دعوتنا … بین الألم … والأمل
دعوتنا … بین الألم … والأمل
ذرفت عینای الدموع وأنا أشاهد الحوار الحی
من خلف القضبان لإخوان بنی سویف والمنشور على موقعwww.swefonline.com
، وأحسست بشعور غریب یملأ قلبی ، ویسیطر على جوانب نفسی ،ویمتلک کل جوارحی ، شعور
یجمع بین السعاده والحزن ، والأمل والألم ،
بین الحب والشفقه على هؤلاء الشرفاء وغیرهم من القابعین خلف القضبان ، لا
لشیء إلا لأنهم قالوا ربنا الله ، ولأنهم رفضوا المساومه على مبادئهم ،أو الانخداع
بغیرها ، ولأنهم أبوا إلا أن یکونوا مخلصین لله ولوطنهم فی زمن کثُر فیه النفاق
والمنافقون ، کما أنهم ارتضوا لأنفسهم أن یکونوا أطهارا نظیفین فی عصر کثر فیه
الوحل والفساد ، ورفعوا أکف الضراعه إلى الله بقول یوسف علیه السلام (رَبِّ
السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَیَّ مِمَّا یَدْعُونَنِی إِلَیْهِ ) [ یوسف من الآیه ۳۳ ] فما
کان رد النظام علیهم إلا بقوله (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ
أُنَاسٌ یَتَطَهَّرُونَ ) [الأعراف من
الآیه ۸۲ ] .
ولعل المطالع للصحف والجرائد الیومیه ،
والمتابع لقنوات الأخبار العالمیه ، یجد أنه لا تکاد تخلو صحیفه أو جریده من
الجرائد الیومیه ، أو نشره من النشرات الإخباریه من خبر یتعلق بالقبض واعتقال
العشرات من الإخوان المسلمین ومن معظم محافظات الجمهوریه .
ولعل الأحداث الأخیره والخاصه بفرض الحراسه
على أموال بعض الإخوان ، وإحالتهم إلى المحاکم العسکریه بتهمه الانتماء إلى جماعه
محظوره ، ومحاوله قلب نظام الحکم – وما أشبه اللیله بالبارحه ، ویا له من أمر
عجیب ألیست هذه جریمه کل داع إلى الله
تعالى على مر العصور ؟؟! – ربما أصابت مثل
هذه الأمور وتلک الأحداث البعض منا بالجزع
والفزع ، وربما بدأ یدب الیأس فی القلوب ویتسلل إلى النفوس ، وضاع الأمل ، وحل
التشاؤم ، وغاب التفاؤل ، حتى من أحادیثنا وکلماتنا العابره حتى أصبحنا نجد أنه من
المستحیل أن تتغیر الأوضاع ، والظروف المحیطه بنا – حتى فی بعض أوساط الملتزمین – وبدا
حالنا کما صوره القرآن الکریم فی قوله تعالى ( حَتَّى یَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِینَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ … أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ
قَرِیبٌ ) [سوره البقره: من الآیه ۲۱۴] . ولهؤلاء ولإخواننا المعتقلین وأهلیهم
نقول لهم :
سنه لا تتغیر .. ولا تتبدل
اقتضت حکمه الله تعالى أن یکون هناک صراع
دائم بین الحق والباطل ، وبین الخیر والشر ، وبین الغث والثمین ، وبین الفضیله
والرذیله ، وبین الطهر والنجاسه . وأن هذا الصراع الدائم لهذه الحکمه الربانیه (أَحَسِبَ
الناسُ أَن یُترَکُوا أَن یَقُولُوا ءامَنا وَهُم لاَ یُفتَنُونَ (۲) وَلَقَد
فَتَنا الذِینَ مِن قَبلِهِم فَلَیَعلَمَن اللهُ الذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعلَمَن
الکَـاذِبِینَ ) [ العنکبوت : ۲-۳ ]
کما اقتضت حکمته تعالى أن الباطل مهما علا
فلا بد له من نهایه ، ومهما اشتدت الکروب فلابد من ظهور الفرَج ، وأن الحق هو
الثابت فی الأرض والباطل إلى زوال ( کَذَلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ
وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَیَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا یَنْفَعُ
النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الأَرْضِ کَذَلِکَ یَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ ) [ الرعد
من الآیه ۱۷ ] .
