المحن علمتنا الکثیر
المحن علمتنا الکثیر
د. محمود عزت
– التضحیه والابتلاء من سنن الدعوات
– نرفض الفوضى والثوره والعمل المتعجل
حوار:
الزهراء أمیر بسام
الابتلاء سنه الدعوات من قدیم الأزل، ولکن
أن تصبح مکونًا رئیسًا للحرکه الإسلامیه وناشطیها فهذا ما یطرح التساؤلات، بل
والشبهات حول جدوى العمل الإسلامی فی ظل هذه الابتلاءات، وهل فعلاً یستعذب الدعاهُ
الابتلاءَ ویسعون له؟ أم أنه یُفرَض علیهم فرضًا ویحاولون استثماره کأمرٍ واقعٍ
والتعایش معه بکل ما فیه من آلام؟ وهل هذه الابتلاءات تُعرقل مسیره العمل أم تدفعه
للأمام؟ وألیس من الممکن العمل والإنجاز دون التعرض للابتلاءاتِ؟ وما مدى تأثیرها
على مستقبل العمل الإسلامی ککل؟.
طرحنا تساؤلاتنا على واحدٍ ممن تعرَّضوا
وعایشوا هذه المحن.. إنه الحارس الأمین على فکر الإخوان المسلمین کما یُطلق علیه
بعض المهتمین بالشأن الإخوانی لکثرهِ تعرُّضه للابتلاءاتِ ولثباته على مبادئه رغم
کل ما تعرَّض ویتعرض له.
التقینا مع الدکتور محمود عزت عضو مکتب
الإرشاد والأمین العام لجماعه الإخوان المسلمین فی هذا الحدیث.. فإلى التفاصیل:
* سبق أن تعرضتم لمحاکمتَین عسکریتین عامی ۱۹۶۵م,
1995م, فما ظروف الاعتقال فی المحاکمه الأولى?
** فی اعتقال ۱۹۶۵م کنتُ طالبًا بالفرقه
الرابعه بکلیه طب جامعه عین شمس، وکنا نسکن فی حی “مصر الجدیده”،
وبطبیعه شباب هذه الأحیاء کان لدی أسلوب حیاه خاص ومستوى معین من الأکل والنوم
وغیرها.
وذلک
على الرغم من أن الإخوان کانوا دائمًا ما یعدوننا لمثل هذا الموقف ویربون فینا
معانی التضحیه والثبات, إلا أنَّ مواجههَ الاعتقال والتعذیب والاستبداد الذی کان
یجری على الإخوان فی تلک المرحله أمر مختلف تمامًا؛ لذا فقد کان یتملکنی فی بدایه
الاعتقال شعوران:
الأول: شعور بالمسئولیه تجاه الدعوه، وکیف
لها أن تنهض بعد هذه المحنه، خاصهً أن الأوضاعَ الدینیه فی مصر حینها کانت سیئه،
فلم یکن لدى الشباب أیه مشاعر تدفعهم للذهاب إلى المسجد والتدین؛ ولذلک کان خوفی
على الدعوه شدیدًا.
أما الشعور الثانی: فهو الإشفاق على نفسی،
ولکن کان من لطف الله بی أن جعل ما بینی وبین خارج أسوار السجن “حجابًا”
فلم یکن یشغلنی ما حُرمت منه، ولا کیف سیکون حالی بعد خروجی من المعتقل، وإن خرجت،
وکان أهم ما یشغلنی هو کیفیه استفادتی من الوقت الذی سأقضیه فی المعتقل، وبالفعل
أعددتُ برنامجًا خاصًّا بی للارتقاء بنفسی فی مختلف الجوانب.
استثمار
الاعتقال
* کیف رأیتَ العمل الإسلامی بعد خروجک من
المعتقل؟
** عند ذهابی أول مره إلى الجامعه بعد خروجی
من المعتقل عام ۱۹۷۴م وجدت نسبه عالیه من التدین بین الشباب ولمست غیرتهم على
الدین ورغبتهم فی العمل له، کما لفت نظری هذا المسجد الکبیر بداخل کلیه الطب،
بالإضافهِ إلى مسجد النور بجوارها الذی بُنی بسواعد شباب الدعوه الإسلامیه، ثم
ظهور الحجاب بین الفتیات ولم تکن هناک مُحجَّبه واحده.
