الإسلام هو الحل
الإسلام هو الحل
استاذ مصطفى مشهور
بسم الله الرحمن الرحیم
مقدمه
لا تکاد الأمه الإسلامیه الآن تجمع على قد إجماعها على أن " الإسلام هو الحل"، وهو العلاج الشافی لکل مشاکلها، وأزماتها، ولکل أمراضها وآلامها.. لقد جربت الأمه الکثیر من المناهج، وفرضت علیها أفکار ومعتقدات بعیده عن حضارتها ودینها، ولکنها عادت لتؤکد من جدید أن طریق الإیمان والإسلام هو الطریق الوحید، القادر على إعادتها الى موقع عزها وفخارها، وأصبح الأمل قویا فی قرب ذلک الیوم الذی تتحکم فیه الأمه فی قرارها، وتعود الى شریعه ربها..
والبعض یتساءل عن شعار "الإسلام هو الحل" بحسن نیه أو بغیرها.. ماهیه هذا الشعار؟ وما یهدف إلیه؟.. ولتوضیح الصوره کتب الأستاذ مصطفى مشهور ـ المرشد العام للإخوان المسلمین ـ هذه المقالات ونشرتها صحیفه "الشعب المصریه"، ولکی تعمّ الفائده، أحببنا أن نجمعها للقارئ بین دفتی هذا الکتیب، والحمد لله أولا وأخیرا.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین…
الناشر
الإسلام هو الحل شعار له مضمونه
ـ۱ـ
إذا حسبنا فتره استعمار الغرب لعالمنا الإسلامی منذ وطأت أقدام الأجنبی أرضنا ودیارنا وتحکّم فی أمورنا وبدأ بنشر أسالیب حیاته ومدنیته ویذیع أفکاره وآراءه، ویروج لأنماط سلوکه وخروجه على القیم والمثل، ویسعى بدأب لاقتلاع الإسلام کعقیده راسخه فی القلوب، وفهم صحیح الأذهان، وتطبیق على أرض الواقع، ورسخ بذلک الفصل بینه وبین أمور وشؤون الحیاه الدنیا من خلال حصره وحصاره فی الزوایا والمساجد، وفی إطار رکعات دون روح، وحلقات ذکر لا ینبعث من القلوب، وقرآن یتلى فی المآتم.
وإذا أضفنا الى ذلک فتره الاستقلال وسیطره حکومات ونظم حاکمه من أهلنا ومن دیارنا، واصلت السیر على نفس المنهج والتزمت المضى على نفس الطریق فی ذات الإطار والتوجیه، نستطیع أن نقول إن العلمانیه والأفکار والنظم والنظریات الوافده، قد حکمت البلاد والعباد فی عالمنا الإسلامی ما یزید على المائه والثمانین عاما، نُحى فیها الإسلام عن حیاه الناس تنحیه کامله، وسیطرت فیها العلمانیه والوافد من النظم والنظریات سیطره کامله، بالقهر والقسر، والترغیب والترهیب، بالإعلام والدعایه، بتسخیر العلم بعد الانحراف به عن صحیح مساره وصحیح أهدافه، حتى وصلت بالمسلمین الى حاله الفقر والتخلف الذی یعیشونه، ووضع التبعیه والإذلال الذی یحیونه، وحاله الرضوخ والاستسلام التی سیطرت علیهم، حتى صاروا هدفا لکل مطامع، وصارت أرضهم وثرواتهم کلأ مباحا لکل مغامر، وصارت ساحتهم مفتوحه أمام قوى العدوان الأمریکی والصهیونی لممارسه شتى أشکال الهیمنه وبسط النفوذ، وفی غطرسه وبلطجه تجرى المحاولات والجهود لاقتلاع جذور حضارتنا وإنهاء دورنا ووجودنا.
ومع ظهور وإنتشار الصحوه الإسلامیه، وذیوع أدبیاتها وأفکارها ورؤاها، ومع رفعها شعار " الإسلام هو الحل" تجاوبت والتقت الشعوب الاسلامیه معها حول ضروره نبذ ورفض المذاهب والنظم وأنماط الحیاه والسلوکیات الوافده ـ بعد أن تأکد لها أنها سبب التخلف والتدهور والبلاء، والرضوخ والتبعیه، والفقر والتخلف ـ وضروره العیش فی إطار وظلال الإسلام لأنه سبیل الأمه الوحید والصحیح للخروج من الأزمات، وحال الفقر والتخلف والفاقه وکسر أطواق العزله وتحطیم قیود الأسر والتبعیه لتعیش فی مستوى العصر وفی إطار الأصاله والهویه والقیم لنبیله، وتمارس حیاتها الکریمه فی ظلال العزه والکرامه والأمن.. إلا أن جهات من الخارج، مع جهات من الداخل تملک وسائل الإعلام والدعایه وأسباب القوه والسلطان، انبرت تشن حملات الهجوم والتجریح والتشکیک فی دعاه الاسلام، وفی الاسلام مصحوبه بحملات التعتیم والتشویه.
حملات دافعها وباعثها الجهل أو الخوف أو القلق على مستوى الداخل، کما أن دافعها وباعثها الحقد والعداء حین تفد من الخارج، أو تنبعث من المفتونین بالخارج من أهل الداخل.
مزاعم وأباطیل
زعموا أن الإسلام دین یخاطب القلوب، ولا علاقه له بأمور الحیاه المتطوره والمتغیره والمتجدده، وقالوا إن المناداه بالعیش فی إطار الدین إنما تعنی الهروب من العصر ومتطلباته ومسؤولیاته والنکوص الى عصور الظلام والتأخر.
وادعى فریق من القوم أن الإسلام لیس إلا تطبیق حدود تقطع ید السارق فی غیر رحمه، وترجم الزانی فی غیر شفقه، وتجتز عنق القاتل فی غلظه وقسوه.
کما ادعى البعض أن تطبیق الشریعه یعنی تحریک الطوائف الأخرى للرفض بما یؤدی الى إشعال الفتنه الطائفیه.
وتمادى فریق فی المغالطه فزعم أن دعاه الإسلام لم یتفقوا على أسلوب للتطبیق، ولکن تفرقوا الى فرق شتى، کلٌ یزعم له أسلوبا فی التطبیق، وهذا الخلاف هو دلیل الافتقار الى الرؤیه الصحیحه، کما أنه دلیل على أن الاسلام دین للعباده ینهض به الإنسان بینه وبین ربه، وأکثر من ذلک أهمیه أنه دلیل ضروره البعد بالإسلام عن مشاکل وأمور الحیاه، واختلاف أسالیب التطبیق، والخطأ فی التطبیق بما یجعل الإسلام الدین الالهی منزها عن تحمل أوزار وأخطاء تطبیق البشر.
وزعموا أن الإسلام ودعاته لا یتسعون صدرا للرأی الآخر، والأفکار الأخرى، ولا یعترفون بالدیمقراطیه والحوار، کما وصموا جمیع الدعاه بالتطرف والإرهاب.