یقول عبد الکریم زیدان فی کتابه ( أصول
الدعوه) :” الابتلاء سنه إلهیه یبتلی الله من یشاء من عباده ، بمن یشاء ، متى
یشاء ، کیفما شاء “.
حتى یمیز الله الخبیث من الطیب
–
ومن طبیعه هذا الصراع الدائم أنه فی مظهره ابتلاء للمؤمنین ، ولکن یحمل بین
طیاته الاصطفاء من الله تعالى لهم ( وَلَنَبْلُوَنَّکُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِینَ مِنْکُمْ وَالصَّابِرِینَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَکُمْ ) [ محمد۳۱ ]
.
–
کما أنه تمییز للخبیث من الطیب ، کما قال تعالى ( مَا کَانَ اللَّهُ
لِیَذَرَ الْمُؤْمِنِینَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَیْهِ حَتَّى یَمِیزَ الْخَبِیثَ
مِنَ الطَّیِّبِ ) [ آل عمران من الآیه ۱۷۹ ] .
طریق الأنبیاء والصالحین
طریق الدعوه إلى الله تعالى تحفه المخاطر ،
وتحیط به العقبات ، ولکنه الطریق الموصل إلى رضا الله فی نهایته ، وما من داعیه
قام یدعو إلى الله ، إلا أصابه من الأذى الکثیر ، وتعرض له أصحاب الهوى محاولین أن
یثنوه عن ذلک الأمر ، حتى الأنبیاء نالهم من الأذى الکثیر ، والسیره وکتب التاریخ
مملوءه بالکثیر من هذا ، وخیر شاهد على ذلک ، ویکفینا حدیث النبی صلى الله علیه
وسلم ، حیث یقول ” لَقَدْ أُوذِیتُ فِی اللَّهِ وَمَا یُؤْذَى أَحَدٌ
وَلَقَدْ أُخِفْتُ فِی اللَّهِ وَمَا یُخَافُ أَحَدٌ وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَیَّ
ثَالِثَهٌ وَمَا لِی وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ یَأْکُلُهُ ذُو کَبِدٍ إِلَّا مَا وَارَى
إِبِطُ بِلَالٍ ” [ سنن ابن ماجه – ج ۱ / ص ۱۷۴ ].
هذه
طبیعه دعوتنا
ودعوه الإخوان المسلمین مثل غیرها من
الدعوات الإصلاحیه نالها الکثیر من الأذى والبطش من دعاه الباطل ، وأصحاب المنافع
والهوى ، لاسیما أنها دعوه تهتم بالتربیه وترى الإسلام من منظور شمولی ، وأنه
یتناول مظاهر الحیاه جمیعا .
وقد
کان الإمام البنا یقرأ الواقع جیدا ، ویرى المستقبل بعین البصیره ، ولقد تحدث عما
سوف یقع للإخوان من الابتلاء قبل وقوعه بکثیر فقال ( أحب أن أصارحکم أن دعوتکم لا
زالت مجهوله عند کثیر من الناس ، ویوم یعرفونها ویدرکون مرامیها ستلقى منهم خصومه
شدیده وعداوه قاسیه ، و ستجدون أمامکم کثیراً من المشقات وسیعترضکم کثیر من
العقبات ، وفی هذا الوقت وحده تکونون قد بدأتم تسلکون سبیل أصحاب الدعوات …. وستدخلون
بذلک ولا شک فی دور التجربه والامتحان ، فستسجنون وتعتقلون ، وتنقلون وتشردون ،
وتصادر مصالحکم وتعطل أعمالکم وتفتش بیوتکم ، وقد یطول بکم مدی هذا الامتحان ،
ولکن الله وعدکم من بعد ذلک کله نصره المجاهدین ومثوبه العاملین المحسنین (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا هَلْ
أَدُلُّکُمْ عَلَى تِجَارَهٍ تُنْجِیکُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِیمٍ ………. فَأَیَّدْنَا
الَّذِینَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِینَ) [ من رساله بین
الأمس والیوم ] .
