واقع ومستقبل التیارات السلفیه فی موریتانیا
واقع ومستقبل التیارات السلفیه فی موریتانیا
ولد مزید.. الثورات ستغیر إستراتیجیه الحرکات الإسلامیه
حاوره: محمد الحافظ الغابد
إسلام أون لاین ـ نواکشوط
یتسم الشیخ أحمد مزید ولد عبد الحق بالهدوء، ویجمع بین أصاله العلوم الشرعیه القدیمه من خلال حفظه للمتون والکتب الفقهیه التی تدرس فی المحاظر الموریتانیه، وحداثه الفکر المعاصر بإطلاعه على مستجدات الثقافه والفکر وتحولات العالم الإسلامی ونخبه، کما أنه أدیب شاعر ضلیع فی علوم اللغه العربیه.
عانى الشیخ مزید من تبعات قناعته الفکریه، ولم یسلم من الاعتقال مرات متعدده إبان فتره حکم الرئیس الأسبق ولد الطایع، وحبس مرتین عامی ۱۹۹۴ و۲۰۰۵، وشارک فی الجهود التی بذلت من طرف العلماء والدعاه فی موریتانیا لإجراء حوار مع معتقلی التیارات السلفیه، ویصنف حالیاً کأحد أهم حمله لواء تحدیث المدارس الشرعیه فی البلاد، ودفعها لاستخدام وسائط الاتصال الحدیثه لیعم نفها.
"إسلام أون لاین" التقى أحمد مزید ولد عبد الحق وحاوره عن أهم المراحل التی عاشتها الحرکات الإسلامیه فی موریتانیا، ورؤیته لمستقبل المنطقه بعد التغیرات السیاسیه الکبیره التی تشهدها حالیاً، وفیما یلی نص الحوار:
سلفیتان: علمیه وجهادیه؟
حزب السلفیین
نبذ العنف
النظام الموریتانی والإسلامیون
نقد ذاتی للجهادیین
القاعده ومراجعات الجماعات
الاستفاده من الثورات
* شهدت موریتانیا فی القرن الماضی صحوه فکریه حاولت الرجوع بالأمه إلى هدی السلف ومنهاج السنه ومحاربه البدع والخرافات ما هو تقییمکم لهذه الحرکه العلمیه، وما هی أبرز مراحل تطورها منذ النشأه وحتى الآن؟
کما أشرت حصل فی القرن الماضی – بل فی قرون قبل ذلک – تطور فی المستوى الفکری لموریتانیا، وظهرت دعوات وإن لم تکن هی السائده ولا هی الغالبه هدفها الرجوع بالناس إلى الکتاب والسنه على فهم السلف الصالح لهذه الأمه، وکان مجال هذا الحوار دائما المیادین الفکریه العلمیه فی أبعادها النظریه ولم یصل فی یوم من الأیام للمیادین العملیه بحیث یتحول إلى فعل مثلا .
کان الحوار محتدما حول قضایا متعلقه بالعقیده فیما یتعلق بمناهج التلقی وأسلوب عرض العقیده، هل هو علم الکلام أم الأثر؟ هل الأصل استخدام الأقیسه المنطقیه فی أمور العقیده أم تستخدم أسالیب أخرى کالرجوع للأثر فی الأمور الغیبیه واستخدام العقل فی القضایا التی یتسع لها العقل؟، وهذا صراع قدیم معروف بین مدارس الفکر الإسلامی قدیما منذ أن ظهر المتکلمون إلى عصرنا الحاضر فی کل مکان لا یقتصر على موریتانیا فقط وإنما فی کل بقاع العالم الإسلامی.
وفی الفتره الأخیره ظهر التیار السلفی بحکم وجود الشیخین بداه البصیری ومحمد سالم ولد عدود رحمهما الله على رأس الهرم العلمی فی موریتانیا، وهذان الشیخان کانت لهما رؤیه سلفیه فیما یتعلق بهذه الأبواب التی کان یحصل فیها النقاش.