ونسى القوم ـ أو تناسوا عن عمد ـ أن الاسلام الذی نزل على قلب رسول الله صلى الله علیه وسلم جاء فی أول آیات قرآنه دعوه وتوجیهاً وحفزاً على العلم والقراءه، کما جاء فی العدید من آیات قرآنه دعوات الى المؤمنین، مع تنبیه مصحوب بالدافع والحفز على التدبر فی آیات الکون، وإبداع الخالق فی خلقه، ولا یمکن أن یکون التدبر إلا عبر العلم فی أحدث مستویاته، ومن خلال أحدث أجهزته ووسائله ومؤسساته.
بل إن الإسلام الذی دعا الى العلم وأنزله منزله الفریضه من خلال قول رسوله علیه الصلاه والسلام:" طلب العلم فریضه على کل مسلم ومسلمه" جعل هذا العلم واحدا من اهم الأعمده فی بناء الدوله وأیضا واحدا من أهم أسلحتها على صعید التقدم والازدهار، وبلوغ الأمه موقع القیاده والریاده لتنشر النور وتؤکد معالم العدل والإنصاف والمساواه، وترسخ معالم ودعائم السلام الصحیح، ولیس سبیلا أو وسیله لزرع بذور العدوان أو نشر الطغیان واستعباد الأمم والأوطان واستنزاف الثروات واستعباد الإنسان، ومن أجل هذا فإن مفهوم الإسلام للعلم هو أنه وسیله وسبیل للبناء والتعمیر والتقدم والنماء ولیس سبیلا للتخریب والتدمیر.
کما أن الإسلام الذی شرع قطع ید السارق، إنما شرع ذلک القطع لید امتدت لمال الغیر أو حقه، بعد أن تکون الدوله قد وفرت لصاحبها حقه فی العمل المناسب، والمسکن الملائم، والکسب الی یکفیه حاجته من الطعام المانسب والملبس المناسب، وهو أمر وضحه الفاروق عمر بن الخطاب رضی الله عنه الحاکم العادل وحجه الله على کل حاکم حین سرق غلام، فأنذر من یعمل لدیه بقطع یده، إذ لم یف الغلام حقه من المال والملبس والمطعم.
أما الزعم بأن تطبیق الشریعه الاسلامیه، الذی هو حق طبیعی للأغلبیه المسلمه، سوف یؤدی الى إشعال الفتنه الطائفیه، فإن حقائق التاریخ الناصعه، تؤکد أن الأقلیات غیر المسلمه فی بلاد المسلمین تمتعت بکل الحقوق التی یتمتع بها المسلمون فی أوطانهم، حینما کانت الشریعه مطبقه تطبیقا صحیحا، بل إن الفتن ما ظهرت فی بلادنا إلا عندما انحسرت ظلال الشریعه فی حیاه المسلمین، وشهادات زعماء الأقباط فی مصر التی تؤکد هذه المعانی أکثر من أن تحصى.
والذین یتهمون الدعاه بأنهم لم یتفقوا على أسلوب لتطبیق الإسلام، هؤلاء أیضا افتقدوا الرؤیه الصحیحه التی تؤکد أن هناک أصولا وثوابت لا یختلف علیها أحد، أما الفروع والمتغیرات فهی محل للاجتهاد حسب الزمان، والمکان، والظروف المحیطه.
وأخیرا فإن الزعم بأن دعاه الاسلام لا یعترفون بالشورى والدیمقراطیه، هو قول یجافی الحقائق الناصعه والأدله الدامغه، ولا أدل على ذلک من أن الإسلامیین حازوا ثقه أعضاء النقابات المهنیه فی مصر، بالحوار والإقناع والإخلاص فی العمل، حتى استعملت السلطه سیف القهر، والتسلط لتنحیهم عن إداره النقابات..
مجتمع متکامل متراحم
من أجل ذلک، ومن أجل إیفاء المجتمع حقوقه وتوفیر مطالبه وحاجاته، وضع الإسلام الضوابط لتیسیر الحیاه وتوفیر متطلباتها، وأوجب وحض على النهوض بالمشارکه والبذل والعطاء، فجعل أداء الزکاه فریضه على الأموال، ونهى عن الاکتناز کما نهى عن الإسراف أو الإنفاق فی غیر الوجهه الصحیحه، وجعل المال فی المجتمع فی موضع الخادم الذی ینهض بأداء مطالبه، وتحقیق رغباته المشروعه.
وإذا کان الإسلام قد نزل من عند رب العباد عقیده وشریعه ونظام حیاه شامل، فإنه من العبث والانحراف أن یجری الفصل بین العقیده والشریعه، أو بین الشریعه والعقیده وبین نظام الحیاه،
لنحصر دوره فی رکعات أو قرآن یتغنى به أو مسابقات للقرآن، لتکون مصدرا للدعایه لحاکم أو سلطان، أو مساجد شاسعه على شواطئ المحیطات، أو مع امتداد القصور الفاخره، ومن ثم فإن المفهوم الصحیح للإسلام کسبیل وحید للعلاج، والخروج من الضوائق والأزمات ومحن الفاقه، والتأخر الى بحبوحه العیش، وآفاق التقدم، وسعه الطمأنینه وهدوء وراحه الاستقرار، هو الالتزم بالإسلام فی شموله وکماله، وکما نزل من السماء وطبقه السلف الصالح فی تأکید تکریم الإنسان، واحترام انسانیته وصون أمنه وحریته وحرمانه وکرامته، وفی تحدید واضح للعلاقه بینه وبین مجتمعه وفی إطار الشورى التی جاء بها الإسلام، وتؤکد حق إبداء الرأی وحریه التعبیر والنقد، واحترام الرأى الآخر وتنزیه الانتخابات عن العبث والتزییف لتبقى وسیله وسبیل الشعوب لاختیار حکامها وممثلیها.
إن " الإسلام هو الحل" لیس مجرّد شعار اکتسب شهرته من خلال بریقه، أو استحوذ على عقول الجماهیر من خلال وقعه ورنینه، ولکنه شعار اکتسب تعلق الناس به وتعلیقهم الآمال علیه من خلال مضمونه بأبعاده ومعالمه، وأسسه ودعائمه، وضوابطه وضماناته.. إنه یعنی نهوض بناء المجتمع على الإیمان بالله ورسالاته، وبغایات الوجود فی دنیاه والجزاء فی أخراه، إیمانا خالصا من الشرک والشک، یؤکد العقیده بمنابعها الصافیه من کتاب الله وسنه رسوله علیه الصلاه والسلام، دون غلو أو تحریف، فلا یعبد إلا الله ولا یصدر الإنسان والمجتمع فی جمیع الأعمال إلا عن سعی لرضا الله وخشیه من غضبه، فتکون الاستقامه فی الفکر والعمل على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع، وعلى مستوى الرعیه وعلى مستوى الحکام.