فطریق الدعوه لیست مفروشه ورودا، إنما
الدعاه هم أشد الناس تعرضا للأذى والمحنه فی أنفسهم وأموالهم وکل عزیز لدیهم ،
فکان لآدم إبلیس ، ولإبراهیم النمرود ، ولموسى فرعون ، ولمحمد علیه وعلى الرسل
الکرام الصلاه والسلام أبو جهل وزمرته ، کما للدعوه وأتباعها من یعادیهم من فراعنه
الیوم وشیاطین الأرض ( الشیخ محمد عارف – نعمه الابتلاء ) .
همسات محب
–
یا أحبابنا فی الله لا تیأسوا ، فنصر الله آت لا محاله ، ومهما طال اللیل ،
فلا بد من طلوع الفجر ، فإنَّ الله سبحانه یقول 🙁 فَإِن مَعَ العُسرِ یُسراً (۵) إِن
مَعَ العُسرِ یُسراً ) [ الشرح : ۵-۶ ] . ولن یغلب عسرٌ یسرین، کما قال عمر
الفاروق رضی الله عنه ، وکما قال الشافعی :
وَلَرُبَّ نازِلَهٍ یَضیقُ لَها الفَتى ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحکَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَکُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ
–
أحبابنا فی الله سلموا أمورکم لله ، وتوکلوا علیه ، فإن من توکل على الله
کفاه ، وماذا فقد من وجد الله ، واعلموا أن ما أصابکم لم یکن لیخطئکم ، وأن فرج
الله قریب ، کما قال الشاعر :
یـــا صـــاحب الهمِّ إنَّ الهم منفـرجٌ
أبشِر بخیرٍ فـــــــــإنَّ الفــــــــارج
الله
الیــأس یقطع أحیــاناً بصــاحبــــه
لا تیـــأسنَّ فـــــــــــإنَّ
الکـــــــافی الله
اللـه یُحدِث بعـد العســــر میســـره
لا تجـــزعــــــنَّ فــــــإن القاســــم
الله
إذا بُـــلیـت فثِقْ بالله وارضَ بـــــه
إنَّ الذی یکشــــف البلــــوى هــــو الله
واللهِ ما لکَ غیر الله من أحــــــــــدٍ
فحسبُک الله فی کــــــــــــــــــلٍ لک
الله
–
أحبابنا فی الله علیکم بالدعاء ، فإنه سلاح المؤمن ، وعلیکم بالتضرع إلى
الله تعالى – خاصه – فی وقت السحر ، فسهام اللیل لا تخطئ القدر ، وتمثلوا قول
الشاعر :
یا من یرى ما فی الضمیر ویسمع
أنت المعــد لکــل مــا یتوقـــع
یـا مـن یـرجى للشـدائــد کلهــــا
یا من إلیـه المشتکـى والمفــزع
یا من خزائن رزقه فی قول کـن
امنـن فإن الخیر عنـدک أجمــع
مالـی سوى فقری إلیـک وسیلـه
فبـالافتقار إلیک فقری أدفــــع
مالی سوى قرعی لبابـک حیلــه
فلئـن رددت فـأی باب أقـــرع
ومن الذی أدعـو وأهتـف باسمـه
إن کان فضلک عن فقیـرک یمنــع
حاشـا لجودک أن تقنـط عاصیـا
الفضـل أجـزل والواهب أوســع
وقول الشاعر :
نسـألـک اللهم یـا عـالمـاً
بکـل شـیء یـا سمیـع الدعـاء
أن تمنــع الضــراء عنــا
وأن تمنحنا منک تمام الرضاء
–
أحبابنا فی الله – أنتم الرجال فی زمن عزت فیه الرجوله ، وأنتم الأنصار فی
وقت قل فیه النصیر ، ونحسبکم ممن قال الله
تعالى فیهم ( مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ
عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَمَا
بَدَّلُوا تَبْدِیلا ) [سوره الأحزاب: ۲۳]
نسأل الله تعالى أن یفرج کرب إخواننا ، وأن
یعیدهم إلى أهلهم سالمین آمنین ، إنه نعم المولى ونعم النصیر .
———
بقلم / عصام ضاهر
المصدر: الشبکه الدعویه