الرقص ، الرقص المحظور، رقص النساء ، رقص الصوفیه، فی الاسلام
الرقص،الرقص المحظور، رقص النساء ، رقص الصوفیه، فی الاسلام
الرقص
من ألوان اللهو والترویح التی اتخذها الناس فی بلدان مختلفه، وفی عصور شتى: الرقص.
ولا نستطیع أن نقول: الرقص کله مباح، أو الرقص کله محظور.
فحسب نوع الرقص، ومن یقوم به من رجل أو امرأه، وما یصاحبه من محرم شرعی أو لا یصاحبه، یکون الحکم علیه.
الرقص المباح:
فمن المباح: رقص الرجال فی المناسبات الساره، بما لا یکشف عوره، ولا یؤذی أحدا، ولا یعطل عن صلاه أو واجب، ولا ینافی قیمه دینیه أو خلقیه حث علیها الإسلام.
وأوضح دلیل على مشروعیه هذا النوع هو: رقص الحبشه بحرابهم فی مسجد النبی صلى الله علیه وسلم فی یوم عید بمشهده وتشجیعه وحثه لهم، حتى کان یقول لهم: " دونکم یا بنی أرفده " وهو اسم ینادى به الحبشه. کما یقال للروم: یا بنی الأصفر، ونحو ذلک.
روى الشیخان وغیرهما عن عائشه رضی الله عنها قالت: دخل علیَّ رسول الله صلى الله علیه وسلم، وعندی جاریتان تغنیان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش، وحول وجهه، ودخل أبو بکر فانتهرنی، وقال: مزماره الشیطان عند النبی صلى الله علیه وسلم؟ فأقبل علیه رسول الله، وقال: دعهما، فلما غفل غمزتهما فخرجتا.
قالت: وکان یوم عید فیه السودان (أی الحبشه) بالدرق والحراب، فإما سألت النبی صلى الله علیه وسلم، وإما قال: " تشتهین تنظرین؟ " فقلت: نعم، فأقامنی وراءه، خدی على خده، وهو یقول: "دونکم یا بنی أرفده" حتى إذا مللت، قال: "حسبک"؟ قلت: نعم. قال: "فاذهبی".[1]
وروى الشیخان أیضا عن أبی هریره قال: بینا الحبشه یلعبون عند النبی صلى الله علیه وسلم بحرابهم، دخل عمر، فأهوى إلى الحصى، فحصبهم بها، فقال: "دعهم یا عمر".[2]
وروى الإمام أحمد فی مسنده عن علی رضی الله عنه: أتیت النبی صلى الله علیه وسلم وجعفر وزید (أی ابن حارثه) فقال لزید: أنت موالی (وفی روایه: أنت أخونا ومولانا) فحجل، قال: وقال لجعفر: أنت أشبهت خَلْقی وخُلُقی، فحجل وراء زید، قال: وقال لی: أنت منی، وأنا منک، قال: فحجلت وراء جعفر.[۳]
والحجل: أن یرفع رِجْلا ویقفز على الأخرى من الفرح. وقد یکون بالرجلین إلا أنها تسمى قفزا.
والحجل هو ضرب من الرقص، وإنما رقص زید وجعفر وعلی رضی الله عنهم، تعبیرا عن فرحهم بثناء رسول الله صلى الله علیه وسلم على کل منهم.
وقد ذکر الحافظ البیهقی هذا الحدیث فی سننه تحت عنوان (باب من رخص فی الرقص إذا لم یکن فیه تکسر ولا تخنث). وساق الحدیث ثم قال: هانئ بن هانئ ـ أحد رواته ـ لیس بالمعروف جدا، وفی هذا ـ إن صح ـ دلاله على جواز الحجل.. فالرقص الذی یکون على مثاله یکون مثله فی الجواز، والله أعلم.[۴]
وقوله: لیس بالمعروف جدا، یعنی أنه معروف، وإن لم یکن جدا، ویکفی أن الإمام البخاری ذکره فی تاریخه الکبیر، وقال: (سمع علیا) ولم یذکر فیه جرحا.