کما أن "الإسلام هو الحل" إنما یعنی إلتزام تربیه الفرد والأسره والمجتمع على لتقوى وعلى الإخلاص لله والثقه به والتوکل علیه مع الشعور بالمسؤولیه، إزاء الناس وأمام الله، وهو کذلک یعنی الالتزام بالمحافظه على شعائر الإسلام خاصه عبادته؛ فهی الأرکان العملیه التی بنی علیها هذا الدین، ومن ثم یجب إحیاء دور المسجد ورسالته لیکون مرکز هدایه وإشعاع وإصلاح للرجال والنساء، مع إختیار لأفضل العلماء وأقدرهم لإبلاغ الرساله مع حریه التعبیر والقول، وإقناع العقول والتصدی للأباطیل والانحرافات فی الفکر أو الرأی.
إن " الإسلام هو الحل" یعنی أیضا التزام القیم، ومحاربه شتى أشکال الفساد والانحلال، مع الزام الحکمه والموعظه الحسنه، ومع السعی لمنع مظاهر التبرج والعرى وتحریم تجریم المسکرات والمخدرات ومطارده مروّجیها وتجارها، ومعالجه مدمنیها وإغلاق جمیع أندیه العبث والفجور، کما أنه یعنی شیوع روح الجماعه والتعاطف والتکافل، فقد خاطب القرآن المسلمین بصیغه الجمع وارتفع الإسلام بمنزله صلاه الجماعه الى درجه عظیمه من الجزاء والثواب عند الله.
وإذا کان "الإسلام هو الحل" یعنی الإسلام الذی نزل من عند الله لا فصل ولا انفصال فیه بین أمور الدین وأمور الدنیا، فإنه ـ من ثم ـ یعنی التزام ما جاء به الإسلام فی مجال المال والثروه والاقتصاد، من تحریم للربا، وتنظیم لمصادر الثروه التی تضعها الدوله تحت إشرافها، والأخرى التی یفسح الإسلام المجال فیها للأفراد کی ینشطوا من خلال الخطط الهادفه والضوابط والضمانات الفاعله والقیم والمثل التی تحکم العمل والنشاط سعیا لتحقیق المستوى المطلوب والمأمول للحیاه التی تناسب الانسان المسلم والمجتمع المسلم.
کما یعنی فی نفس الوقت التزام الجمیع ـ على مستوى الحاکم وعلى مستوى المجتمع ـ بالحریه کفریضه تجرم العدوان على حق التعبیر، أو حق العباده، أو حق الأقلیات فی المساواه والعدل وصون الحرمات.
إن الدعاه الى الله لا یطرحون شعار "الإسلام هو الحل" کمجرد شعار، ولکنه على أنه شعار لدین شامل ونظام کامل.. إنه شعار خیر أمه أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر، وتبشر بالقیم والمثل وتسعى لنشر النور والعلم والخیر فی جمیع الأرجاء.. إنه یعنی أن تخلع الأمه عن نفسها أسماء وأزیاء غیرها، لترتدی ثوبها الذی یجسّد روح العصر، ویؤکد هویتها وأصالتها.
ـ۲ـ
یمضی الدعاه الى الله على طریق الدعوه وهم واثقون بأن الله منجز وعده لمن خلصت نیته، واستقامت وجهته، وشمّر عن سواعد البذل والعطاء والعمل والجهد، لا یطمع إلا فی رضا الله وعظیم أجره، کما أنهم فی الوقت نفسه یدرکون أن الطریق غیر مفروش بالورود، بل تعترضه العقبات وتملؤه السدود والحواجز وتکتنفه الصعاب، ومن أجل ذلک لا یتسلل الى قلوبهم الیأس أو الوهن، ولا تخبو فی نفوسهم بواعث الأمل فی غد مشرق تسده القیم، وتظلله العداله وتتأکد فیه معالم ودعائم الحریه والأمن، وترفرف علیه أعلام الحب والأخوه، وتتضاءل وتنکمش ـ بل تتلاشى ـ فیه الموجه الطاغیه من مدنیه الغرب وحضارته المادیه التی خضعت لسیطره المتعه والشهوه.
ومع وعوره ومعوقات الطریق، ومع مواصله لدعاه للعمل المتواصل والسعی الدءوب لما فیه خیر الناس کافه، ومع صفاء وخلوص النیات، وصدق واستقامه الوجهه والتوجهات تلوح فی الآفاق مؤشرات ومبشرات الخیر، هی بالنسبه للدعاه الى الله بمثابه العلامات على صحه الطریق، لیوقنوا أنهم ماضون نحو الهدف والغایه، فیضاعفوا الجهود والعمل.
من أجل ذلک کان الإمام حسن البنا مؤسس جماعه الإخوان المسلمین ـ وهو یؤکد أن من بین مهام الإخوان المسلمین العظیمه أن یقفوا فی وجه الموجه الطاغیه من حضاره أوروبا المادیه التی زحفت على عالمنا العربی والإسلامی، ویدرک أن الطریق طویل وأن المتربصین على جانبیه وخلف سدوده وعوائقه کثیرون ـ یدرک أیضا أن المستقبل للإسلام.
· کان یدرک أن الاستعمار الذی ساد وسیطر لقرون على أحوال وأوضاع المسلمین وعالم المسلمین، وهو یفرض نماذج وأسالیب حیاته، قد باعد بین الناس وأن یستظلوا بشریعه الاسلام، ویعیشوا فی رحاب نظامه، ومهد فی الوقت نفسه الطریق لانتشار عاداته وتقالیده وقیمه الإباحیه، وأیضا انتشار الجرائم البشعه من قتل وسرقه واعتصاب، مع إدمان للمخدرات وإشاعه للخمور والمسکرات، ومع تنحیه الغرب المستعمر لشریعه الإسلام لم تکن هناک الأحکام الرادعه الحازمه التی تردع وتکبح الشهوات فضعفت وذبلت الضوابط الداخلیه فی قلوب وأفئده الناس.
· أدرک مؤسس هذه الجماعه کذلک أن الأنظمه الحاکمه قد آلت على نفسها أن تعرقل خطوات الدعوه والدعاه مع غض الطرف عن الفساد والمفسدین، بل إن منها من روّج للفساد من خلال أجهزه الإعلام، وذلک بإفساحها المجال بقصد أو غیر قصد للعدید من أشکال الانحراف أو أشکال السلب والنهب.
· ولمس ببصیرته الفاحصه أن الأزهر الشریف صاحب الرساله العالیه والتاریخ الحافل بالجهاد ونشر العلم والضیاء، لم یسلم من الطعن والتخریب فی ظل الاستعمار للحیلوله بینه وبین رسالته، وما أصاب الأزهر أصاب من قبل المعاهد لتعلیمیه، حتى وصل الوضع فی أیامنا الراهنه الى حد أن الکثیرین لا یعرفون کتابه جمله صحیحه شکلا ومعنى، کما انحدر مستوى الدعاه وانعزلوا عن حاجات العصر وفهم مطالبه ففقدوا تأثیرهم بالضروره.