وتبعا لذلک ظهرت بطبقه تلامیذهم والمتأثرین بهم إضافه إلى الروافد الخارجیه المتمثله فی الصحوه الإسلامیه عموما ثم الانفتاح الذی حصل مع تطور وسائط الاتصال وما تتیحه من انتشار وتداول واسع للأفکار والآراء فشکلت هذه جمیعها روافد لنشأه تیار سلفی فی موریتانیا یرى الرؤیه السلفیه فی هذه المجالات التی حدثتکم عنه، والجدید فی الأمر أنه مع الاحتکاک و التأثر بالوافد الخارجی خاصه مع انفتاح العالم عن طریق الإنترنت ووسائل التواصل الأخرى، اجتمعت کل هذه العوامل فنشأ عنها وجود شخصیات وجماعات وتیارات متأثره بهذا الطرح أو ذاک ولم یتبلور منها لحد الساعه تنظیم أو حرکه سلفیه محدده؛ ذات رؤیه موحده وقیاده، وإن کانت توجد قواسم مشترکه جامعه من حیث الاهتمام والأسلوب والوسائ.
ولکن السلفیه فی موریتانیا لا تزال الیوم کما کانت؛ ظاهره وتوجها فکریا وعلمیا أکثر منها تنظیماً وحرکه لها أهدافها ووسائلها فی الواقع المعیش للناس، هی إذا حاله عامه وتیار فکری.
سلفیتان: علمیه وجهادیه؟
*من الواضح فی العالم الإسلامی وجود عده مدارس أو توجهات داخل التیارات السلفی على سبیل المثال السلفیه العلمیه وما یسمى فی الإعلام بالسلفیه الجهادیه هل حصل شیء من هذا التمایز هنا فی موریتانیا؟ أم أن کل هذه التیارات لا تزال تشکل تیارا واحدا؟
فی الحقیقه هذه مصطلحات إعلامیه، والإعلام هو من صنع هذه التسمیات سلفیه جهادیه وسلفیه علمیه وربما سلفیه سلطانیه؛ مصطلحات کثیره ومتنوعه والواقع أنه توجد ألوان فی الطیف السلفی فی موریتانیا وفی کل العالم؛ والتباین حاصل بدرجات متفاوته فی المقولات الفکریه وفی وسائل العمل وفی النظره للواقع والتعاطی معه.
وعلى سبیل المثال یوجد إشکال کبیر فی موقف التیارات السلفیه من الأنظمه سلما ومهادنه، وکذا الموقف من الأجنبی سلما وحربا وعلاقتهم بالمجتمع من جهه ودعوتهم له، کل هذه القضایا تشکل نقاطا ومفاصل یحصل بسبب التباین فی المواقف منها تمایز بین التوجهات الاجتهادیه داخل التیار السلفی فیسمی عاده الإعلامیون ومن یتأثر بهم من یهتم بالطرح العلمی مع مهادنته للأنظمه سلفیه علمیه وثمه من یقسم السلفیه العلمیه إلى طبقات انطلاقا من بعدها أو قربها من الأنظمه ویسمون من یشهر السلاح فی وجه الأنظمه سلفیه جهادیه ویطلقون تسمیات مختلف.
السلفیه عندنا منهج فکری کان علیه السلف الصالح من القرون المزکاه، هذا المنهج العام عباءه واسعه فضفاضه تدخلها فیها کل التیارات حتى ممن لا یسمیهم الإعلام سلفیین کمدارس الإخوان المسلمین و الدعوه والتبلیغ وغیرهم داخلون فی هذه العباءه العامه، لکن من خلال الأولویات والوسائل وکون بعضهم ینتهج أسلوب التنظیم الموحد على سبیل المثال وبعضهم لا ینتهج ذلک ویراه بدعه، وبعضهم یراه مشروعا ولکن یخاف من تبعاته بسبب ما حصل فی التجارب السابقه.
وفی موریتانیا حتى الآن لم یحصل تمایز سلفی، واختیار الانتماء لتیار معین یرجع لاختیار الأفراد، فهذا الفرد یقتنع الیوم بهذا الأسلوب فینسق فی شأن الدعوه والقضایا المختلفه مع من یتقاربون معه فی الطرح فإذا وجد من یقنعه؛ سواء عن طریق الإنترنت أو عن طریق الکتابه أو عن طریق التأثیر المباشر بفکره أخرى قفز إلیها وقد یثبت علیها وقد یرجع للفکره الأولى.
المهم أن هناک اتجاها عاما هو الذی علیه أغلب الرموز العلمیه فی البلاد ممن یسمون سلفیین، هذا الاتجاه العام هو اتجاه أقرب ما یکون للاتجاه الذی یسمیه الإعلام سلفیه علمیه، وإن کانت هناک بعض الفروق کما أشرت إلیه من جهه العلاقه بالأنظمه ومن جهه العلاقه بالعدو؛ ولکن بشکل عام الاتجاه العام هو لإصلاح العقائد والتأصیل العلمی فی کل المسائل، سواء کانت فروعا أو أصولا.