إن الإخوان یعون تمامًا أن الثبات نعمه من
الله تعالى على الإنسان، فشکر هذه النعمه یقتضی الإحسان, فمَنْ مَنَّ الله علیهم
بالثبات یکونوا مطالبین بمستوى أعلى بکثیرٍ فی المراتِ التالیه من الابتلاء،
فالبدایه تکون بإشفاقٍ على النفس, ثم یکون بعد ذلک الإحسان حتى ننال الثواب من
الله عزَّ وجل.. قال تعالى: ﴿الَّذِینَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ
بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِینَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ
عَظِیمٌ (۱۷۲)﴾ (آل عمران)، وهذه حقائق لامسناها وعایشناها عن قرب.
معیه
الله
* هناک مواقف تستشعر بها معیه الله، خاصهً
فی محنه الاعتقال، فهل تذکر لنا شیئًا من تلک المواقف؟
** الإنسان عامهً بغیر معیهِ الله ضعیف، فکل
المواقف التی مرَّت بی استشعرتُ فیها معیهَ الله ورحمته؛ لأنه لا یوجد أحدٌ یستطیع
أن یتحمَّل أدنى درجاتِ الظلم بغیر تثبیتٍ من الله عزَّ وجل؛ لأنَّ المسألهَ هی
وقع الظلم على النفس، فأحیانًا یکون الحدث جلل ولکن بلطفِ الله تتقبله النفس بصبرٍ
وثباتٍ، والعکس صحیح.
أذکر أنه فی عام ۹۵ کان معنا شاب یُدعى “حامد
المداح”، وحامد هذا لم یکن من الإخوان المعروفین فی الإسکندریه وإنما کان شاب
غیور اشتبک مع أحد رجال أمن الدوله أثناء استیلائهم على أحد المساجد التی بها نشاط
للإخوان، فما کان من هذا الضابط إلا أن أقسم له بأنه سیُدخله أول محاکمهٍ عسکریهٍ
للإخوان، وبالفعل دخل معنا فی هذه القضیه, وذات مره کان علیه الدور لإلقاء خاطره, وکانت
أقصر الخواطر وأبلغها أیضًا، فقد قال: “کأنَّ ربنا قال للسجن: یا سجن لا تکن
سجنًا على الإخوان”.
* یرى
البعض أن الاعتقالاتِ المتکرره للإخوان تزید من تعاطفِ الشارع المصری مع الإخوان،
وربما تدفع البعض للانضمام إلى الجماعه تعاطفًا لا قناعهً، ألا یؤثر ذلک على
نوعیهِ الأفراد داخل الجماعه؟
** من طبیعه الإسلام والتی یتمثلها فی الوقت
الحالی الإخوان المسلمون أن یتربى الأفرادُ على العزهِ والرجوله والثبات؛ لذا نجد
أنَّ الله عزَّ وجل یصفهم بقوله تعالى: ﴿مِنْ الْمُؤْمِنِینَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا
عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ
یَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِیلاً (۲۳)﴾ (الأحزاب).
فالإسلام یجعل العزهَ بالاتصال بالله تعالى،
مهما کانت الظروف المحیطه بالدعوه، یقول تعالى: ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا
وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ کُنْتُمْ مُؤْمِنِینَ (۱۳۹)﴾ (آل عمران).
الأمر الثانی: طبیعه دعوه الإخوان المسلمین,
فقد کان الإمام البنا حریصًا على تربیه الأخ المسلم لیکون قدوه عملیه ومثلاً أعلى
للجمیع، ویکون قدوته فی ذلک الرسول- صلى الله علیه وسلم-, فاهتم بالصفات النفسیه
للأخ المسلم من إراده قویه لا یتطرق إلیها ضعف، ووفاء ثابت لا یعدو علیه تلون ولا
غدر، وتضحیه عزیزه لا یحول دونها طمع ولا بخل، ومعرفه بالمبدأ وإیمان به وتقدیر له.