وتأسیسا على ذلک لا نجد أی حرج شرعی فی الرقصات الشعبیه المشهوره المتوارثه فی الأقطار العربیه والإسلامیه المختلفه، والتی یمارسها الناس فی المناسبات الساره مثل الأعیاد الدینیه، والذکریات القومیه، والأفراح الشعبیه، کما فی رقصات العرضه والرقص بالسیف فی بلاد الخلیج، ورقصات (الدبکه) فی فسلطین وبلاد الشام بصفه عامه، ومثل التحطیب واللعب بالعصا فی مصر. وفی کل بلد نجد ألوانا من الرقص الشعبی المعبر عن الفرحه والابتهاج، لیس فیه تکسر ولا تخنث، ولا یعمد إلى أی نوع من أنواع الإثاره. ومثل هذا لا ینکر شرعا.
ومما یدخل فی هذا: رقص النساء فی الأعراس، بعضهن مع بعض، مجامله للعروس، إذا لم یشتمل على منکر آخر یقارفه.
الرقص المحظور:
وإذا کان ما عرضنا له هنا بعض من الرقص المشروع والمأذون به، فهناک ألوان أخرى من الرقص تعد محظوره شرعا، لما تشتمل علیه من مخالفات ینکرها الدین.
الرقص النسائی الشرقی:
من الرقص المحظور: ما یعرف باسم (الرقص الشرقی) وهو رقص تقوم به المرأه المحترفه لهذه المهنه، تتثنى فیه وتتکسر وتتلوى کأنها الأفعى، تعتمد على الإثاره الجنسیه للرجال الذین یشاهدونها ویبذلون الأموال لها، ولا سیما أنها کاسیه عاریه، بل تکاد تکون عاریه غیر کاسیه، لأن المستور منها شبه مکشوف لنوع الثیاب التی تلبسها، فکأنما هی ملابس من زجاج.
ولا یشک عالم ـ بل ولا مسلم عادی ـ فی حرمه هذا النوع من الرقص لما فیه من تحریض على الإثم، وإغراء بالفاحشه.
وإذا کان تعمد النظر إلى المرأه إذا بدا من جسمها ما لا یحل کشفه حراما، فکیف إذا کان ذلک مع الإثاره والإغراء؟
رقص النساء (البالیه) أمام الرجال:
ومن الرقص المحظور ـ وإن کان دون السابق ـ: ما یسمى برقص (البالیه) وهو یقوم على الرشاقه والخفه والقدره على الحرکه والتثنی والارتفاع والانخفاض بسرعه وتفوق.
فإذا کانت المرأه تفعل ذلک فی ناد مغلق على النساء، ولا یشهده الرجال، فلا حرج فی ذلک، فهو ضرب من ضروب الریاضه. ما لم یکن فیه کشف لعوره محرمه.
ولکن الحرج یتأتى إذا تم ذلک فی حضور الرجال الذین لیسوا بمحارم لهؤلاء النساء، ولا یحل لهم الاطلاع على ما أمر الله بستره من زینتهن، کما قال تعالى: (وقل للمؤمنات یغضضن من أبصارهن ویحفظن فروجهن ولا یبدین زینتهن إلا ما ظهر منها ولیضربن بخمرهن على جیوبهن ولا یبدین زینتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بنی إخوانهن أو بنی أخواتهن أو نسائهن أو ما ملکت أیمانهن أو التابعین غیر أولی الإربه من الرجال أو الطفل الذین لم یظهروا على عورات النساء ولا یضربن بأرجلهن لیعلم ما یخفین من زینتهن وتوبوا إلى الله جمیعا أیها المؤمنون لعلکم تفلحون) النور:۳۱.
کما لا یجوز أن یصور هذا المشهد وینقل إلى الرجال أیضا.