والاتجاه العام هو فی نبذ استخدام القوه فی التغییر ولیس لأن القوه لا تستخدم فی أی من المراحل ولکن لأن الشروط والمقومات الشرعیه المطلوبه لاستخدامها غیر متوفره فی الواقع، وهذا أمر مهم لأنهم یرون أن لکل مرحله وسائلها الشرعیه التی یقدرها أهل العلم وأهل الحل والعقد فی البلد.
حزب السلفیین
*یلاحظ أن التیارات السلفیه فی موریتانیا اتجهت لإنشاء بعض الجمعیات والمؤسسات الدعویه وبدأ التیار یمارس العمل الدعوی، هل یمکن أن تقود التحولات الجاریه التیار السلفی إلى أن یصبح حزبا أو جماعه سیاسیه؟
کون السیاسه تشکل مرتکزا أساسیا فی عملیه الإصلاح فی هذا العصر هذا أمر مستقر شرعا ولا ینکره مسلم، لکن مفهوم السیاسه نفسه هو الذی یحصل فیه اللبس والخلل، والوسائل المستخدمه فی السیاسه تتباین فیها کل جماعه مع الجماعه الأخرى، ففی الوقت الذی یرى البعض مثلا أن تکوین حزب سیاسی والمشارکه فی المجالس البلدیه والتشریعیه هو السیاسه وأن دخوله هو الطریق الوحید للتأثیر الإیجابی؛ یرى آخرون أن هذه الأطر لیست شرعیه أصلا وثمه بعض آخر یراها شرعیه ولکن لا یراها مفیده ویرى أن المسلمین استثناء من قاعده الانتفاع بهذه الوسائل وبالتالی لا یریدون أن یتعبوا أنفسهم بهذه التجارب المحکوم علیها أصلا بالفشل فیتجهون -وهذا یرونه سیاسه- إلى أسلوب آخر هو أسلوب تربیه المجتمع وتثقیفه بالتصور الإسلامی الصحیح تمهیدا لمرحله أخرى لا یبادرون فیضعون لها وسائلها وینتظرون بها أن تقع، وینظرون إلى الوسائل التی تتاح فی ذلک الوقت الذی تتنزل فیه الحوادث.
أما کون التیار السلفی بدأ یتجه إلى أسالیب العمل المؤسسی فهذه الأسالیب هی أسالیب مشروعه باتفاق جمیع الفرق لأنها أصلا مرخصه شرعا وترخیص الدوله لا یزیدها إلا شرعیه؛ والمانع من استخدامها فی الفترات السابقه هو امتناع الأنظمه السابقه عن الترخیص ولیس رغبه من هذا التیار أو ذاک عن استخدام وإیجاد هذه الأطر.
أما الجانب المتعلق بما إذا کانت ستکون عامل تطور فی المسیر نحو العمل السیاسی فلیس هناک مانع من التطور لأن المانع منه فقط هو قناعه العاملین على مثل هذه الأمور بمشروعیه أو جدوى ما یسمى بالعمل السیاسی وبمجرد تغیر هذه القناعه یتغیر الموقف فلیس هناک شیء ثابت غیر قابل للتحول وکل ما یؤثر فی الموقف هو القناعه الشرعیه وقبل أن تتغیر فلا أظن أنه سیتغیر.
*کمتابع وبناءً على رؤیتک للمآل المستقبلی هل یمکن أن تتحول هذه الأنشطه إلى نمط العمل السیاسی الحزبی؟
والله أنا مع ظهور هذه الثورات الحدیثه، وبروز التأثیر الواسع لها أکثر من تأثیر أی أسالیب أخرى أظن أن المرحله القادمه هی مرحله تغییر الأنظمه عن طریق الثورات ولیس عن طریق الدیمقراطیه، وأظن أن الجمیع سیتحول إلى أسلوب آخر غیر الأسالیب التی کانت معهوده من قبل.
نبذ العنف
*فیما یتعلق بالتجربه التی مر بها هذا التیار وتحدیدا قبل خمس سنوات، نلاحظ أن بعض الشباب انجرفوا نحو استخدام العنف ثم لاحظنا أیضا انه وعبر جهود عدیده بذلتموها وبذلها غیرکم من أهل الدعوه والعلم تراجع الکثیر منهم، کیف تنظرون إلى تحولات التیار الإسلامی السلفی جنوحا للعنف حینا وقبولا بالحوار والمراجعات أحیانا أخرى.
أظن أن الجنوح نحو ما یسمى بالعنف سببه الرئیسی هو طغیان الأنظمه السابقه؛ وعدم تفریقها بین من یدعوا إلى الله على بصیره ولا یرید إفسادا، وبین من یرید أن یتسور على هذه الأنظمه ویفقدها مشروعیتها السیاسیه وهیمنتها على الشأن العام.
الأنظمه السابقه وخصوصا نظام معاویه ولد الطائع کان نظاما یعادی کل من یخشى أن یؤثر علیه سواء کان معتدلا أو کان متشددا، حتى إنه فی آخر أیامه اعتبر الإسلام هو العدو حقیقه من خلال القوانین التی سنت فی فتره وجیزه کقانون المساجد، وقانون الأسره،و قانون الإسبات بالعطله الأسبوعیه، ومشروع قانون الإرهاب، کلها قوانین سنت من اجل تجفیف منابع الإسلام ومناهجه وبشکل واضح کان هذا النظام یسارع إلى الأعداء ویبتعد عن الإسلام والمسلمین.
هذه الوضعیه أدت إلى احتقان فی الداخل وأدت إلى تذمر شدید جعل بعض الشباب الناجین من معتقلاته یهرب بسبب غیرته وحرصه على التغییر لکی یسلم من مغبه هذا الحیف والظلم الذی کان یتعرض له، وإذا هرب الشخص فلن یجد ملاذا آمنا إلاعند هذه الجماعات الموجوده فی الصحراء، والتی لا تخضع لأی سلطه سیاسیه تملی علیها وعند ذلک تتشکل لدیه ذهنیه جدیده وعقلیه جدیده ویتأثر من خلال معاشره هؤلاء بنفس الأفکار التی یحملونها وربما یحمل نفس الأجنده التی یحملونها بغض النظر عن قناعته بها أصلا، وبغض النظر عن مدى مصداقیتها وقوه دلیلها فهو فی الغالب شاب غِرُ ضعیف الخبره و مشبع برده الفعل على الواقع المُـر وتغذیه المآسی التی یراها سائده فی الواقع، یرى تعطیلا للشریعه وفسادا أخلاقیا ومحاربه لأولیاء الله وموالاه لأعدائه ولیس لدیه من العلم والتجربه ما یوازن به وینظر للوسیله المناسبه لهذا التغییر، فیمتلئ قلبه بهذه المآسی وهذه المظالم فیجنح لهذا الأسلوب فی التغییر وإن کانت العدید من التجارب أثبتت أن هذا الأسلوب غیر مجد بالنسبه لمن لیس له سند قوی من المجتمع وخصوصا من أهل العلم وکذا من لهم قبول واسع عند الناس فإذا لابد من وجود رصید لدى المجتمع کاف لإزاله هذه الأنظمه دون أن تحدث أضرار أسوأ من الأضرار التی ستترتب على إزالتها فإن الخروج على هذه الأنظمه واستخدام القوه لإزالتها یبقى مغامره محفوفه بالمخاطر أما عند وجود المقتضیات والأرضیه فإن الشعوب ذاتها قادره على تغییر هذه الأنظمه کما رأینا عیانا ونتوقع أن نراه قریبا فی أکثر من بلد.
*هل یعنی هذا أنکم ترون أن التیار الشبابی السلفی الذی کان یمارس العنف بدأ الیوم یتحول بصوره نهائیه لتبنی وسائل العمل الدعوی الشرعی ومن داخل الشرعیه القانونیه للبلاد؟
أولا زوال السبب الذی حمل على رده الفعل ـ وهو الشده والقمع الذی کان ممارسا – حیث فتحت مجالات للدعوه لم تکن مفتوحه یُشعر الشباب أن هناک شیء من المرونه مع الدعوه والتسهیل لصالحها، جعلهم یخففون لهجتهم.
والأمر الثانی وجود شخصیات علمیه بادرت فی هذا الموضوع، وحاورت الشباب، وبینت لهم التوازنات التی تحکم هذا المجال، وبینت أن التجارب أثبتت أن مصیر کثیر من هذه التجارب هو أن تبوء، بالفشل وتؤدی إلى مردود أسوأ على المسلمین وعلى الأمه.
