العربیةدعوة و دعاةدعوت و داعیمطالب جدید

الدعوه الفردیه، أهمیه، فضل، فوائد، حالات، أطوار، أسباب و…

الدعوه الفردیه، أهمیه، فضل، فوائد، حالات، أطوار، أسباب و…

کتب :أبو عبدالرحمن عقیل المقطری

مقدمه

الحمد لله رب العالمین وصلى الله وسم على نبینا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد :

فإن الدعوه إلى الله عز وجل من أفضل القربات إلیه ، قال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِی مِنْ الْمُسْلِمِینَ ) ویقول نبینا محمد علیه الصلاه والسلام : ( لأن یهدی الله بک رجلاً واحداً خیر لک من حمر النعم )

والدعوه إلى الله عز وجل تنقسم بالنسبه إلى المدعو إلى قسمین :

الأول : دعوه جماعیه وتتمثل بالخطب والمواعظ والدروس ۰

الثانی : دعوه فردیه وهی التی تهتم بتربیه الفرد المسلم التربیه السلیمه مع المتابعه ۰

والناظر إلى واقع الدعاه إلى الله یجد أنهم فی الغالب یقومون بنوع واحد من الدعوه – وهی الدعوه الجماعیه – والقلیل من یهتم بالدعوه الفردیه والتی هی فی الواقع لا تقل أهمیه عن الدعوه الجماعیه بل قد تکون أهم ۰

إن الدعوه الفردیه یمکن أن یقوم بها طلبه العلم المبتدئین لأنها لا تحتاج إلى مثیر علم ۰

لذا رغبت أن أکتب فی هذا الموضوع رساله صغیره الحجم لتکون نبراساً یستضیء بها الدعاه إلى الله ولتکون حافزاً لإحیاء هذا النوع من أنواع الدعوه خاصه فی قلوب الشباب الذین لا یتحملون قسطاً من أعباء الدعوه فلا یدعون غیرهم و لا یجهدون أنفسهم فی سبیل الله عز وجل بل یکتفی أحدهم بنفسه فتراه یتبع الدروس والمحاضرات و لا یدعو غیره و لا یرغب فی أن یکون سبباً لهدایه غیره والله المستعان ۰

أسأل الله عز وجل أن ینفع بهذه الرساله إنه سمیع مجیب ۰

* ما المراد بالدعوه الفردیه ؟

المراد بالدعوه الفردیه : ( دعوه الأفراد ) أی دعوه الناس منفردین فالفردیه هنا من حیث المدعو ، ویقابل هذا : دعوه الناس مجتمعین من خلال الدروس والمحاضرات ؛ و لا نرید به ( العمل الفردی ) الذی یقابله ( العمل الجماعی ) فالفردیه فی هذا النوع من حیث الداعی منفرداً بعمله مستقلاً بآرائه۰

* أهمیه الدعوه الفردیه :

إن أهمیه هذا النوع من أنواع الدعوه تنبثق من أهمیه الدعوه إلى الله من حیث هی فالدعوه إلى الله تعالى على بصیره واجبه على المسلمین قال تعالى ( وَلْتَکُنْ مِنْکُمْ أُمَّهٌ یَدْعُونَ إِلَى الْخَیْرِ وَیَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَیَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْکَرِ وَأُوْلَئِکَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ ) سوره آل عمران : آیه ۱۰۴

ویقول ( ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَهِ وَالْمَوْعِظَهِ الْحَسَنَهِ ) سوره النحل : آیه ۱۲۵

وفی الصحیحین من حدیث عباده بن الصامت رضی الله عنه قال : بایعنا رسول الله صلى الله علیه وسلم على السمع والطاعه فی العسر والیسر والمنشط والمکره على أثره علینا وعلى ألا ننازع الأمر أهله وعلى أن نقول بالحق أینما کنا لا نخاف فی الله لومه لائم ) الفتح ۱۳/۱۹۲ ، النووی على مسلم ۱۲/۲۲۸

* فضل الدعوه إلى الله :

وردت أحادیث کثیره فی فضل الدعوه الله تبارک وتعالى نذکر شیئاً منها :

۱- روى مسلم فی صحیحه من حدیث أبی هریره رضی الله عنه أن رسول الله صلى الله علیه وسلم قال : ( من دعا إلى هدى کان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ینقص ذلک من أجورهم شیئاً ) النووی على مسلم ۱۶ /۲۲۷