المراقصه بین الرجال والنساء:
ومن الرقص المحظور شرعا: المراقصه بین الرجال والنساء، فنجد المرأه وقد التصقت برجل أجنبی عنها، وقد تماس جسماهما، ووضع کل منهما یده على جسد الآخر، ووقفا یتمایلان ویتثنیان یمنه ویسره، على أنغام الموسیقى التی تحرک السواکن، وتثیر الغرائز، وتوقد الشرر.
وقد یفعل ذلک بامرأه الرجل وهو جالس یتمتع بالنظر إلى امرأته وهی بین یدی رجل آخر، وکثیرا ما نراهم یتبادلون ذلک، فکل منهم یرقص مع زوجه الآخر.
وإیاک أن تعترض، فهذا الرقص ثقافه، وهذا الرقص حضاره، فلا تکن متخلفا، وتظن السوء بالأطهار والطاهرات. فمن الممکن أن تدخل فی أتون اللهب ولا تحترق، وأن تسقط فی أعماق البحر ولا تغرق!
وهذه بدعه دخیله على مجتمعاتنا، لم یکن یعرفها الناس حتى استوردناها فیما استوردناه من الغرب، الذی لا یعرف قیمنا فی الحیاء والإحصان والاحتشام، والذی لا یحکمه ما یحکمنا من شرائع الحلال والحرام.
وإذا کان الشرع قد حرّم النظر بشهوه إلى المرأه الأجنبیه، وحرّم الخلوه بها، سدا للذریعه إلى الفساد، وإغلاقا لباب قد تهب منه ریاح الفتنه، فما بالکم بهذا التلاصق والتَّماس فی جو الإثاره المصاحب له؟ وخصوصا مع إغراء الزینه والتأنق والتبرج، ومع کشف ما یحرم کشفه من بدن المرأه الذی أمر الله بستره (ولا یبدین زینتهن إلا ما ظهر منها، ولیضربن بخمرهن على جیوبهن)النور:۳۱.
*********
[۱] متفق علیه، کما فی اللؤلؤ والمرجان (۵۱۳) والدرق: الترس إذا کان من جلود فیه خشب.
[۲] متفق علیه. اللؤلؤ والمرجان (۵۱۴). وقد سبق.
[۳] رواه أحمد فی مسند علی برقم (۹۳۱) وقال محققو المسند : إسناده حسن.
[۴] انظر: السنن الکبرى للبیهقی (۱۰/۲۲۶).
——————
رقص الصوفیه:
کلامنا فیما مضى کان عن الرقص والتصفیق بنیه اللهو والترویح، إذ هو المقصود بالبحث هنا.
وهناک لون من الرقص والتصفیق یتعلق بهما، ذکره بعض العلماء، مما یقع من المتصوفه الذین یتقربون إلى الله تعالى بالسماع وما قد یکون معه من دق وآلات، وما قد یصاحبه، أو ینتج عنه من رقص وتصفیق، قد یزعم بعضهم أنه نشأ عن (حال) وجدانیه غلبت علیه، فلم یعد یملک أمر نفسه. وقد یفعل ذلک بعضهم تصنعا ومراءاه للناس.
وما حکم هذا النوع من الرقص وما معه من تصفیق ونحوه؟
وکنا قد عرضنا للغناء الدینی أو الغناء الصوفی وما یلحق به من رقص فی کتابنا عن (فقه الغناء والموسیقى) ولا بأس أن نشیر هنا إلى قضیه الرقص الصوفی تکمله للبحث، وإن کان قصدنا الأساسی هو اللهو والترویح.