النظام الموریتانی والإسلامیون
*کیف تقیمون تعامل السلطات الموریتانیه بعد النجاح الجزئی للحوار وهل سیتحول الحوار لنهج دائم فی التعامل مع هذا الملف بدل المعالجه الأمنیه والقمعیه؟
أظن أن السلطات هنا أحست بالفوائد التی جنتها من الحوار واتخاذه کمنهج وأسلوب بعدما ظل مغیبا سابقا، لکن لا یخفى علیکم أن هناک أجنحه متصارعه فی الدوائر الأمنیه دائما تستثمر الأحداث ،فمن کان منها یرى الحوار یثمن ویبرز النواحی الإیجابیه التی لوحظت والتحسن الذی حصل على مستوى العداله والمحاکم، حیث نجد على سبیل المثال أن الملفات المعروضه على المحاکم من هذا القبیل بدأت تقل منذ بدأ الحوار، فهذا التحسن یبرزه المقتنعون بالحوار؛ بینما یبرز الرافضون داخل المؤسسه الأمنیه العملیات التی تحصل من حین لآخر وزیاده وتیره هذه العملیات فی الفتره الأخیره لوأد الحوار.
ورأس الهرم الممسک بالقرار فی الدوله یتأثر بهذین التیارین، فمره یکون أمیل للحوار ومره یکون أمیل للرؤیه الأمنیه المتشدده، ولم یصل فی تأثره بالطرف الداعی للحوار حتى الآن لمستوى یجعله یتخذ قرارا باستفاده بعض المعتقلین من ذوی السوابق، وما لم یصل إلى ذلک الحد فلا أتوقع أن یُفِیدَ کثیرًا لأن کثیرین ممن یقومون بهذه الأعمال هم فی الخارج ولیسوا فی الداخل وهؤلاء لن یقتنعوا إلا إذا رأوا شیئا عملیا على الأرض.
نقد ذاتی للجهادیین
*لوحظ أخیرا حصول تطورات فکریه فی العدید من المواقف التی تمر بها السلفیه الجهادیه فقد صدر مؤخرا کتاب سلیمان أبوغیث الذی یُوجه فیه نقدا ذاتیا واسعا للعمل الجهادی فی تجاربه، کیف تقیمون هذه الجهود؟ وهل تعبر عن تطور فی الاجتهاد الفقهی والسیاسی لهذا التیار؟
نعم لا شک فی ذلک، قضیه التطور الفکری والاستفاده من التجارب السابقه هی سمه لازمت الحرکات السلفیه فی العالم الإسلامی عموما، وما یسمى بالسلفیه الجهادیه لیست بمنأى عن ذلک بل من أبرز الوجوه التی تدعوا للحوار وتقتنع به وتنتهجه من أشرت إلیهم سلیمان أبو غیث، محفوظ ولد الوالد المعروف بأبی حفص الموریتانی وغیرهم کثیر. قائمه طویله من الکوادر القدیمه التی کانت تعتبر قیادات فی القاعده ممن بقی لم یؤسر ولم یقتل کثیر منهم یتجهون هذا الاتجاه، لکن وضع أمریکا لهم فی قوائم الإرهاب وکثیر من العوامل الأخرى تجعل من العسیر على الکثیر من الأنظمه فی العالم الإسلامی الدخول معهم فی حوارات، مع أن دخولها فی حوار مع هؤلاء لا شک له قیمه وله أهمیه وهو على کل حال یعبر عن تحسن فی طرح هذه الجماعات أو التنظیمات.
وثمه فرق جوهری بین الجماعات والتنظیمات، فالجماعات غالبا یکون الطابع الفکری فیها هو الذی یجمعها فمن السهل أن تتطور وتتأثر وتغیر أفکارها أما التنظیمات فغالبا الطاعه والأمر وأسلوب الامتثال هو المهیمن فمن الصعب على التنظیمات أن تستفید من الحوار الفکری أو أن تغیر مناهجها لأن التنظیمات غالبا نمطها واحد الذی اقتنعت به تبقى علیه إلى أن تنجح أو تنهار.