۲- وروى البخاری وغیره أن النبی صلى الله علیه وآله وسلم قال لعلی بن أبی طالب رضی الله عنه لما بعثه إلى خیبر ( لأن یهدی الله بک رجلاً واحداً خیر لک من حمر النعم ) الفتح ۷/۷۰

* الدعوه الفردیه تحقق ما لا تحققه الدعوه الجماعیه :

إن کثیراً من الناس یجهل أهمیه الدعوه الفردیه وذلک ظناً منهم أن الدعوه ینبغی أن تکون للناس عامه وذلک بإلقاء المواعظ والمحاضرات والدروس والحقیقه أن هذا لا یکفی ، فالدعوه الفردیه تکون نافعه فی أغلب الأحیان أکثر من الدعوه الجماعیه ، ولهذا نجد أن النبی صلى الله علیه وسلم اهتم بالدعوه الفردیه خاصه فی أول مراحل الدعوه ۰ فقد کان وضع اللبنات الأساسیه للدوله الإسلامیه للدوله من طریق الدعوه الفردیه التی أثّرت فی الناس أیما تأثیر فجعلت الأفراد المتمسکین بهذا الدین مضِّحین له بالغالی والنفیس۰

* فوائد الدعوه الفردیه :

۱- إن الدعوه الفردیه تربی الأفراد تربیه متکامله فلا تقتصر على جانب واحد وتهمل الباقی وهذا ما یسمى بالشمولیه فی التربیه ، ولهذا فإن الدعوه الفردیه تکون أنجح من الدعوه العامه فی تربیه الأفراد ۰ ولأن الدعوه الجماعیه لا یمکن أن تتبع أخطاء الأفراد خطأً خطأ ، بل نجد أن الدعوه الفردیه من خلالها یمکن التنبیه على کثیر من الأخطاء التی یقع فیها الأفراد وبهذا یمکن استکمال التربیه۰

۲- بالدعوه الفردیه یمکن متابعه التطبیق العملی للتوجیهات الملقاه على الأفراد ۰

۳- بالدعوه الفردیه یمکن الرد على کثیر من الشبهات التی تُلْقى على مسامع الأفراد والتی لا یمکن التحدث بها فی الدعوه الجماعیه ۰

۴- بالدعوه الفردیه یمکن غرس المبادئ الإسلامیه الصحیحه ویمکن التحدث عنها بکل جدیه ووضوح ، إذا جاء الوقت المناسب لکل مبدء۰

۵- بالدعوه الفردیه یمکن إیصال الحق إلى الذین نفروا – أو نُفِّرُوا – عن سماعه وعن مجالسه أهله۰

۶- إن هذا النوع من أنواع الدعوه طریقه سریعه لکسب أکبر عدد من أنصار الدین ۰

۷- یمکن متابعه الأفراد متابعه دقیقه بخلاف الدعوه الجماعیه فإنه لا یمکن متابعتهم۰

۸- هذا النوع من أنواع الدعوه لا یحتاج إلى غزاره علم بقدر ما یحتاج إلى حکمه فی الدعوه فیمکن أن یقوم به أفراد محبون للدعوه ۰

۹- الدعوه الفردیه لا تحتاج إلى کثیر معاناه فهی سهله ویمکن أن یقوم بها کل داعیه من خلال عمله ، فالطالب فی مدرسته أو کلیته والموظف فی مکتبه والعامل فی مصنعه ۰۰۰ وهکذا۰

* حالات الدعوه الفردیه :

هناک بعض الحالات یستلزم الداعیه أن یستخدم فیها الدعوه الفردیه لأن الدعوه الجماعیه لا تجدی فی مثل تلک الحالات وإن کانت الدعوه الجماعیه أیسر وروادها أکثر وسنذکر بعض هذه الحالات التی یجب استخدام الدعوه الفردیه فیها:

۱- المکانه الاجتماعیه للمدعو :

إن بعض الأفراد یکون معتزاً بوضعه الاجتماعی ویرى أنه لو خالط عامه الناس فی تجمعاتهم لذهبت تلک المکانه التی یتمتع بها ۰۰ وهذا بالطبع لا یکون إلا لأنه غیر ملتزم بالشرع التزاماً کاملاً ۰۰ ففی مثل هذه الحاله یجب أن یستخدم الداعیه الدعوه الفردیه ۰