لذلک فعندما وجد الناس نماذج عملیه من
السیره النبویه تعیش معهم وحریصه علیهم، انجذبوا لهم ورأوا ثباتهم وصبرهم فتعاطفوا
معهم، ومما لا شک فیه أن الاعتقالات یکون لها أثر إیجابی وآخر سلبی على الشارع
المصری.
الأثر الإیجابی: أن الناس یرون نموذجًا
وقدوهً لإنسان یعمل لدعوهِ الله عز وجل فیُبتلى ویصبر ویُمتحن فیثبت؛ مما یدفعه
لأن یبحث عن هذه الدعوه لأنها قد قدمت له أسوهً وقدوهً بأفرادها مما یساعد على
انتشار دعوه الإخوان المسلمین.
أما الأثر السلبی: وهو أن جزءًا کبیرًا من
الناس یصرفه الاعتقالات عن الدعوهِ بسبب الخوف من مصاعبها وعدم القدره على تحمُّل
تبعاتها، وهذه الأکثریه.
ولذلک
فإنَّ مَن یُقبل على الدعوهِ فی ظلِّ هذه الاعتقالات والمصاعب یکون على درایهٍ
وقناعهٍ تامه لتبعاتِ الطریق، وهذه النوعیه على استعدادٍ أن تُضحی من أجل رفعهِ
الإسلام والمسلمین، أما التربیه فتأتی فی مراحلها الطبیعیه بعد الإعجابِ والبحثِ
والاقتناع، فالتزکیه والتضحیه وإلزام النفس بالأخلاقیات والسلوکیات وغیرها من
المعانی تأتی بمرورِ الوقت.
الدعوه ولاَّده
* الاعتقالات والمحاکمات العسکریه هی وسیله
النظام لإضعاف الجماعه من الداخل وإلى تخویفِ الخارج, فهل أثَّرت تلک الاعتقالات
على إعدادِ الصف الداخلی وقوته؟
** عقب کل محنه تزداد أعداد المتعاطفین
عشرات المرات، فعندما نرى المحنه الأولی عام ۱۹۴۸م ورجوع المجاهدین من فلسطین إلى
المعتقلات، وتلاها استشهاد الإمام عام ۱۹۴۹م عاش الإخوان فترهً عصیبهً وتنبَّأ
الجمیعُ بالنهایهِ لهم، وما لبث أن عادَ ذکر الإخوان ثانیهً أقوى وأشد، وجاء
المرشد الثانی للإخوان “حسن الهضیبی”، وانتشر الإخوان انتشارًا واسعًا
داخل مصر وخارجها حتى إنَّ التأییدَ الجماهیری للثوره جاء کردٍّ للجمیل من قِبل
الشعب للإخوان.
وکذلک فی محنه ۱۹۶۵م لم یکن أحدًا من الشباب
یعرف الإخوان، بل لم یکن أحد یسمع عنهم، وجاءت محاکمه ۱۹۶۵م وحُوکم فیها الإخوان،
واستشهد منهم البعض، فکانت النتیجه أنه فی عام ۱۹۶۸م قامت أول مظاهره فی مصر فی
عهد عبد الناصر عقب النکسه، وکان بها شباب لم یروا الإخوان، ولکننا وجدنا من
مطالبهم فی المظاهرات الإفراج عن الإخوان المعتقلین.
أما
بالنسبه للصف الداخلی للإخوان، فلم أرَ أنَّ أحدًا من الإخوان کان سبب اعتزاله
سخطًا على الإخوان, حتى مَن تعرَّضوا لأقسى درجاتِ الإکراه، نجدهم معطاءین للدعوه،
حسب استطاعهِ کلِّ منهم.
وهذا لا یعنی أنه لم یضعف أحدٌ وإنما کانت
نسبه ضئیله تلک التی تفلت؛ ولذلک عندما ننظر إلى الذین لم یدخلوا السجن أو لم
یعتقلوا إلى مَن هم فی عافیه، ومَن تعرضوا للمحن والابتلاءات, نجد أن نسبهَ عطاء
الآخرین للدعوه أکثر من الأولین.