مؤشرات ومبشرات
کان حسن البنا الإمام الداعیه، والأجیال من الدعاه الذین حملوا الأمانه وواصلوا المضی على طریق الدعوه من بعده، یعرفون طبیعه الطریق، ولکن یدرکون أن لعمل الدعاه ثماره، ولجهودهم نتاجها، خاصه أن دلائل ومؤشرات ومبشرات الخیر تلوح فی الآفاق، بل ویلسمها الناس على أ{ض الواقع تغییرا فی المجتمعات کان من أهم ملامحه ظهور بدایات ودلائل تؤکد إنحسار مظاهر وعادات وتقالید الغرب التی زحفت علینا، تغییرا صاحب ظهور وانتشار الصحوه التی عمّت المشرق والمغرب، وکان من أهم ملامحها التمسک بالدین والتزام تعالیمه وقیمه وسلوکیاته على مستوى الفتیان والفتیات، وما واکب ذلک من إقبال على العباده واعتزاز من الفتیات بالحجاب الذی حسر موجه التبرج والسفور مع تأکید الحرص على الهویه والأصاله والتفوق فی العلم والمعرفه لتحقیق التقدم المنشود.
· أیضا ظهرت البنوک والمؤسسات الاقتصادیه الاسلامیه التی قطعت شوطا فی تحریر المجتمعات والأفراد من وطأه الربا، وفتحت الأبواب أمام المشروعات الإسلامیه، مع تأکید روح التکافل والتضامن والتعاطف، کما صار للزکاه العدید من المراکز والمواقع التی تقوم بجمعها والکثیر من المنافذ التی تقوم على صرفها فی أوجهها وحیث تؤتی ثمارها.
· وارتفعت فی کل مکان الأصوات المطالبه بتطبیق شرع الله، والعیش فی ظلال وإطار نظام الحیاه الذی ارتضاه الله لعباده والذی یکفل لهم السعاده والطمأنینه وراحه البال والضمیر، واستقرار وتوازن النفس، کما ارتفعت رایات وشعارات الجهاد ومقاومه الأعداء والدفاع عن الأوطان وتحریر المحتل من الأقطار، بل لقد حدثت معارک وماوجهات بین المجاهدین وقوى الاستعمار على ساحات، عادت بالأذهان الى الزمن الأول للجهاد والمجاهدین، والتضحیه والبذل بعد أن ظن الأعداؤ أنهم تمکنوا من وأد روح الجهاد فی الشعوب الإسلامیه.
· ومع اتساع حرکه الدعاه، اتسعت آفاق المد الاسلامی لتشهد ساحه العدید من الدول الغربیه، وأیضا الساحه الأمریکیه، عدیدا من الأنشطه الإسلامیه من خلال المراکز والجمعیات الإسلامیه والمساجد والمدارس التی تمارس دورها الدعوی عبر الحوار الذی یعتمد الحجه والدلیل من کتاب الله وسنه رسوله علیه الصلاه والسلام، وعبر جمیع الأعمال والأنشطه التی تؤکد سعی وحرص الإنسان المسلم على خیر الناس وصالحهم، کما نشطت حرکه للترجمه صاحبها إقبال نشیط على دراسه الإسلام والإیمان به والنهوض بتعالیمه، الأمر الذی یشیر الى تطلع الأرواح والنفوس الى ما یروی ظمأها ویضمن ویوفر لها توازنها، وبالتالی یحقق لها السکینه والطمأنینه.
من أجل ذلک کان صبر الدعاه على البلاء ومشاق فتن ومحن الطریق هو صبر الذین آمنوا بالإسلام الحنیف الذی لا عوج فیه، ولا ضلال لمن اتبعه، ورسخت العقیده فی قلوبهم وأعماقهم فصارت أثبت من الرواسی وأعمق من خفایا الضمائر، وباتوا وأصبحوا وهم یرددون فی امتثال والتزام وتدبر:{ شهد الله أنه لا اله إلا هو والملائکه وأولو العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزیز الحکیم* إن الدین عند الله الإسلام} آل عمران ۱۸-۱۹.
إنهم یرون فیه النعمه الکبرى التی أنعم الله بها على عباده، وأرسل بها جمیع رسله منذ آدم حتى خاتم النبیین والرسل علیهم الصلاه والسلام، والذی نزل الاسلام على قلبه لجمیع الناس وحتى قیام الساعه، وصدق القائل عز وجل:{ الیوم أکملت لکم دینکم وأتممت علیکم نعمتی ورضیت لکم الاسلام دینا} المائده ۳.
الإسلام هو الحل الوحید
ولأن الإسلام هو العقیده والشریعه ونظام الحیاه الذی ارتضاه الله لعباده، وهو وحده الذی یعلم ما فیه نفعهم وصالحهم، کما یعلم سرّهم وعلانیتهم.. فقد کان الإسلام وسیظل هو الحل الوحید لمشاکل وأزمات البشریه، یعرف ویلبی مطالب الروح والنفس فی توازن، ویربی فی الناس وازع الإیمان والخشیه والرحمه، ویطبع فی القلوب على الجوارح حب الخیر، ویزرع فیهم الضوابط الداخلیه تمارس دورها قبل الضوابط الخارجیه، یؤکد القیم والمثل، کما یؤکد العفه الفضائل، نادى فی الناس أن الأمن والحریه حق فطری للکافه ولا فضل لعربی على أعجمی إلا بالتقوى، أسس البناء الاجتماعی على الإیمان والعلم والعدل والإنصاف والمساواه والعزه والکرامه ورفض الضیم، وجعل حسابا فی الدنیا من خلال شریعه سمحه حازمه عادله، وحسابا فی الآخره لمن اتقى وأحسن أو اساء وانحرف.
لقد جعل الإسلام التربیه رکنا أساسیا من أرکان بناء المجتمعهالصالح، أکدها فی البیت لتنشئه الفرد الصالح والأسره الصالحه وأوضى الآباء والأمهات بتخریج أجیال تعرف رسالتها وتؤدی دورها، ولا تقصر فی نشر الخیر والنور والحق والعدل کخیر أمه أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنکر، وتنطلق من جمیع تصرفاتها وممارساتها من إیمانها بالله وخشیته وحبه والحب فیه.
کما أکد التربیه فی دور التعلیم ومعاهده فی إطار سیاسه تعلیمیه وتربویه ومن خلال برامج للإعلام تلتزم قیمه وتعالیمه وضوابطه وتسعى لتحقیق أهدافه، وعبر وسائل للاتصال تنقل المعرفه والمعلومه وتلتزم الصدق والعفه ولا تعرف الإنحراف.