۲- جلیس السوء :

إن البیئه التی یعیش فیها المدعو لها تأثیر على شخصیته فمن خالط جلساء السوء انحرفوا به عن الجاده ، فالمرء على دین خلیله ۰ ولذلک فمن کانت هذه حالته فإنه یصعب التأثیر علیه نظراً لتکاتب رفقه السوء علیه ولقله حیائهم ومجاهرتهم برد الحق وتفاخرهم بارتکاب المعاصی والآثام ۰۰ ففی هذه الحاله یجب الانفراد بالمدعو بعیداً عن هذه الرفقه السیئه حتى یمکن التأثیر علیه إن شاء اله تعالى ۰

۳- الحاله النفسیه للمدعو :

إن من الأسباب العائقه عن الهدایه نفور المنحرفین من الدعاه والمتمسکین بالدین وهؤلاء إما أن یکون الشیطان قد استحوذ علیهم ، فهم یعرفون الحق ولکنهم یبتعدون عنه کبراً وعناداً ، أو لأنهم یرون أنه لا یمکن الالتقاء مع المتمسکین بالدین نظراً لتنافر الطباع والأمزجه ۰ فهؤلاء یصعب دعوتهم إلى محاضرات عامه فیلزم على الداعیه أن یستخدم معهم الدعوه الفردیه حتى یبین لهم الحق ثم إن هداهم الله تعالى یمکن أن ینخرطوا ضمن الدروس العامه۰

۴- معالجه جوانب النقص فی الأفراد :

قد یکون عند بعض الأفراد جوانب نقص أو عیوب شخصیه ولهذا لا یمکن أن تعالج هذه الأمور ضمن الدعوه الجماعیه ۰ بل یجب أن یستخدم الداعیه الدعوه الفردیه لمناقشه المدعو وتبصیره بهذه الأمور ۰

***********

أطوار الدعوه الفردیه

هناک مراحل ینبغی أن تمر فیها الدعوه الفردیه إذا أراد الداعیه أن تؤتی دعوته ثمرتها ۰ وهذه المراحل تختلف من مدعوا إلى آخر ، فمنهم من یجب أن یتدرج معه حسب ما سطرناه ها هنا – وهذا هذا کل حال أمر اجتهادی – ومنهم من یمکن أن یتجاوز بعض الأطوار۰

وهذا الأمر راجع إلى الداعیه نفسه فهو الذی یختار کیف یتعامل مع مدعوه ، فمتى عرف أنه لا بد أن یمر مع المدعو بکل الأطوار مر معه ، ومتى عرف أنه یمکن أن یتجاوز أی طور من الأطوار التی سنذکرها فلا یضیع الوقت فیما لا فائده فیه ۰

وإلیک هذه الأطوار :

الطور الأول :

وهو أن یوجد الداعیه صله تعارف مع المدعو بحیث یشعره بأنه مهتم به وذلک بتفقده ما بین الحین والآخر ، والسؤال عنه إذا غاب وزیارته إذا مرض هذا کله قبل أن یفتح علیه باب الدعوه، حتى إذا صارت القلوب متقاربه والأرواح متآلفه ، ووجد التهیوء من المدعو لتقبل دعوه الداعیه طرق الکلام فیما یرید ، ولیعلم الداعیه أنه بقدر نجاحه فی هذا الطور مع المدعو یکون التأثیر والاستجابه للدعوه ، وأی تسرُّع فی هذا الطور قد یحدث النفره من المدعو۰

الطور الثانی :

وهو أن على الداعیه أن یعمل على تقویه الإیمان عند المدعو وذلک أن أصل الإیمان فی الغالب موجود إلا أنه تتفاوت نسب الضعف من شخص إلى آخر ۰ وإذا أراد الداعیه أن یعالج هذه القضیه فعلیه أن لا یدخل فی الحدیث عن الإیمان مباشره بل علیه أن یستغل الأحداث بمختلف أنواعها وعلیه أن یربطها بالأدله الوارده فی القرآن والسنه ، فمثلاً حصل مولود لشخص من الأقرباء أو الجیران فیبدأ الداعیه بالکلام حول خلق الله لأبینا آدم ثم کیف أن الله جعل ذریته من ماءٍ مهین وکیف جعل رحم المرأه مکاناً لنشوء الجنین وکیف أوصل له غذائه طیله تسعه أشهر ثم کیف خرج ۰۰۰ إلى آخر ذلک۰