أما کون الاعتقالات تُؤثِّر على الصف؛ حیث
إنها قد تحرمه من طاقاتٍ بشریه، فهذا صحیح، ولکن بفضل الله تمتاز دعوتنا بأنها
دعوه ولوده ومتجدده.
أخوه وتماسک
* قال أحد أبناء المعتقلین “ما غاب عنا
إلا وجه أبینا”، فی إشارهٍ إلى دور الإخوان معهم، فهل هناک منهج تتبعه
الجماعه مع أبناء وأسر المعتقلین للحفاظ على کیان تلک الأسر؟
** قال أحد رجال الثوره لأخ معتقل عام ۱۹۶۵
“هل تعتقدون أنکم ستخرجون زعماء؟؟، لا، إنکم ستخرجون “مکسحین” وأولادکم
سوف یفسدون وکذلک زوجاتکم”، وقد جعلوا رعایه أسر المعتقلین فی ذلک الوقت
تهمهً یُعاقب علیها مرتکبها، حتى إنَّ البعضَ قد حُکم علیهم بالمؤبد لرعایتهم أسر
المعتقلین عام ۵۵، وأیضًا کان الجیران یتجسس بعضهم على بعض فی هذا الشأن، وکل هذا
لم یمنع من رعایه أسر المعتقلین من الإخوان.
فالإخوان یمتازون بالتآلف فیما بینهم وتشیع
فیهم روح التعاون والإخاء؛ لذا فأسر الإخوان تبدی اهتمامًا ورعایهً بأسر المعتقلین
کجزءٍ من حقوق الأخوه فیما بینهم.
وکذلک من طبیعه الشعب المصری والذی یتعاطف
کثیرًا مع أسر المعتقلین ویبدی اهتمامًا زائدًا بهم، أذکر أنه عند اعتقالی عام ۱۹۹۵م
کان أحد أبنائی فی المرحله الابتدائیه، وکان متأثرًا بدرجه کبیره لهذا الاعتقال،
ولکنه وجد اهتمامًا من الجمیع، من مدربه بالنادی وأستاذه بالمدرسه وأیضًا الجیران،
وکانوا جمیعهم من غیر الإخوان، فساهم هذا بشکلٍ کبیرٍ فی عبوره لهذه الأزمه
واجتیازه منها بسلام.
* ما
رؤیتکم بالنسبه للمستقبل الدعوی لجماعه الإخوان المسلمین، وما هی آلیات التطور القادمه
فی الأسلوب الدعوی؟
** فی مرهٍ قال لی أخونا “أحمد عبید”،
وکنا معًا فی سجن قنا “دعوه الإخوان مثل الماء ینساب برقه وعذوبه فإذا ما
وجدت حجره تعترض طریقها لا تقف أمامها وإنما تسیر من حوالیها وعن جوانبها، وتظل
تنساب وتنساب حتى تصل إلى مرحله حیث لا یقف فی مجراها شیء”.
ونجد الآن أن مَن یوجه الضربات للدعوه سواء
کان عدونا الأمریکی الصهیونی المتحالف مع الغرب ومدعومًا من الأنظمه العربیه، أو
من الداخل موقفه ضعیف تمامًا، وأن هذه الضربات التی توجه إنما هی ضربات تخبط؛ لأن
العدو الأمریکی أوجع بالمقاومه فی العراق وأفغانستان على الرغم من عشوائیتها،
وکذلک المنحنى الصهیونی بعد أن کان متصاعدًا یستولی على الأراضی ویخطط لشرق أوسطٍ
کبیر، نجده الآن یحاول تفادی ضربات المقاومه ببناء الجدر فالمنحنى الأمریکی
والصهیونی آخذ فی الانخفاض فی مقابل المنحنى الدعوی المتصاعد، رغم کل ما یحدث حتى
وإن طرأت بعض المؤشرات السلبیه مثل أن یکون لنا ۸۸ نائبًا فی مجلس الشعب، بینما لا
نحصل على أی مقعدٍ فی الشورى وغیرها من المظاهر التی تبدو سلبیهً إلا أن المنحنى
فی عمومه متصاعد وآخذ فی النمو.