وحین یستقیم فهم الإسلام ویتأصل إیمانا عمیقا فی القلوب، وفهما صحیحا فی العقول، وتطبیقا دقیقا على أرض الواقع وعبر الجوارح، تتواصل قافله الدعاه على طریق الدعوه، من خلال أنماط من الدعاه هم وحدهم القادرون على حمل وتبلیغ الرساله، وتربیه الأجیال فی الإطار وعلى المستوى المطلوب والمأمول، وهو الجانب الذی لمسه د. عبدالعظیم رمضان فی مقاله السابع من أغسطس عام ۱۹۹۹ م بجریده الأهرام حین قال:" إن العهد الذهبی للتربیه هو العهد الذی تولى فیه الاخوان المسلمون بقیاده الشیخ حسن البنا الدعوه" وإن کان قد جانبه الصواب حینما أردف:" ولکنهم بدءوا بالتبشیر بالفضیله والآداب الاسلامیه والخلق الاسلامی وانتهوا بالتبشیر بالحکومه الاسلامیه المزعومه والانقلاب، ونسوا أن المقصود بالحکومه الإسلامیه هو حکومه کل فرد، أی أن یحکم کل فرد فی المجتمع نفسه إسلامیا، فتتحقق مراقبه الله تعالى ولیس أن یحکمه حاکم إسلامی من قصر الحکم".
لقد اعترف الرجل بالحقیقه حین أکّد أن العصر الذهبی للتربیه کان هو العهد الذی تولى فیه الإخوان المسلمون الدعوه، لکنه حاد عن الفهم الصحیح حین اتهم الاخوان بالسعی الى السلطه والانقلاب، وأیضا حین فصل بین إسلامیه الإنسان وإسلامیه الحکم والسلطان، وهو فی هذا یلتقی مع الذین یرون فاصلا بین الدوله والسیاسه، وینسون أو یتناسون أن الإسلام جاء من عند الله دینا شاملا ینظم أمور الدنیا وأمور الآخره، أمرو العباده وأمور الاقتصاد والسیاسه وأمور التشریع والجهاد، بل لقد جعل الجد فی العمل، والسعی للرزق والهمه فی الکسب الحلال والصدق فی البیع والشراء.. من أمور العباده، کما أن الرسول علیه الصلاه والسلام والخلفاء الراشدین من بعده لم یقصروا مهمتهم على أمور الدین بعد أن قامت الدوله فی المدینه وترکوا أمور الدنیا ینهض بها آخرون، ولأن الإخوان المسملین قد أکدوا الفهم الصحیح للإسلام، ودعوا الیه وعملوا به فإنهم قد أکدوا ویؤکدون أنهم لم ولن یجعلوا الحکم هدفا من أهدافهم، وأنهم لا یریدون الحکم لأنفسهم، ولکنهم یطالبون بتطبیق شرع الله والعیش فی ظلال وإطار نظام الإسلام وسیکونون الجند المخلصین والأعوان الصادقین لأی حاکم یطبق شرع الله عز وجل، کما أنهم عقدوا العزم على أن یبذلوا کل ما فی طاقاتهم من أجل المساهمه والعمل فی میدان تربیه النشء وتصحیح المفاهیم والتزام العمل والسلوک للقیم والمثل والسعی لما فیه الخیر والأمن والسلام والاستقرار والتقدم حتى تتبوأ الأمه موقعها ومکانها کخیر أمه أخرجت للناس تقود الى الخیر والنور، والعدل والإنصاف.
ولن یتخلى الاخوان عن دعوتهم کما لن یتوقفوا عن المسیره لاتهام غیرهم لهم بأنهم یسعون الى السلطه من خلال رفع شعار " الإسلام هو الحل"؛ وذلک لأنهم حریصون على رضا الله والفوز بما عنده، لأن ما عند الله هو خیر وأبقى.
ـ۳ـ
ظهرت دعوات الاخوان المسلمین فی ثنایا السحب المتراکمه فی آفاق العالم الاسلامی فعلمت وأنارت وبعثت الیقظه بعد طول خمول، وهی ترفع شعاراتها وتعلن عن غایاتها العظیمه التی انتهجت الاقتداء بالسلف الصالح رضوان الله علیهم فی الوصول إلیها، ومن بین هذه الأغارض العظیمه.
· تصحیح فهم المسلمین لدینهم وعرض المفاهیم الإسلامیه عرضا واضحا کریما یوافق روح العصر ویکشف عما فیها من روعه وجمال.
· جمع المسلمین عملیا على مبادئ الإسلام وتجدید أثره القوی فی النفوس.
· خدمه المجتمعات، ومحاربه الجهل والفقر والمرض والرذیله وتشجیع البر والسعی لتحقیق الصالح العام.
· بیان موقف الإسلام من المال وکسبه عن طریق الحلال، وإنفاقه فیما یحقق صالح الإسلام والمسلمین.
· التبشیر بالإسلام والسعی لإحیائه فی النفوس على مستوى کافه الأقطار؛ لأن دعوه الإسلام لیست قاصره على شعب دون شعب أو قطر دون قطر، ولکنها جاءت کما قال سبحانه وتعالى فی محکم آیاته وهو یخاطب رسوله ونبیه { لتخرج الناس من الظلمات الى النور} إبراهیم ۱، ومن خلال هذا وعلى أساس من هذا التأصیل والتأسیس تنهض وحده عالمیه تجمع الناس على الخیر والهدى.
أیضا من مقاصد دعوه الإخوان أن ینهض الإخوان کدعاه الى الله عز وجل ببیان وتوضیح آفاق وأبعاد ومعالم القضیه المهمه والرئیسیه التی جاء بها الرسل جمیعا وفصلها وأکدها القرآن، وهی خلافه الله فی الأرض، فقد کرّم الله الإنسان ونفخ فیه من روحه وأسجد له الملائکه وقال فی کتابه الحکیم { ولقد کرّمنا بنی آدم وحملناهم فی البرّ والبحر} الإسراء ۷۱.
وکافه العبادات التی فرضها الله على عباده إنما فرضت لصالحهم لترتفع بهم الى مستوى الخیر والتقوى والتزام العمل الصالح وتحرّی الحلال، والبعد عن الحرام، وتوثیق الصله بالله سبحانه، کما أن من بین مقاصد الدعاه الى الله عز وجل أن یذکّروا الناس بالمستقبل اللانهائی الذی ینتظر البشر کافه، یوم القیامه وما یتطلبه ذلک من یقظه وعمل والتزام فی إطار نظره توازن بین حاجات النفس وحاجات الروح، وتحول دون الاستغراق فی متع الدنیا وشهواتها وزخارفها مع المراجعه المتواصله لمسیره الحیاه ینهض بها کل إنسان لیضبط خطواته، ویلجم شهواته، ویغلب جانب الخیر فی نفسه مع وازع الإیمان والخشیه فی قلبه على جوانب النزوات والشهوات.
وحجه الدعاه وبینتهم لیس کمثلها حجه أو بینه خاصه وأنهما مستمدتان من کتاب الله عز وجل، وهو القائل سبحانه یصف الذین اغوتهم الدنیا وانخرطوا فی قاعها ولهوها:{ والذین کفروا یتمتعون ویأکلون کما تأکل الأنعام والنار مثوىً لهم} محمد ۱۲.
وحین ینهض الدعاه ببیان مقاصد دعوتهم ویلتزمون بأداء واجباتهم الدعویه فهم ینهضون فی نفس الوقت بدورهم کشهداء على البشریه ویضاعفون السعی والجهد کی یتبوأوا مواقع الریاده والقیاده للنهوض بهذا الدور النبیل العظیم والأخذ بید البشریه لما فیه خیرها والابتعاد بها عن الانحراف أو الهدم والتخریب أو الصراع والاقتتال، لأن الاسلام جاء بالعدل والانصاف وأکد الحریه والأمن کما أکد السلام والتعاون ونهى عن العدول والافتئات على حقوق الدول أو الأفراد.