مع ربط جمیع المراحل بالقرآن والسنه فإنه ما ینتهی من کلامه إن شاء الله إلا وقد بدأ الإیمان بالازدیاد عند المدعو مما یجعله متقبلاً لکل ما یلقى علیه ، فإذا شعر الداعیه بأن المدعو بدأ یتأثر بکلامه وارتفع نوعاً ما ، انتقل به إلى الطور الثالث ۰

الطور الثالث :

فی هذا الطور یبدأ الداعیه فی إعطاء التوجیهات للمدعو التی من شأنها أن تصلح من عباده المدعو وسلوکه ومظهره ، فلربما کان فی عبادته کثیر من الأخطاء أو أنه لا یصلی الصلوات فی جماعه والمسجد منه قریب وکذلک یعرفه على العبادات المفروضه فیعلمه کیفیه الوضوء وکیفیه الصلاه ، ویأمره بالابتعاد عن السبل التی توصله إلى سخط الله عز وجل۰

وأما إذا کان محافظاً على الجماعه ولکن عنده بعض التقصیر فلیعمل الداعیه على تبصیر المدعو بالمعتقد السلیم الذی هو معتقد السلف الصالح رضوان الله علیهم ۰

ویحسن بالداعیه أن یبدأ بإهداء وإعاره بعض الکتب والأشرطه النافعه فی مجال العقیده والإیمان والترغیب والترهیب ۰۰۰ الخ۰

ویعرفه على بعض الشباب الصالحین ویأمر الشباب الملتزم بالإحاطه بهذا الفرد حتى لا یترک مجالاً لقرناء السوء من اجتذابه مره أخرى ۰ وبهذا نضمن بإذن الله تعالى استمراریه استقامه المدعو ۰

الطور الرابع :

یبدأ الداعیه فی هذا الطور بتوضیح شمولیه الإسلام وأنه لیس مقصوراً فقط فی الصلاه والصوم مثلاً بل إن الإسلام یجب أن یحکم فی کل صغیره وکبیره ۰ وبهذا یکون المدعو فی هذا الطور قد حول جمیع حرکاته وسکناته وفق شرع الله عز وجل۰

الطور الخامس :

وفیه یوضح للمدعو أن الإسلام لیس معناه أن نکون مؤدین للعبادات متخلقین بالأخلاق الفاضله وإلى هنا ننتهی ۰

بل یجب أن یوضح له أن الإسلام دین جماعی ، نظام حیاه وحکم وتشریع ، عقیده وأخلاق ودوله وجهاد ، وأمه واحده ، وأن المسلم لا یمکن أن یکون آخذاً للإسلام من جمیع جوانبه إلا إذا فهم هذا الفهم السلیم ۰ فإذا فهمنا هذا الفهم السلیم للإسلام فإنه – أی هذا الفهم – سیملی علینا مسؤولیات وواجبات یجب أن نقوم بتأدیتها امتثالاً لأمر الله حتى یقوم المجتمع على القواعد الصحیحه للإسلام فی جمیع النواحی السیاسیه والاقتصادیه والاجتماعیه ۰۰الخ۰

الطور السادس :

فیه یمکن للداعیه أن یوضح للمدعو ما یستوجبه الواقع الذی تمر به الدعوه إلى الله وأنها محتاجه إلى تکاتف الجهود ولَمِّ الشمل ووحده الصف والعلم حتى یتمکن المسلمون من إعاده الخلافه الإسلامیه التی کاد لها أعداء الله من الداخل والخارج حتى أطاحوا بها ۰ ومنذ ذلک الحین والمسلمون یعیشون فی هذا الذل والهوان حتى صار أعداؤهم لا یبالون بهم وهذا کله نتیجه أن المسلمین رضوا بدنیاهم وابتعدوا عن العمل بکتاب الله وعن سنه نبیهم وترکوا الجهاد فی سبیل الله ولهذا یقول النبی علیه الصلاه والسلام ( إذا تبایعتم بالعینه وأخذتم أذناب البقر ورضیتم بالزرع وترکتم الجهاد ، سلط الله علیکم ذلاً لا ینزعه عنکم حتى ترجعوا إلى دینکم ۰۰۰ )

وقال ( وجعلت الذله والصغار على من خالف أمری )