ومن أبرز العلماء الذین عرضوا لمسأله الرقص عند الصوفیه: الإمام المجتهد عز الدین بن عبد السلام فی کتابه (قواعد الأحکام فی مصالح الأنام) فقد عرض فیه لمسأله سماع الصوفیه، وحرر فیه کلاما فی غایه التوازن والاعتدال، ثم إنه ـ وإن أباح بعض أقسام السماع ـ حط على من یرقص ویصفق عنده فقال:
وأما الرقص والتصفیق فخفه ورعونه، مشبهه لرعونه الإناث، لا یفعلها إلا راعن أو متصنع کذاب، وکیف یتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه وذهب قلبه , وقد قال علیه السلام : { خیر القرون قرنی ثم الذین یلونهم ثم الذین یلونهم }[۱] , ولم یکن أحد من هؤلاء الذین یُقتدى بهم یفعل شیئا من ذلک . وإنما استحوذ الشیطان على قوم یظنون أن طربهم عند السماع إنما هو متعلق بالله عز وجل، ولقد مانوا فیما قالوا، وکذبوا فیما ادعوا، من جهه أنهم عند سماع المطربات( الأشیاء المطربه) وجدوا لذتین اثنتین:
إحداهما لذه المعارف والأحوال المتعلقه بذی الجلال.
والثانیه : لذه الأصوات والنغمات والکلمات الموزونات الموجبات للذات النفس، التی لیست من الدین ولا متعلقه بأمور الدین , فلما عظمت عندهم اللذتان غلطوا فظنوا أن مجموع اللذه إنما حصل بالمعارف والأحوال , ولیس کذلک بل الأغلب علیهم حصول لذات النفوس التی لیست من الدین بشیء . وقد حرم بعض العلماء التصفیق لقوله علیه السلام : { إنما التصفیق للنساء }[۲] { ولعن علیه السلام المتشبهات من النساء بالرجال , والمتشبهین من الرجال بالنساء } , ومن هاب الإله وأدرک شیئا من تعظیمه لم یتصور منه رقص ولا تصفیق , ولا یصدر التصفیق والرقص إلا من غبی جاهل , ولا یصدران من عاقل فاضل , ویدل على جهاله فاعلهما أن الشریعه لم ترد بهما فی کتاب ولا سنه , ولم یفعل ذلک أحد الأنبیاء ولا معتبر من أتباع الأنبیاء , وإنما یفعل ذلک الجهله السفهاء الذین التبست علیهم الحقائق بالأهواء , وقد قال تعالى : { ونزلنا علیک الکتاب تبیانا لکل شیء } النحل : ۹۰. وقد مضى السلف وأفاضل الخلف ولم یلابسوا شیئا من ذلک , ومن فعل ذلک أو اعتقد أنه غرض من أغراض نفسه ولیس بقربه إلى ربه , فإن کان ممن یقتدى به، ویعتقد أنه ما فعل ذلک إلا لکونه قربه فبئس ما صنع؛ لإیهامه أن هذا من الطاعات , وإنما هو من أقبح الرعونات.
وأما الصیاح والتغاشی[۳]ونحوهما فتصنع وریاء.فإن کان ذلک عن حال لا یقتضیهما فإثم الفاعل من جهتین.إحداهما:إیهامه الحال الثابته الموجبه لهما.والثانیه:تصنعه وریاؤه،وإن کان عن مقتض أثم إثم ریاء لا غیر.وکذلک نتف الشعور وضرب الصدور،وتمزیق الثیاب محرم،لما فیه من إضاعه المال،وأی ثمره لضرب الصدور،ونتف الشعور،وشق الجیوب،إلا رعونات صادره عن النفوس أ هـ کلامه.[۴]
ونقل العلامه الألوسی فی تفسیره (روح المعانی) عن بعض الأجله من العلماء قوله: ومن السماع المحرم: سماع متصوفه زماننا وإن خلا عن رقص،فإن مفاسده أکثر من أن تحصى،وکثیر مما یسمعونه من الأشعار من أشنع ما یتلى،ومع هذا یعتقدونه قربه،ویزعمون أن أکثرهم رغبه فیه أشدهم رغبه أو رهبه، قاتلهم الله تعالى أنى یؤفکون.
