المنکدر بکى, فقیل: ما یبکیک؟

فقال: أخاف أن أکون أذنبت ذنباً حسبته هیناً
وهو عند الله عظیم.

أخی: ما أجمل أن یعترف المقصر بتقصیره, فبدایه
الدواء معرفه الداء.

 

أنا العبد الذی کســب الـذنـوبــا *** وغـرتـه
الأمـانـی أن یتــوبــــا

أنا العبد الذی أضحــى حـزینـــاً *** علـى
زلـــه قـلـقــــاً کـئـیبــــا

أنا العبد المسیء عصیت سـراً *** فمالی الآن
لا أبــدی النحیبـا

أنا العبد المخـلــف عـن أنـــاسٍ *** حووا
من کل معروفٍ نصیبــــا

أنا المقطوع فارحمنی وصلنـی *** ویسر منک لی
فرجــاً قریبــــا

 

 

حدیث

 

عن حذیفه رضی الله عنه قال: قال رسول الله
صلى الله علیه وسلم: « تعرض الفتن على القلوب عرض الحصیر عُوداً عوداً, فأی قلبٍ
أشربها نکتت فیه نکتت سوداء, وأی قلبٍ أنکرها نُکتت فیه نُکته بیضاء,حتى یصیر
القلب أبیض مثل الصفا, لا تضره فتنه ما دامت السموات والأرض, والآخر أسود مربداً
کالکوز مجخیاً لا یعرف معروفاً, ولا ینکر منکراً, إلا ما أشرب من هواه » [رواه
مسلم].

 

أسباب عدم تأنیب الضمیر (الغفله)

 

۱- قله المحبه لله.

۲- ضعف تعظیم الله والخوف منه.

۳- نسیان أضرار المعصیه.

۴- ضعف المحاسبه للنفس وقله تذکر الآخره.

۵- عدم الاهتمام بضعف أو زیاده الإیمان.

لکن إن ذکر المسلم نفسه بأنه یحب الله قولاً
وفعلاً, وعظم الله فی قلبه, وحاسب نفسه, وعمل للآخره؛ حینها: یزید الإیمان فیحیا
القلب حیاه الطیبین الصالحین, فیتألم لفوات الخیرات, ویندم لفعل المنکرات,ویتذکر
عند وقوع النکبات أنها بعلم الحکیم الغفار.

 

 

وفی الختام

 

أخی الحبیب: إن کنت عرفت السبب الذی جعل
أولئک الصالحین یعیشون بذلک الإحساس والشعور والقلب الحی؛ وإلا فعُد واقرأ هذه
الکلمات, إن أردت الفائده والنجاه.

 

خل الذنوب صغیرهــا *** وکـبـیـرهـــا ذاک
الــتقـــــى

واصنع کمــاشٍ فــوق *** أرض الشوک یحذر ما
یــرى

لا تحقــرن صغیـــــــرهً *** إن الجبـــال
مـن الـحـصـى

 

أسأل الله أن یغفر لنا ما سلف وکان, وأن
یجعلنا ممن إذا ذُکر تذکر, وإذا أذنب استغفر.

 

وصلى الله على نبینا محمد وسلم تسلیماً
کثیراً.

 

إبراهیم الحمد

المصدر:الطریق الاسلام

نمایش بیشتر

مطالب مرتبط

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا