مدرسه الصیام و لاستقامه
مدرسه الصیام و لاستقامه
بقلم: أحمد جاد الحق
الحمد لله رب العالمین، وأشهد أن لا اله إلا الله ولی الصالحین الصائمین القائمین الراکعین الساجدین، یقول وقوله الحق ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِی مُسْتَقِیمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِیلِهِ ذَلِکُمْ وَصَّاکُمْ بِهِ لَعَلَّکُمْ تَتَّقُونَ﴾ (الأنعام: ۱۵۳).
وأشهد أن سیدنا محمدًا عبده ورسوله، یقول المعصوم صلى الله علیه وسلم: "استقیموا ولن تحصوا".
أیها الأحبه.. ونحن فی شهر الصیام لا بد أن نعلم أن الصیام یربِّی المسلم على الصبر وعلى طاعه الله فی رمضان؛ فلا ینبغی أن یختلف حالنا عن هذا الحال المستقیم.
ما هی الاستقامه إذن؟ هی الوفاء بالعهد وملازمه الصراط المستقیم، والجمع بین أوامر الطاعه واجتناب المعاصی.
والاستقامه ضد الاعوجاج، وهی ألا نختار على الله شیئًا، وخلاصه ما قال العلماء فی معنى الاستقامه: "دوام حال العبد على محبه الله تعالى وطاعته واجتناب معاصیه والتوبه المعجَّله منها حال وقوعها".
عن أبی عبد الرحمن السلمی قال: سمعت أبا علی السری یقول: رأیت النبی صلى الله علیه وسلم فی المنام، فقلت: یا رسول الله.. روی فیک أنک قلت شیَّبتنی هود، قال: نعم، قلت: ما الذی شیَّبک منها؟ قصص الأنبیاء وهلاک الأمم؟ قال: لا، ولکن قوله تعالى ﴿فَاسْتَقِمْ کَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَکَ﴾.
قال ابن عباس: إنها اشد آیه نزلت على رسول الله صلى الله علیه وسلم.
ویقول الله عز وجل فی أمر الاستقامه: ﴿إِنَّ الَّذِینَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَیْهِمْ الْمَلائِکَهُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّهِ الَّتِی کُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾ (فصلت: ۳۰).
وعن شعبان بن عبد الله قال: قلت: یا رسول الله.. قل لی فی الإسلام قولاً لا أسال عنه أحدًا غیرک، قال "قل آمنت بالله ثم استقم".
لما احتضر أبو شعبان بن الحارث بکى الناس من حوله فقال: لا تبکوا علیّ؛ فلم أتلطَّخ بخطیئه منذ أسلمت.
وظل بشر بن الحارث الحافی لا یقع فی غیبه لمسلم طوال حیاته.
وقال ابن تیمیه: "إنی إلى الآن أجدد إسلامی کل وقت" یعنی أجدد إسلامی، وما أسلمت بعدُ إسلامًا جیدًا.
وکان السلف رضوان الله علیهم یعدون فوات صلاه الجماعه مصیبه، وقد وقع أن خرج بعضهم إلى حدیقه نخل فرجع وقد صلَّى الناس صلاه العصر فقال: "إنا لله وإنا إلیه راجعون.. فاتتنی صلاه العصر جماعه، أشهدکم أن حائطی على المساکین صدقه".
قال الشافعی: "ما کذبت قط، ولا حلفت بالله، ولا ترکت غسل الجمعه، وما شبعت منذ ست عشره سنه إلا شبعه طرحتها من ساعتی".
لما برَّأ الله تعالى کعب بن مالک بسبب صدقه، قال: یا سول الله.. إن الله إنما أنجانی بالصدق، وإن من توبتی إلا أحدِّث إلا صدقًا ما بقیت، قال: فوالله.. ما علمت أحدًا من المسلمین أبلاه الله فی صدق الحدیث منذ ذکرت ذلک لرسول الله صلى الله علیه وسلم إلى یومی هذا أحسن مما أبلانی الله به، والله ما تعمَّدت کذبهً منذ قلت ذلک لرسول الله صلى الله علیه وسلم إلى یومی هذا، وإنی لأرجو الله أن یحفظنی فیما بقی.
ولقد عاب الله على الذین لا یستقیمون على حال، فقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَسَّ الإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا کَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ کَأَنْ لَمْ یَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ کَذَلِکَ زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ مَا کَانُوا یَعْمَلُونَ﴾ (یونس: ۱۲).
والخلاصه أن المؤمن یجب أن یأخذ من رمضان شهر الاستقامه على طاعه الله وعبادته زادًا لبقیه عامه لیکون حاله بعد رمضان مستقیمًا على محبه الله وطاعته، ملتزمًا بأمره، مصلحًا من شأن نفسه وأمته، تائبًا مداومًا على العمل لدین الله ونصرته، أما أن یکون ذلک منه فی رمضان ثم یتغیَّر إلى النقیض بعده فقد یکون هذا من علامات عدم القبول.
ولیکن هناک درس عملی: لیکن لکلٍّ منا عمل سر مع الله عز وجل؛ فمثلاً على المدخن أن ینویَ أن یأخذ من رمضان حدًّا فاصلاً للتوبه من التدخین، وعلى هواه مشاهده الأفلام الخلیعه أن یتخذوا من رمضان بدایهً لعدم انقطاعهم عن بیت الله والمحافظه على الصلاه فی الجماعه، وعلى من یسیرون فی رکاب أی ظالم أو فاسق یتقوون به ویقویهم على ظلم العباد أن یتخذوا من رمضان فرصهً للتوبه ویستقیموا بعده، وکلٌّ أدرى بنفسه وبطاعته وذنوبه.
فهلا استقامت الأمه بعد رمضان على ما کانت علیه فی رمضان وتعلَّمت درس الاستقامه فیصدق فیها قول الحق جل علا ﴿وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِیقَهِ لأَسْقَیْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا﴾ (الجن: ۱۶).
نسأل الله عز وجل أن یرزقنا الاستقامه على طاعته وعلى عبادته، وأن یثبِّت أقدامنا على الصراط المستقیم، وصلى اللهم وسلم وبارک على سیدنا محمد.
المصدر : اخوان انلاین