کما أننا متأهبون لمعرکهٍ فاصلهٍ مع عدونا
الأساسی، وهم الصهاینه ومَن عاونهم، وکذلک موقنون أن تلک الأنظمه العربیه المستبده
إلى زوال أیًّا کان وضعها الحالی، بینما نجد الإسلام ینتشر فی ربوع أوروبا نفسها،
فعمر الدعوات لا یقاس بالسنوات القلیله فمن الجائز أن تستمر الضغوط الخمس أو الست
سنوات القادمه، لکن على المستوى البعید، نجد أن أمریکا تضعف والصهاینه قد بدأوا
منحنى النهایه، فمستقبل دعوه الإخوان، کما قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ
فَیَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا یَنفَعُ النَّاسَ فَیَمْکُثُ فِی الأَرْضِ﴾ (الرعد:
من الآیه ۱۷)، فنحن نحمل ما ینفع البشریه بأکملها ونحن ماضون فی طریق الإصلاح مهما
کلَّفنا من تضحیات؛ لأن هذا هو طریق الدعاه.
شبهات وردود
* یُقال إن الإخوان یضحون بکل شیءٍ
ویستعذبون الابتلاء ویرکزون فی التربیه على ثقافه الابتلاء، فما رأیکم فی ذلک؟
** الفرد فی الإخوان معلی من قیمته، قال
الإمام البنا “لو هناک عده طرق توصلنی إلى هدفی بکل منها تضحیات، لاخترت ما
یوصلنی إلى هدفی بأقل تضحیه”.
الصوره غیر متاحه
فأنا
کنت فی الواحد والعشرین من عمری عندما اعتقلت عام ۱۹۶۵م وعندما کنا نجری فی طوابیر
التعذیب کان الأخ الذی یلینی، وکان أکبر منی سنًا حینما یأتی دوری أجده قد وقف
بجانبی لیتلقى هو الضربات بدلاً عنی، وأذکر أن الحاج “توفیق عبد الباری”
کان یأکل لقمتین ویترک الباقی لإخوته فی وقتٍ کنا نجری وراء “الکلب” لنأخذ
منه لقیمات.
فالإخوان یقدرون أفرادهم ویخافون علیهم ولا
یمکن أبدًا أن نُضحی بأحدٍ منهم؛ لأنهم أعز علینا من أنفسنا، ولکن لطریقِ الدعوه
تبعات وتضحیات تُفرض علینا فرضًا قیادهً وجنودًا فندفع الضریبه ونحن نحتسبها عند
الله.
* ألا یمکن للدعاه تجنب هذه الابتلاءات؟
** نحن خاضعون لسنن الله عز وجل، فالله
تعالى یقول: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا
یُفْتَنُونَ (۲)﴾ (العنکبوت)، فأی صاحب دعوه لا بد أن یبتلی، ونحن نمضی فی سنن
الله ونستعین بعضها على بعض، أما أن یتصور أحد أن هناک طریقًا لا أؤذی فیه وأنا
صاحب دعوه، فهذا تصور سقیم، کما أنه من کتب له الإیذاء فی بدنه، سیؤذى.. سواء کان
ذلک بکرباج أو مرض. کما أن الإخوان یعطون الفرد الزاد الذی یجعله یحتمل ما سیواجهه
بإذن الله. فعندما دخلت الاعتقال ۱۹۶۵ وجدت زمیلاً لی فی الثانویه وکان مسجونًا
على أثر جریمه عسکریه ارتکبها عام ۱۹۶۷، فکنت صابرًا محتسبًا بینما وجدته جزعًا
ساخطًا على نفسه وحاله.