وقال ( ولینزعن الله المهابه منکم من قلوب أعدائکم ولیقذفن الله فی قلوبکم الوهن ) قالوا : ما الوهن ؟ قال ( حب الدنیا وکراهیه الموت ۰۰۰)

فإذا أردنا العزه والتمکین وتغییر الأحوال إلى الأصلح وإقامه الدوله الإسلامیه فعلینا أن نبدأ بإصلاح أنفسنا وأهلینا ومجتمعنا لأن الله تعالى یقول ( إِنَّ اللَّهَ لَا یُغَیِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى یُغَیِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ) سوره الرعد: آیه ۱۱

الطور السابع :

على الداعیه أن یحمس المدعو لطلب العلم لأنه لا یمکن أن یعبد الله کما أمر سبحانه إلا بالعلم ، فیُرَغِّب المدعو بمجالسه العلماء العاملین من أهل السنه والجماعه أصحاب المنهج السلیم ، ویشعره إذا وجدت محاضرات أو جلسات خاصه سواء کان ذلک بالمرور علیه أو بالهاتف کما یحثه على اقتناء الکتب النافعه وکذا الأشرطه والمجلات ۰۰۰ الخ ۰

وینبه المدعو إلى أن خیر السبل لإقامه الخلافه هی سبیل رسول الله صلى الله علیه وسلم ، وهی سبیل العلم وتربیه المجتمع مع تصفیته وأنه لا یصلح آخر هذه الأمه إلا بما صلح أولها ۰

وأنه مهما حاول المحاولون الذین ابتعدوا عن هذا المنهج أن یعیدوا الخلافه الإسلامیه فإنما مثلهم مثل من یبنی بنایه على شفا جرف هار یوشک أن یقع۰

والله المسؤول أن یجمع کلمه المسلمین وأن یمکن لهم فی الأرض إنه سمیع مجیب۰

***********

الأسباب المساعده لنجاح الدعوه الفردیه

۱- الإخلاص لله تعالى :

إن أی عباده من العبادات لا بد لقبولها من شرطین أساسیین :

أ – الإخلاص لله تعالى ۰

ب – المتابعه للرسول صلى الله علیه وسلم۰

فالداعیه یجب علیه أن یبتغی بدعوته للأفراد والجماعات وجه الله تعالى ویجب علیه أن یبتعد عن کل ما یقربه من الریاء والسمعه أو أن یکون له أتباع أو جماعه أو حزب قال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ ) سوره البینه : آیه ۵

وقال تعالى : ( فَمَنْ کَانَ یَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْیَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا یُشْرِکْ بِعِبَادَهِ رَبِّهِ أَحَدًا ) سوره الکهف:آیه ۱۱۰

فإذا أخلص الداعیه عمله لله ورزق المدعو الاستقامه فإن الله تعالى یکتب للداعیه مثل أجر المدعو و لا ینقص من أجره شیئاً۰

ففی الحدیث الصحیح : ( من دعا إلى هدى کان له من الأجر مثل أجور من تبعه غیر أنه لا ینقص من أجورهم شیئاً ۰۰۰ ) النووی على مسلم ۱۶/۲۲۷

۲- صله الداعیه بالله تعالى :

إن صله الداعیه بالله تعالى من أهم الأسباب لنجاح الداعیه فی عمله وهذه الصله تکون بالتقرب إلى الله تعالى بجمیع أصناف العباده وخاصه الدعاء والتضرع بین یدی الله تعالى ۰ ففی الحدیث الصحیح ( الدعاء هو العباده ) رواه أبو داود ۲/۷۶-۷۷ والترمذی۵/۲۱۱ ، ۵/۳۷۴-۳۷۵ ،۵/۴۵۶ وابن ماجه ۲/ ۱۲۵۸

فالداعیه إلى الله یخوض فی معارک کلما انتهت معرکه نشبت أخرى ولا یمکن أن ینتصر ما لم یکن ناصراً لشرع الله۰ قال سبحانه : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ یَنصُرْکُمْ وَیُثَبِّتْ أَقْدَامَکُمْ ) سوره محمد : آیه ۷