قال الآلوسی:
( ولا یخفى على من أحاط خبرًا بما تقدم عن القشیری وغیره: أن سماعهم مذموم عند من یعتقدون انتصاره لهم،ویحسبون أنهم وإیاه من حزب واحد،فویل لمن شفعاؤه خصماؤه،وأحباؤه أعداؤه،وأما رقصهم علیه فقد زادوا به فی الطنبور رنه،وضموا ـ کسر الله تعالى شوکتهم ـ بذلک إلى السفه جِنّه،وقد أفاد بعض الأجله بأنه لا تقبل شهاده الصوفیه الذین یرقصون على الدف الذی قیل:یباح أو یسن ضربه لعرس وختان وغیرهما من کل سرور،ومنه قدوم عالم ینفع المسلمین، رادا على من زعم القبول فقال:وعن بعضهم:تقبل شهاده الصوفیه الذین یرقصون على الدف،لاعتقادهم أن ذلک قربه،کما تقبل شهاده حنفی شرب النبیذ،لاعتقاده إباحته،وکذا کل من فعل ما اعتقد إباحته. أهـ،ورد بأنه خطأ قبیح،لأن اعتقاد الحنفی نشأ عن تقلید صحیح،ولا کذلک غیره،وإنما منشؤه الجهل والتقصیر،فکان خیالا باطلا لا یلتفت إلیه أ هـ[۵].
*************
[۱]متفق علیه عن ابن مسعود وعن عمران بن حصین. کما فی اللؤلؤ والمرجان (۱۶۴۶،۱۶۴۷). رواه البخاری فی کتاب الشهادات( ۲۶۵۱) ومسلم فی کتاب فضائل الصحابه ( ۲۵۳۵) .
[۲]متفق علیه عن أبی هریره کما فی اللؤلؤ والمرجان (۲۴۴). رواه البخاری فی کتاب العمل فی الصلاه(۱۲۰۴) ومسلم فی کتاب الصلاه( ۹۵۱۴).
[۳]التظاهر بأنه مغشی علیه.
[۴] قواعد الأحکام فی مصالح الأنام ( ۲ / ۳۴۹ ،۳۵۰).
[۵] انظر: روح المعانی للآلوسی (۲۱/۷۱) وما بعدها.
—————————————
التصفیق
التصفیق: ضرب الید بالید بحیث تحدث صوتا مسموعا، وإذا تکرر أحدث صوتا منتظما، وفی الأمثال: الید وحدها لا تصفق.
والناس یستعملون التصفیق لعده مقاصد:
الأول: التنبیه، کما إذا دخل أحد دار أحد، وأراد أن ینبه صاحب الدار أو أهل الدار، صفق بیدیه، لیلعمهم أنه موجود.
وهذا ما جاء به الحدیث فی الإذن للمرأه المسلمه إذا صلت مأمومه، وقد أخطأ الإمام، وأرادت أن تنبهه من خلف الصفوف: أن تصفق بیدیها، لیعیها الإمام، إن أخطأ ویراجع. وفی الصحیح: " من رأبه شیء فی صلاته فلیسبح (أی لیقل: سبحان الله) فإنه إذا سبح التُفت إلیه، وإنما التصفیق للنساء ".[1]
وفی حدیث آخر: " التسبیح للرجال، والتصفیق للنساء "[2] أی داخل الصلاه.
الثانی: الإطراب، کأن یستخدم مساعدا للدف ونحوه من الآلات بصوره منتظمه کأنها موزونه، کما نشاهد ذلک فی الأغانی الخلیجیه وغیرها.
الثالث: الاستحسان، کما نشاهد فی تصفیق الجمهور حین یلقی الشاعر قصیده، أو یلقی الخطیب خطبه تهز المشاعر، فما أن یفرغ الشاعر أو الخطیب من إلقاء قصیدته أو خطبته أو جزء مهم منها، حتى تضج القاعه بالتصفیق.
الرابع: التعبد، وهو ما کان یفعله أهل الجاهلیه العربیه من مشرکی قریش وأمثالهم من الصفیر والتصفیق عند المسجد الحرام، وهو ما أنکره علیهم القرآن الکریم حین قال: (وما کان صلاتهم عند المسجد إلا مکاء وتصدیه) الأنفال: ۳۵.