القاعده ومراجعات الجماعات
*هل یمکن أن نعتبر أن المراجعات التی قامت بها الجماعه الإسلامیه فی مصر وفی لیبیا وفی أکثر من مکان منذ سنوات قد وصل تأثیرها حتى للقاعده وقیاداتها؟
أنا أرى أن قضیه قیاده القاعده قضیه غامضه، ولکن أقول إنه عندما حصلت المراجعات فی مصر وتمت على مستوى الجماعه الإسلامیه کان تراجعها عن مواجهه النظام فی مصر وفی نفس الوقت کانت القاعده عندها نفس المنهج أصلا، کانت لا ترى القتال داخل البلدان الإسلامیه ولا ترى مواجهه الأنظمه، بل ترى ذلک أسلوبا محکوما علیه وینبغی أن یکون إلى العدو الأکبر الذی هو أمریکا.
والذی حصل مفارقه عجیبه فی الفتره الأخیره أن انقلبت الآیه، فی الوقت الذی کنا نسمع فیه مراجعات داخل البلدان الإسلامیه یتراجع فیها أصحابها عن مواجهه الأنظمه، أصبحنا نرى جنوحا من بعض الجماعات إلى مواجهه الأنظمه مع انضواء هذه الجماعات تحت یافطه القاعده فی فتره لا یستطیع الإنسان أن یجزم فیها بشیء بسب الظروف الصعبه التی تمر بها تلک الجماعات.
*کیف ستؤثر التحولات الحالیه فی العالم العربی على التیارات الإسلامیه بشکل عام والمدارس الجهادیه السلفیه على وجه الخصوص؟
لا استبعد أنه إذا نجحت الثورات فستشهد الساحه مراجعات فکریه لدى کل التیارات الإسلامیه، لأنها ستثبت أن ثمه أسلوبا آخر غیر الأسالیب التی تنتهجها هذه الجماعات وأنه أقل تکلفه و أکثر نفعا ، وأظن أن الصادقین کلهم سیتجهون إلى المراجعه، وأظن أنه حتى الآن حصل شیء من هذا الأمر وبدأت الکثیر من الجماعات خاصه الجماعات السلفیه التی لم تکن تعیر انتباها کبیرا لشئون الشعوب ولم تهتم بالزخم الشعبی وکان تأثیرها نخبویا أکثر، بدأت تراجع نفسها أمام هذا المتغیر، وتتجه أکثر للعمل الاجتماعی والتغلغل فی المجتمع، والجماعات التی کانت تتوغل فی الشعب ستزداد تمسکا بهذا الاتجاه مثل جماعه الإخوان المسلمین، وستظل أکثر تشبثا بهذا الخیار.
ولکن لابد أن تجری تحویرات ایجابیه على نهجها السابق لأن الأسلوب السابق الذی کانت نتهجه لم یؤد لهذه الثورات، وکما هو معروف لم تخرج هذه الثورات من عباءه هذه الجماعات.
الاستفاده من الثورات
*وما هی الشروط والمرتکزات التی تراها ضروریه لاستثمار هذه الثورات وما هی الموجهات التی یمکن أن تساعد الشعوب العربیه وحتى النخب على الاستفاده بصوره أکبر من هذه الثورات؟
هذه الثورات طبیعتها وواقعها أنها لا تستشیر أحدا وهی طوفان وطغیان یأتی بغیر استئذان وکثیرا ما یصاحبه الکثیر من المنکرات والمخالفات الشرعیه إذا قلنا هذه الثورات ستغیر لیس معنى ذلک أننا ندعو إلى ثوره أو نضفی الشرعیه على ثوره معینه لکن لیس هناک أحد یستطیع أن یحد من هذه التجاوزات أو یمنعها فهی حاصله وواقعه من دون تحکم.
وغایه ما یستطیعه المصلحون هو تخفیف الضرر الذی سیحصل جراءها، ویتم ذلک من خلال نصیحه الثائرین بتقوى الله سبحانه وتعالى والابتعاد عن الظلم حتى ظلم هؤلاء الحکام الذین یواجهونهم، والذین عانوا منهم الأمرین ، وظلم إخوانهم الآخرین ینبغی أن یکون دور العلماء دورا محوریا فی هذا الموضوع وأساسی ولا ینبغی أن یکون دائما فی صفوف الثوار بحیث یضفی على کل ما یفعلونه الشرعیه بل ینبغی أن یکون ناصحا أمینا یُهَذِبُ هؤلاء الثوار ویصلحهم ویدعوهم إلى البعد عن کل ما حرم الله سبحانه وتعالى من قتل الأنفس ومن استباحه الأموال والأعراض، وأظن أنه إذا حصل هذا التوجیه سیحد من الأضرار التی تنتج عن هذه الثورات.
الصدر: اسلام انلاین