صمام
أمان
* فی ظل تطور أسلوب المواجهه وتحوله إلى
المحاربه فی الأرزاق، ألا تخشون من الانحراف الفکری؟
** نعم ما یحدث قد یؤدی إلى عواقب وخیمه،
لیست من صنعنا وإنما من صنع مَن ارتکبوا هذه الجرائم ما حدث فی اعتقالات ۱۹۶۵م،
فقد تم الزج بالآلاف من الإخوان والعلماء والمربین فی غیاهب السجون منعزلین عن
الحیاه فحرمت الأمه القدوه والعلم معًا؛ لذلک عند خروجنا عام ۱۹۷۴م کان أخطر ما
یواجه الدعوه هو هذا الانحراف الفکری عند الشباب الذین حرموا التوجیه من خارج
السجن.
أما الآن فالإخوان بفضل الله متفاعلون مع
المجتمع رغم أن السجون لا تفرغ من مئات منهم، کما أن قیادات الإخوان حریصون على
مناقشه شباب الجماعه وتوجیههم وردهم عن أی انحراف، واستثمار طاقاتهم فی خدمه
المجتمع والأعمال النافعه؛ لذا نجد شبابنا فی المظاهرات والمسیرات لا ینطق بکلمات
نابیه أو یکسر حتى فرع شجره، فلا یمکن أبدًا أن نرضى بالفوضى ولا الثوره ولا العمل
المتعجل، ولا یمکن إطلاقًا أن نجعل المعرکه بیننا وبین أهلنا سواء الشرطه أم
الجیش، والحقیقه الواقعه هی أن الإخوان- بفضل الله- هم صمام الأمان لهذا الشعب.
* بعد ما تعرضت له الجماعه من محنٍ
وابتلاءات، ألا یمکن أن تکون هناک مراجعات لتغییر منهج التربیه کطریقٍ طویلٍ یحمل
الکثیر من التبعات؟؟
** ماذا یستطیع أن یفعل الداعیه غیر أنه
یصلح نفسه ویدعو غیره، فالتربیه تشمل عموم الحیاه، المسأله أن هناک خللاً فی مفهوم
التربیه ولیس فی التربیه ذاتها، فعلى مَن یقل ذلک أن یعطینا بدائل غیر التربیه،
أما أن نقول بالفصل ما بین الدعوی والسیاسی، وأن تکون المظاهرات والاعتصامات هی
منهجنا فهذا لا یمکن قبوله.
ومما أثلج صدری، أنه عند اعتقالی عام ۲۰۰۶م
على إثر التعدیلات الدستوریه تناقشت مع عددٍ من الشباب المعتقلین على خلفیه
المظاهرات التی قامت من أجل رفض التعدیلات وسألتهم “ماذا کانت نیتک عند خروجک
من بیتک للوقوف بتلک المظاهرات؟؟” فوجدت أن حرکتهم السیاسیه لیس مبتوتهً عن
تقواهم لله عز وجل.
فالتربیه فی الجماعه تکون على أسس الإیمان
والثبات لیکون الفرد قدوهً؛ ولذلک عندما نقول إننا سنشارک فی المحلیات، فهذا أولاً
من أجل الله سبحانه وتعالى کجزءٍ من عقیده المسلم الثابته، بالإضافهِ إلى أن هذا
من شمولیه الإسلام، فدخولنا الانتخابات من باب نفع الناس امتثالاً لقوله- صلى الله
علیه وسلم-: “والله لا یؤمن، والله لا یؤمن، والله لا یؤمن، من بات شبعان
وجاره جائع وهو یعلم” فأنا أقدم نموذجًا عملیًّا للتضحیه، فأنا کأخ مسلم
أتصرف على أساس أن کل شیء بحیاتی مربوط بالله عز وجل، کما قال عز وجل ﴿قُلْ إِنَّ
صَلاتِی وَنُسُکِی وَمَحْیَای وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ (۱۶۲)﴾ (الأنعام).
رسائل
دعویه
* رساله توجهونها لشباب الدعوه الإسلامیه.