من أجل هذا فإن الإخوان وهم یرفعون شعار " الإسلام هو الحل" یعرفون ـ ویدرکون ما یترتب على ذلک من التزامات عظیمه وتضحیات کبیره وأنماط من العمل الدائم والبذل والعطاء المتواصلین، لأنهم بسعون للأخذ بید البشریه لما فیه خیرها ونفعها وفلاحها، کما یدرکون فی الوقت نفسه أنماط العقبات والحواجز والصعاب الضخمه التی تعترض سبیلهم، وأن دعوتهم ـ وهی لخیر الناس کافه وما فیه صالحهم ـ ستلقى خصومه شدیده، وعدواه قاسیه من قبل جهات مختلفه، منها الحکومات، ومنها فریق من العلماء الرسمیین، ومنها الجاهلون، وفی هذا یقول الإمام البنا:" إن دعوتکم ما زالت مجهوله عند کثیر من الناس، ویوم یعرفونها ویدرکون مرامیها ستلقى منهم خصومه شدیده وعداوه قاسیه، وستجدون أمامکم کثیرا من المشقات والعقبات، وفی هذا الوقت وحده تکونون قد بدأتم تسلکون سبیل أصحاب الدعوات، وسیقف جهل الناس بحقیقه الاسلام عقبه فی طریقکم وستجدون من أهل التدین والعلماء الرسمیین من یستغرب فهمکم للإسلام، وسیحقد علیکم حکماء وزعماء وذوو سلطان وجاه، وستقف فی وجهکم کل الحکومات، وتحاول کل حکومه أن تحد من نشاطکم أو تضع العراقیل فی طریقکم، وسیتذرع الغاضبون بکل طریق لمناهضتکم، وسیستعینون بالأیدی الممتده الیهم بالسؤال وإلیکم بالإساءه والعدوان، وستدخلون فی دور التجربه والامتحان، فستسجنون وتقتلون وتشردون تصادر مصالحکم وتفتش بیوتکم".
کان حسن البنا صاحب البصیره النافذه، یدرک أن أبعاد الطریق، ومعالم الطریق، وفی الوقت نفسه عقبات ومتاعب ومحن الطریق، وهو أمر أدرکه الدعاه الذین مضوا على الطریق وواصلوا مسیره الدعوه من بعده.
متطلبات على مستوى الدعاه والوسائل
کما أدرک الدعاه أن للمضی على هذا الطریق متطلبات على مستوى الدعاه أنفسهم وعلى مستوى السبل والوسائل.
إن حمل هذه الرساله والتبشیر بین الناس بهذه الدعوه الغالیه إنما یتطلب من الفئه التی تحمل الأمانه أن تتوافر لها قوه نفسیه عظیمه تمثل فی إراده قویه لا یتطرق إلیها الضعف، ومعرفه صحیحه بالمبدأ وإیمان لا یتزعزع، ووفاء ثابت لا یعدو علیه تلوّن، وتضحیه لا یحول دونها طمع ولا بخل مع تقدیر للأمور، والحقائق، یعصم من الخطأ أو الاندفاع أو الاحجام ویقود الى الصواب ویتسم بالفطنه والحنکه.
وعلى مستوى الوسائل والأسلحه یأتی سلاح الحق على رأس کل الأسلحه التی یجب أن یتسلح بها الدعاه وهو سلاح لا یفل ولا تنال منه اللیالی والأیام، فالحق باق خالد والله سبحانه یقول { بل نقذف بالحق على الباطل فیدمغه فإذا هو زاهق} الأنبیاء ۱۸، { وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل کان زهوقا} الإسراء ۸۱.
أیضا یأتی سلاح الإیمان کسر من أسرار القوه لدى الدعاه لا یدرکه إلا الدعاه المؤمنون الصادقون، وما تواصلت مسیره الدعاه والجهاد إلا بالإیمان.
وإذا صدق العزم وضح السبیل وصدق الله إذ یقول { وکان حقا علینا نصر المؤمنین} الروم ۴۷، وإن تخلى جند الأرض عن الدعاه فإن معهم جند السماء، شریطه التزامهم الطریق وسعیهم نحو الغایات، مع خلوص النیات والصدق فی التوجهات.
کما یأتی الأمل بعد ذلک سلاحا له بأسه ودوره، فالدعاه لا یعرفون الیأس ولا الملل ولا التراجع، ولا التبدیل أو الانحراف ولا یسبقون الحوادث ولا یضعف من همتهم طول الجهاد، ویتمثلون قول الله سبحانه:{ حتى إذا استیأس الرسل وظنّوا أنهم کُذبوا جاءهم نصرنا فنجّی من نّشاء ولا یردّ بأسنا عن القوم المجرمین} یوسف ۱۱۰. { إنه لا ییأس من روح الله إلا القوم الکافرون} یوسف ۸۷.
أیضا من بین الأسلحه الفاعله التی یتسلح بها الدعاه، الصبر مع الاحتساب، إضافه الى الإشفاق على الذین ینهضون بالعدوان على الدعاه أو بتعذیبهم، ولا یغب عن أذهانهم أن الرسول علیه الصلاه والسلام کان یدعو بالهدایه لقومه الذین یؤذونه، ویقول:"اللهم اهد قومی فإنهم لا یعلمون".
دلائل وبشائر النجاح عند الدعاه
ومع الإیمان العمیق والفهم الصحیح والتطبیق الدقیق، ومع الأخذ بالأسباب، والتسلح بکافه أسلحه الدعاه، ومع الأمل الکبیر فی ستر وتوفیق الله ومع السعی الدؤوب للفوز برضاه یستشعر الدعاه دلائل ومبشرات النجاح، ویستشفون فی الآفاق ملامحه، وهم یدرکون قبل وأکثر من غیرهم أن العالم کله فی حاجته الى هذه الدعوه، وأن مجریات الأحداث على ساحته، وتطوراتها وآثارها ونتائجها على کافه الساحات توحی کلها أنه أمام خیار قادم، فإنا أن یؤوب الى الرشد ویبحث عن سبل النجاه، وإما أن یسارع الخطو على طریق الانحدار ثم الهلاک، وأصوات التعقل وصیحات التحذیر، هنا وهناک، تنبئ أن العالم متجه الى طریق النجاه، بعد أن اکتوى بنار الشهوات، وطغیان الانحراف والضلال.
إن الدعاه الى الله وهم روح یسری فی قلب هذه الأمه کما أنهم جزء من نسیجها یحیونها بالقرآن، ویسرون فیها کنور جدید یبید الظلام بمعرفه الله یعلو صوتهم منادیا مرددا دعوه رسول الله علیه الصلاه والسلام فی السعی للحق دون غلو، والصبر على الأذى فی احتساب، فی حب الناس وحرص علیهم دون طمع فی أجر من بشر.