قال القرطبی:
قال ابن عباس: کانت قریش تطوف بالبیت عراه، یصفقون ویصفرون، فکان ذلک عباده فی ظنهم. والمُکَاء: الصفیر، والتصدیه: التصفیق، قاله مجاهد والسدی وابن عمر.
وعن قتاده: المُکاء: ضرب بالأیدی. والتصدیه: صیاح[۳]. (أی عکس ما جاء عن مجاهد).
والأول من هذه المقاصد لا شک فی مشروعیته، ولا أحد یجادل فیه. والرابع: لا شک فی إنکاره ومنعه، لأنه شرع فی الدین بما لم یأذن الله به.
وقد یلحق به ما یفعله بعض الصوفیه، کما قال القرطبی: فیه رد على الجهال من الصوفیه الذین یرقصون ویصفقون. وذلک کله منکر یتنزه عن مثله العقلاء، ویتشبه فاعله بالمشرکین فیما کانوا یفعلونه عند البیت.[۴]
وقد ذکرنا کلام العز ابن عبد السلام آنفا فی الرقص فلیرجع إیه.
التصفیق للطرب أو للاستحسان:
بقی الأمران: الثانی والثالث فیما ذکرناه من مقاصد التصفیق، وهو التصفیق للهو والطرب أو التصفیق لإبداء الإعجاب والاستحسان. ما الحکم الشرعی فیهما؟ وماذا یقول الفقه المعاصر عنهما؟
الحق أنی لا أجد فی نصوص الشرع المحکمات من القرآن والسنه، ما یدل على تحریم أحدهما أو المنع منه.
ربما استدل بعضهم بآیه سوره الأنفال (وما کان صلاتهم عند البیت إلا مکاء وتصدیه) ولکن هذا الاستدلال فی غیر محله، لأن هذا فیمن یتعبد بالتصفیق، ولا یوجد هنا مظنه تعبد.
وربما استدل آخرون بقوله صلى الله علیه وسلم " إنما التصفیق للنساء " وقد منع الرجال من التشبه بهن، ولعن الرسول صلى الله علیه وسلم المتشبهین من الرجال بالنساء.
ومن المعلوم: أن الحدیث إنما جاء فی شأن التصفیق فی الصلاه، فلا دلاله فیه على منع الرجال منه خارج الصلاه، وهذا ما ذکره العلامه ابن حجر الهیتمی. وذکر أیضا أن التشبه بهن إنما یحرم فیما یختص به النساء. وهذا لیس کذلک.
قال: وجریت فی شرح الإرشاد على کراهه هذا…. والأصح فیه: الحلُّ.[۵]
بقی أن یقال: إن الاستحسان بالتصفیق عاده غیر إسلامیه، إنما هی تقلید غربی نقله من نقله عنهم، ونحن منهیون أن نتشبه بغیر المسلمین.
والجواب: إننا منهیون أن نتشبه بهم فیما هو من خصائص دینهم وما یتعبدون به. أما ما کان من شؤون الدنیا، فلا مانع أن نقتبسه منهم، إذا لم یشتمل على محظور شرعی، أو مفسده شرعیه.
********
[۱] متفق علیه عن سهل بن سعد، کما فی اللؤلؤ والمرجان (۲۴۳). رواه البخاری فی کتاب الأذان( ۶۸۴) ومسلم فی کتاب الصلاه( ۹۵۱).
[۲] متفق علیه عن أبی هریره کما فی اللؤلؤ والمرجان (۲۴۴). رواه البخاری فی کتاب العمل فی الصلاه(۱۲۰۴) ومسلم فی کتاب الصلاه( ۹۵۱۴).
[۳] تفسیر القرطبی (۷/۴۰۰).
[۴] المصدر السابق.
[۵] انظر: الزواجر عن اقتراف الکبائر (۲/۲۰۱).