وفی صحیح البخاری من حدیث أبی هریره رضی الله عنه أن النبی صلى الله علیه وسلم قال : ( یقول الله عز وجل : من عادى لی ولیاً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلى عبدی بشیء أحب إلىَّ مما افترضته علیه و لا یزال عبدی یتقرب إلیّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته کنت سمعه الذی یسمع به وبصره الذی یبصر به ویده التی یبطش بها ورجله التی یمشی بها وإن سألنی لأعطینه ولئن استعاذنی لأعیذنه ) الفتح ۱۱/۳۴۰

فلاح الداعیه هو الصله بالله عز وجل خاصه فی هذه الأزمنه التی تتحالف فیها قوى الشر على الإسلام والمسلمین ۰ ولهذا کانت وصیه الله تعالى للنبی صلى الله علیه وسلم فی بدایه الدعوه أن یکثر من الاتصال به ومن التقرب إلیه فقال سبحانه : ( یَا أَیُّهَا الْمُزَّمِّلُ(۱) قُمْ اللَّیْلَ إِلَّا قَلِیلًا ) سوره المزمل: آیه ۱-۲

وهکذا أوصى النبی صلى الله علیه وسلم ابن عباس فقال له : ( احفظ الله یحفظک احفظ الله تجده تجاهک ) تحفه الأحوذی ۷/ ۲۱۹ ۰ وهذه الوصیه لیست خاصه بابن عباس وإنما هی للأمه کلها إلى قیام الساعه۰

ینبغی للداعیه أن یحافظ على السنن ما استطاع إلى ذلک سبیلاً ، وأن یحرص على إحیائها و لا یستهین بسنه من هذه السنن وإنه من جمله الفواقر التی أصیب بها المسلمون وجود فئه منهم یقسمون الدین إلى قشور ولباب ویعنون بالقشور تلک السنن الثابته عن رسول الله صلى الله علیه وسلم ۰۰ ولیت الأمر یتوقف عن ذلک بل الأدهى من ذلک هو أنهم یحتقرون من طبق تلک السنن ۰

۳- العلم :

إن العلم ضروره شرعیه خاصه للدعاه إلى الله ، فالعلم بالنسبه لهم سلاح یدافعون به عن دین الله عز وجل ویدحضون به الشبهات التی تلقى من أعدائه۰ یجب على من تعلم أن یعمل بعلمه وأن یدعو إلیه ولهذا قیل ( هتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل )۰

ولهذا یکون علم الداعیه شیئاً رئیسیاً لتأثر المدعو ، فإذا کانت قدره الداعیه العلمیه محدوده – لأننا ذکرنا قبل أن الدعوه الفردیه لا تحتاج إلى کثیر من العلم – فإنه ینبغی للداعیه أن یستخدم الوسائل المتاحه کأن یهدی للمدعو کتاباً أو شریطاً مسموعاً أو مرئیاً أو مجله ۰۰۰ الخ۰

وهذا لیس مبرراً لتقاعس الداعیه عن طلب العلم بل یجب علیه أن یتزود أکثر من العلم ۰ وأن یجعل لنفسه وقتاً یتزود من العلم الشرعی وأن یخالط العلماء۰

۴- التخطیط والتنظیم :

بعض الدعاه إلى الله ممن عندهم نشاط فی المواعظ والخطب یبذلون جهوداً کبیره ولکن هذه الجهود فی الغالب لا تثمر وذلک لفقدان التخطیط والتنظیم ۰

فالواجب على الداعیه أن یرکز على الأفراد الأکثر قابلیه للدعوه ۰ وخاصه الذین یرجى من وراء دعوتهم نصره دین الله عز وجل ۰

وللداعیه أسوه فی رسول الله صلى الله علیه وسلم حیث أنه علیه الصلاه والسلام لم تنته فتره الدعوه السریه فی مکه إلا وقد دخلت الدعوه إلى کل القبائل المشهوره فی مکه فأسلم من کل عشیره بعض أفراده۰

إن الدعوه تحتاج إلى بعض الأفراد الذین لدیهم القدره على القیاده والتخطیط فیجب على الداعیه أن یعمل جاهداً على کسب هؤلاء الأفراد لکی تستفید منهم الدعوه ولهذا کان رسول الله صلى الله علیه وسلم حریصاً على إسلام عمر بن الخطاب وکان یدعو الله [ أن یعز الإسلام بأحد العمرین ] حتى قال ابن مسعود رضی الله عنه فیما رواه عنه البخاری : ما زلنا أعزه منذ أسلم عمر ۰