إنهم وهم یرفعون شعار "الإسلام هو الحل" وینادون به بین الناس سبیلا وحیدا لنجاتهم وخروجهم من المآزق والأزمات الى سعه التیسیر والیسر وسکینه الطمأنینه والأمن، یدرکون من خلال فهم للإسلام کما جاء به محمد علیه الصلاه والسلام أن الحکومه جزء منه والحریه فریضه من فرائضه، والعدل والإنصاف والمساواه رکائز رئیسیه من مجتمعه والأخوه والحب هما روابطه الأصیله بین الذین یسعدون بالعیش فی ظلاله ویمضون على خطى من سبقهم على الطریق، إذا نزلت بهم محنه، صبروا واحتسبوا، دون أن تتوقف المسیره أو یتوقف العطاء والبذل والتضحیه.
تآمرت علیهم القوى الدولیه عام ۱۹۴۸ بعد أن سجلوا على صفحات التاریخ أنماطا من الجهاد ضد الیهود المستعمرین المعتدین على أرضه فلسطین، وروت دماؤهم ثراها ورباها وودیانها، وجرى اغتیال الإمام الشهید حسن البنا، ثم جاءت أحداث ۱۹۵۴ وتعرضوا للظلم والجور والتعذیب والقتل، فصبروا ثم جاءت أحداث ۱۹۶۵ ولا یزالون یتعرضون للاعتقال بل ووصل الأمر الى مستوى المحاکمات فلم یتخلوا عن صبر الدعاه، ولم یتوقفوا عن مسیره الدعوه، بل واصلوا التبشیر بین الناس، وهم یرفعون شعار "الإسلام هو الحل"، لأنه وحده هو الحل، حقا ویقینا.
ـ۴ـ
لقد علمتنا التجارب وعرفتنا الحوادث أن داء أممنا الشرقیه الاسلامیه مشعب المناحی کثیر الأغرض وقد نال معظم مظاهر حیاتها، فهی مصابه من ناحیتها السیاسیه بما ترکه استعمار الأعداء من آثار کالفرقه والشتات من جانب أبنائها، وفی ناحیتها الاقتصادی بانتشار الربا وتغلغل الشرکات الأجنبیه وتحکمها فی مواردها وخیراتها، وهی أیضا مصابه من ناحیتها الفکریه بمحاولات تحطیم المثل العلیا فی نفوس أبنائها ومحاولات الشکیک فی العقیده الاسلامیه، وفی ناحیتها الاجتماعیه بانحرافات فی العادات والأخلاق والتحلل من عقده الفضائل الإنسانیه التی ورثتها عن الغرّ المیامین من أسلافنا وبالتقلید الغربی الذی یسری فی مناحی حیاتها سریان لعاب الأفاعی فیسمم دماءها ویعکر صفو هنائها.
کما أصیبت بالقوانین الوضعیه التی لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتدیا ولا ترد ظالما ولا تغنی یوما من الأیام غناء القوانین السماویه التی وضعها خالق الخلق ورب الناس وبارئها، وکذلک أصیبت بفوضى فی سیاسه التعلیم والتربیه تحول دون التوجیه الصحیح لنشئها ورجال مستقبلها وحمله أمانه النهوض بها، وفی ناحیتها النفسیه بضعف ووهن وشح یکف الأیدی عن البذل وتقف حجابا دون التضحیه والجهاد.
هکذا نرى تغلب الجانب المادی على الجانب الروحی ویقاس الناس بما عندهم من مال وانتشرت الأنانیه وعم الفقر وکثرت الجرائم من قتل وإغتصاب کما نرى جور الحکام وظلم الشعوب.
فماذا یرجى من أمه اجتمعت على غزوها کل هذه العوامل بأقوى مظاهرها، هذه الأدواء کفیله بقتل مجموعه من الأمم فکیف وقد تفشت جمیعا فی کل أمه على حده؟ ولولا مناعه وحصانه وجلاده وشده فی هذه الأمم لعفت على آثارها ولبادت من الوجود ولکن یأبى الله ذلک والمؤمنون.
فکلنا أمل وشعور ولسنا یائسین وسنصل الى خیر کثیر إن شاء الله فکل ما حولنا یبشر بالأمل رغم تشاؤم المتشائمین.
مقارنه وقیاس
لو نظرنا الى ما کانت علیه الأمم العربیه فی الجزیره العربیه قبل ظهور الاسلام ثم ما أحدثه الإسلام فیها من تغییر کبیر، نجد أنفسنا على یقین تام بأن "الإسلام هو الحل" لواقعنا الذی نعیشه.
فالجاهلیه المستحکمه وعباده الأصنام التی لا تضر ولا تنفع ووأد البنات وانتشار الخمر وألوان الفساد والعصبیات والحروب المستمره ثم کیف قوبل رسول الله صلى الله علیه وسلم ودعوته الى عباده الله وحده بکل ألوان الحرب والکید والإیذاء والتعذیب بل والقتل، ولکن الله حفظه ورعاه ونصره فإذا بهذه الأمه المتهلفه تتحول الى أمه تقود البشریه الى کل خیر قوه وعزه.
لقد أتى على هذه الأمم الشرقیه حین من الدهر جمدت وسکنت حتى کادت تفقد کیانها ولکنها الآن تغلی غلیانا بیقظه شامله فی کل مناحی الحیاه وتضطرم اضطراما بالمشاعر الحیه القویه والأحاسیس العنیفه، ولولا ثقل القیود من جهه والفوضى فی التوجیه من جهه أخرى لکان لهذه الیقظه أروع الآثار، ولن تظل هذه القیود قیودا الى الأبد فإنما الدهر قلُّب فما بین طرفه عین وانتباهتها یغیّر الله من حال الى حال، فبعد الحیره هدى، وبعد الفوضى استقرار، ولله الأمر من قبل ومن بعد، لهذا لسنا یائسین أبدا وآیات الله تبارک وتعالى وأحادیث الرسول صلى الله علیه وسلم فی تربیه الأمم وإنهاض الشعوب بعد أن تشرف على الفناء کل ذلک ینادینا بالأمل الواسع ویرشدنا الى طریق النهوض.
والآیات الکریمه فی أول سوره القصص نرى فیها کیف یطغى الباطل ویعتز بقوته ویطمئن الى جبروته ویغفل عن عین الحق التی ترقبه حتى إذا فرح بما أوتی أخذه الله أخذ عزیز مقتدر وأبت إراده الله إلا أن تنتصر للمظلومین وتأخذ بناصیه المهضومین المستضعفین فإذا الباطل منهار من أساسه وإذا الحق قائم البنیان متین الأرکان وإذا أهله هم الغالبون، یقول الله تعالى:{ طسم (۱) تِلْکَ آیَاتُ الْکِتَابِ الْمُبِینِ (۲) نَتْلُوا عَلَیْکَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ (۳) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِی الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِیَعاً یَسْتَضْعِفُ طَائِفَهً مِّنْهُمْ یُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَیَسْتَحْیِی نِسَاءهُمْ إِنَّهُ کَانَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ (۴) وَنُرِیدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِینَ اسْتُضْعِفُوا فِی الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّهً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِینَ (۵) وَنُمَکِّنَ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَنُرِی فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا کَانُوا یَحْذَرُونَ (۶)} القصص ۱-۶.