** أقول لهم علیکم بالصبر والحکمه وألا یکون
ما تلاقونه حالیًا من ظلم وتعنت سببًا لعزوفکم عن العمل لنهضه بلدکم؛ لأن مشارکتکم
فی المناشط الدعویه کانتخابات المحلیات تأتی من أجل الإسلام، فسیدنا یوسف عندما
سجن لم تکن قضیته سیاسیه وإنما کانت لأنه “عفیف” وقوم لوط لم یخرجوا
سیدنا لوطًا لنزاع على السلطه، وإنما قالوا ﴿أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ
قَرْیَتِکُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ یَتَطَهَّرُونَ﴾ (النمل: من الآیه ۵۶)، فنحن
حالیًا فی ظل المحاکمات العسکریه والمحلیات وأحداث غزه نعمل من أجل الإسلام
بمفهومنا الشامل له، فلیفعلوا إذا ما شاءوا فلن نتراجع وسنبقى دائمًا فی طلیعه هذه
الأمه، واعلموا أنه أینما وجد الأخ الصالح وجدت معه أسباب النجاح.
* ما الرساله التی توجهونها إلى الإخوان
المحالین إلى الحاکمه العسکریه؟
** أقول لکم إنَّ الله جعلکم أسوهً وقدوهً
بصبرکم وثباتکم والتزامکم الحق، فأنتم فد رفعتم رایه الدعوه ورایه الإسلام، وأنکم
بتعلقکم بالله عز وجل وتعالیکم على کل أسباب الأرض وثقتکم بالله عز وجل، قد قدمتم
للأمه نموذجًا عالیًا، وضربتم مثلاً للجهاد بالنفس والمال، ففی المحن السابقه
للجماعه کان الابتلاء فی النفس فقط ولکم یبقى الأخ مطمئنًا أنه متى خرج وجد عمله
ومکان رزقه موجودًا، ولکن هذه المره الأمر مختلف وهذا شیء عزیز على النفس.. نسأل
الله تعالى أن یحقق بهم القدوه والأسوه وینطبق علیهم قوله تعالى ﴿فَانْقَلَبُوا
بِنِعْمَهٍ مِنْ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ﴾ (آل عمران: من الآیه ۱۷۴).
ولأسرهم:
تعلقوا بالله عز وجل، فإن کان الابتلاء شدیدًا فالأمل فی الله سبحانه هو القادر
ولنعی تمامًا قوله تعالى: ﴿وَیُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ وَیَفْعَلُ اللَّهُ
مَا یَشَاءُ﴾ (إبراهیم: من الآیه ۲۷).
أما باقی إخواننا المعتقلین فی سجون الظلم
فأقول لهم:
إن هذه سنه الله عز وجل وأحسب أن کلاًّ
منکم، کان مستعدًا لمثل هذا الابتلاء، فاعتصموا بالله عز وجل، واصبروا وصابروا
ورابطوا، وحافظوا على القرآن والمعامله الحسنه لکل مَن حولکم، وستجدون رحمات الله
تتنزل بکم، وعلى الرغم من المشقه التی تلاقونها ستذکرون هذه الفترات بالذکرى
الحسنه، ففی مثل هذه الأوقات یفیض الله سبحانه وتعالى على الإنسان بمعانی کان من
غیر الممکن أن یدرکها بغیر هذه الشده وأذکرکم أن دعوه المظلوم یرفعها الله من فوق
الغمام، ویستجیب لها ولو بعد حین، وقریبًا إن شاء الله نراکم بیننا.
ولعموم
إخواننا أقول:
قدروا المهمه التی حباکم الله بها وهداکم
إلیها، فلم یبق مَن یقود هذه الأمه إلى الخیر غیر الإخوان المسلمین ومن کان على
نهجهم ممن نعرفهم أولاً نعرفهم صحیح أنکم ما زلتم قله ولکن هذه سنه الله فی أرضه،
فأعدوا أنفسکم فالمهام عظیمه، فواجباتنا کثیره وأوقاتنا قلیله، والواقع فیه من
الفرص أکثر من العقبات، وفی کل عقبه تکون هناک فرصه لاستثمارها.
﴿وَقُلْ اعْمَلُوا فَسَیَرَى اللَّهُ
عَمَلَکُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَیْبِ
وَالشَّهَادَهِ فَیُنَبِّئُکُمْ بِمَا کُنتُمْ تَعْمَلُونَ (۱۰۵)﴾ (التوبه).
وصلى الله على سیدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.
المصدر : اخوان ان لاین