إلا أنه لا ینبغی ترک الأفراد المحبین للدعوه والملتفتین حولها والإعراض عنهم بهذه الحجه بل یجب إعطاؤهم نصیبهم من الدعوه۰

ولهذا أنَّب الله نبیه علیه والصلاه والسلام لما ترک ابن أم مکتوم وبذل وقته مع عظماء قریش فأنزل الله سبحانه وتعالى معاتباً لنبیه : (عَبَسَ وَتَوَلَّى(۱)أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى(۲)وَمَا یُدْرِیکَ لَعَلَّهُ یَزَّکَّى ۰۰۰) الآیات ۰ سوره عبس : الآیات ۱-۳

وقال تعالى ( وَاصْبِرْ نَفْسَکَ مَعَ الَّذِینَ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاهِ وَالْعَشِیِّ یُرِیدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَیْنَاکَ عَنْهُمْ تُرِیدُ زِینَهَ الْحَیَاهِ الدُّنْیَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَکَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ) سوره الکهف : آیه ۲۸

۵- لا بد من التعرف على الصفات الشخصیه للأفراد :

یجب على الداعیه أن یتعرف على صفات المدعوین إذ أن لکل فرد منهم صفات حسنه وصفات سیئه ۰ وتختلف هذه الصفات من فرد إلى آخر۰

فالداعیه النجاح هو الذی یستطیع أن یحوِّل هذه الصفات إلى صفات خیر تخدم الدعوه إلى الله ۰ فمثلاً هناک من الناس من عنده قوه الإقناع قبل أن یهدیه الله کأن یکون من دعاه الأحزاب الهدامه فیمکن صقل هذه الموهبه بعد هدایته فیصیر هذا الفرد من الدعاه المبرزین ۰

ولهذا یقول نبینا علیه الصلاه والسلام : ( الناس معادن کمعادن الذهب والفضه خیارهم فی الجاهلیه خیارهم فی الإسلام إذا فقهوا ) النووی على مسلم ۱۶/۱۸۵

والأمثله لهذا الجانب کثیره منها على سبیل المثال : أن عمر بن الخطاب رضی الله عنه کان یتصف قبل إسلامه بالشجاعه ، فلم أسلم رضی الله عنه استفاد المسلمون من شجاعته حتى انهم خرجوا وأعلنوا تحدیهم للمشرکین ۰

۶- البدء بالأقربین :

إن لنا فی نبینا علیه الصلاه والسلام الأسوه الحسنه أمر ربه تبارک وتعالى أن ینذر عشیرته الأقربین فقال سبحانه (وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ ) سوره الشعراء : آیه ۲۱۴

وفی حدیث عائشه رضی الله عنها أنها قالت لما نزلت (وَأَنذِرْ عَشِیرَتَکَ الْأَقْرَبِینَ ) قام رسول الله صلى الله علیه وسلم فقال : ( یا فاطمه ابنه محمد یا صفیه ابنه عبدالمطلب یا بنی عبدالمطلب : لا أملک لکم من الله شیئاً سلونی من مالی ما شئتم ) النووی على مسلم ۳/۵۴

وذکر صاحب أسد الغابه أنه لما أسلم الطفیل بن عمرو الدوسی رضی اله عنه قال لرسول الله صلى الله علیه وسلم : إنی امرؤ مطاع فی قومی وأنا راجع إلیهم وأدعیهم إلى الإسلام فلما رجع إلى قومه دعا أباه إلى الإسلام فأسلم ثم دعا امرأته إلى الإسلام فأسلمت ۰ والأمثله لهذا کثیره ۰۰

فالداعیه یحتاج إلى من یقوم بجانبه ویناصره ویعینه وذلک لأن الإنسان بمفرده لا یستطیع أن یحقق ما یحققه ومعه إخوانه ۰

فیجب على الداعیه أن یبدأ بذوی قرابته ۰ الأقرب فالأقرب حتى توجد له منعه ونصره ثم لا یهمه بعد ذلک إن لم یستحب له ۰

ومن العیب أن یترک الداعیه أهل بیته وأقاربه دون تبصیرهم بدین الله عز وجل ۰ واله المستعان۰

۷- إظهار الاهتمام بکل شخص :