حضاره المتع والشهوات
حضاره المتع والشهوات التی نشأت فی الأمم الأوروبیه وحرصت تلک الأمم على غزو أقطارنا الإسلامیه بهذه الحضاره المادیه وکأنهم تنبهوا الى أنها أشد تأثیرا وأدوم أثرا فی إضعاف المسلمین من الحرب الصلیبیه التی ارتدت على أدبارها، فقد جلبوا الى هذه الدیار نساءهم الکاسیات العاریات وخمورهم ومسارحهم ومراقصهم وملاهیهم وروایاتهم وخیالاتهم وعبثهم ومجونهم وأباحوا فیها من الجرائم ما لم یبیحوا فی دیارهم وزینوا هذه الدنیا الصاخبه العابثه التی تعج بالإثم وتطفح بالفجور فی أعین البسطاء الأغرار من المسلمین الأغنیاء وذوی المکانه العالیه والسلطان.
ونجح هذ الغزو الاجتماعی المنظم، فهو غزو محبب الى النفوس لاصق بالقلوب طویل العمر قوی الأثر وهو لهذا أخطر من الغزو السیاسی والعسکری.
لقد ظهر فی هذه الحقبه من الزمان بعض الکتاب والمفکرین الذین یدعون الى المادیه وترک الإسلام سواء کانوا مقتنعین أو مأجورین وارتفعت أصوات الدعاه الى الفکره الطاغیه أن خلوصنا مما بقی من الاسلام وارتفعت أصوات المارکسیه الملحده وتجرأت أقلام بالهجوم على شریعه الله السمحه العادله، ویشککون فی صلاحیتها لکل زمان ومکان، ولکن کل ما یکتبون لن یبقى له أثر فی نفوس الشعب المتدین وستکون أعمالهم وأقوالهم کرماد اشتد به الریح فی یوم عاصف.
ودیننا الإسلام یدعوننا الى العلم والتقدم والرقی، فالحکمه ضاله المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، ولا ننسى أن الذین وضعوا أصول العلوم الحدیثه هم المسلمون، ولکن الإسلام یأبى أن نتشبه فی کل شیء بمن لیسوا من دین الله على شیء، ولا یجوز أن تطرح عقائد الإسلام وفرائضه وحدوده وأحکامه لنجری وراء قوم فتنتهم الدنیا واستهوتهم الشیاطین، نحن نثق کل الثقه فی دیننا وأنه وحده هو الطریق للصلاح والإصلاح ولتحقیق خیری الدنیا والآخره فـ "الإسلام هو الحل".
واجب التصدی لهذه الموجه المادیه
هکذا صار واجبا على المسلمین جمیعا أن یتصدوا لهذه الموجه الطاغیه من مدنیه الماده وحضاره المتع والشهوات وأن یعملوا على حسرها عن أرضنا، وتلبیه لهذا الواجب وبعد سقوط الدوله والخلافه العثمانیه.. حرکت هذه المشاعر الإمام الشهید حسن البنا وجعلته یفکر ویستشیر العلماء والزعماء المسلمین حول سبیل الإنقاذ من هذه الحاله المتردیه، ومن منطلق ثقته القویه بالله وتأییده لعباده المؤمنین وثقته بقوه الإسلام الذاتیه وتأثیره القوی فی إحیاء النفوس وتولیده العزه والقوه فی أبنائه قام وأنشأ جماعه الإخوان المسلمین بعد سقوط الخلافه وحدد لها هدفین أساسیین:
الأول: أن یتحرر الوطن الإسلامی من کل سلطان أجنبی وذلک حق طبیعی لکل إنسان لا ینکره إلا ظلم جائر أو مستبد قاهر.
الثانی: أن تقوم فی هذا الوطن الحر دوله إسلامیه حره تعمل بأحکام الإسلام وتطبیق نظامه الاجتماعی وتعلن مبادئه القویه وتبلغ دعوته الحکیمه للناس وما لم تقم هذه الدوله فإن المسلمین جمیعا آثمون مسؤلون بین یدی الله العلی الکبیر عن تقصیرهم فی إقامتها وقعودهم عن إیجادها، وهکذا أوضح للمسلمین جمیعا أن علیهم واجبا دینیا غفلوا عنه وهو العمل لإقامه دوله الإسلام وضروره العمل الجماعی المنظم لتحقیق هذا الهدف الکبیر.
ثم نجد الرجل بثقه المؤمن وبکل العزه والعزم الصادق یتحدى هذه الموجه من مدنیه الماده وحضاره المتع والشهوات التی فعلت فعلها فی مجتمعاتها وترکت بصماتها السیئه فیقول ( ما مهمتنا نحن إذن الإخوان المسلمین؟ هی أن نقف فی وجه هذه الموجه الطاغیه من مدنیه الماده التی جرفت الشعوب الإسلامیه وأبعدتها عن زعامه النبی صلى الله علیه وسلم وهدایه القرآن وحرمت العالم من أنوار هدیها وأخّرت تقدمه مئات السنین حتى تنحسر عن أرضنا ویبرأ من بلائها قومنا، ولسنا واقفین عند هذا الحد بل سنلاحقها فی أرضنا ونغزوها فی عقر دارها حتى یهتف العالم الاسلامی کله باسم النبی صلى الله علیه وسلم وتوقن الدنیا کلها بتعالیم القرآن وینتشر ظل الاسلام الوارف على الأرض وحینئذ یتحقق للمسلم ما ینشد فلا تکون فتنه ویکون الدین کله لله { لله الأمر الأمر من قبل ومن بعد ویومئذ یفرح المؤمنون* بنصر الله ینصر من یشاء وهو العزیز الرحیم} الروم ۴-۵.
هذا الکتاب
لا تکاد الأمه الإسلامیه الآن تجمع على شیء قدر إجماعها على أن (( الإسلام هو الحل))، وهو العلاج الشافی لکل مشاکلها وأزماتها، ولکل أمراضها وآلامها… لقد جربت الأمه الکثیر من المناهج، وفرضت علیها أفکار ومعتقدات بعیده عن حضارتها ودینها، ولکنها عادت لتؤکد من جدید أن طریق الإیمان والاسلام هو الطریق الوحید، القادر على إعادتها الى موقع عزها وفخارها، وأصبح الأمل قویا فی قرب ذلک الیوم الذی تتحکم فیه الأمه فی قرارها، وتعود الى شریعه ربها..
والبعض یتساءل عن شعار (( الاسلام هو الحل)) بحسن نیه أو بغیرها.. ماهیه هذا الشعار؟ وما یهدف إلیه؟.. ولتوضیح الصوره کان هذا الکتاب.
شکرا جزیلا