إن من الدعاه إلى الله من إذا زار أخاً له أو وجده فی أی مکان ما بش فی وجهه وعانقه بحراره ثم لا یظهر اهتمامه بمن کان بجانب ذلک الأخ مما یحدث فی نفوسهم علیه أنه غیر مهتم بهم وأنه إنما جاء لزیاره ذلک الأخ فحسب ۰

والواجب على الداعیه أن یظهر نفس الود لجمیع الحاضرین وإن کان فیهم من لا یرضى بعض صفاته الخلقیه مثلاً ۰ فلعل ذلک یکون سباً فی استقامه ذلک الشخص ۰ ولهذا کان النبی صلى الله علیه وسلم یبش فی وجه بعض الذین لا یرتضیهم کما حصل ذلک بحضره عائشه رضی الله عنها فقالت یا رسول الله إنک قلت فیه ما قلت فلما دخل علیک بششت فی وجهه فقال ( یا عائشه : إن من شرار الناس من یُتَّقَى لفحشه ) متفق علیه۰

۸- التدرج فی الدعوه :

یجب على الداعیه أن لا یحاول تغییر المدعو دفعه واحده لأن ذلک مخالف لسنه الله ومخالف لمنهج الأنبیاء علیهم الصلاه والسلام وهذا لا یمنع وجود القابلیه عند بعض الأفراد على التحول دفعه واحده فمن کان عنده الاستعداد للتغییر دفعه واحده من دون أن یؤثر سلبیاً على نفسه فلا یجوز التوانی فی ذلک۰

أما من کان لا یقبل التحول إلا بالتدرج فیجب تقدیم الأهم فی دعوته وذلک لأنه قد تؤثر سرعه التحول فی حقه سلبیاً فلربما عاد إلى جاهلیته ۰

ولهذا نجد أن الإسلام أعطى هذه المسأله حقها فتجد أنه فی العهد المکی رکز على جانب العقیده مثلاً ثم بعد فتره أمر بالصوم ثم بالزکاه ثم بالحج وهکذا ۰۰

ففی الصحیحین من حدیث ابن عباس أن النبی صلى الله علیه وعلى آله وسلم : لما أرسل معاذا إلى الیمن قال له : ( إنک تقدم قوماً من أهل الکتاب فلیکن أول ما تدعوهم إلى أن یوحدوا الله فإن هم أطاعوا لذلک فأخبرهم أن الله افترض علیهم خمس صلوات فی الیوم واللیله فإن هم أطاعوا لذلک فأعلمهم أن الله افترض علیهم صدقه تؤخذ من أغنیائهم فترد على فقرائهم ۰ وإیاک وکرائم أموالهم واتق دعوه المظلوم فإنه لیس بینها وبین الله حجاب ) فتح الباری ۱۳/۳۴۷ النووی على مسلم ۱/۱۹۶

ونجد أن الله تعالى لم یحرم الخمر دفعه واحده بل تدرج فی ذلک فأول الأمر نزل – وکان قبل التحریم – قوله تعالى ( وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِیلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَکَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ) سوره النحل : آیه ۶۷

ثم أنزل قوله تعالى ( یَسْأَلُونَکَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَیْسِرِ قُلْ فِیهِمَا إِثْمٌ کَبِیرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَکْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) سوره البقره : آیه ۲۱۹

ثم أنزل ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاهَ وَأَنْتُمْ سُکَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ) سوره النساء:آیه ۴۳

ثم النهایه قال ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَیْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ ) سوره المائده : آیه ۹۰

فینبغی للداعیه أن یتدرج مع المدعو حتى لا ینفر من کثره التکالیف ۰

وهنا ینبغی أن أنبه إلى أنه لا یجوز للداعیه أن یشارک المدعو فی بعض الأمور التی ربما تکون محرمه بحجه التدرج فی الدعوه مع المدعو بل إذا سکت الداعیه عن بعض الأمور التی لا یزال یرتکبها المدعو فیجب علیه أن یعتزلها هو بنفسه۰

۹- المتابعه :

إن الدعوه الفردیه تتطلب من الداعیه جهداً لیس بالقلیل خاصه فی المدن الکبیره ۰ فینبغی للداعیه أن یهیء نفسه حتى تعطی دعوته الثمره المرجوه۰

فالمتابعه أمر مهم فی الدعوه الفردیه وذلک نظراً لأن کثیراً من المدعوین یتأثرون بالدعوه فیبدأون بالاستقامه فإن لم یجدوا من الداعیه التعهد فتروا لأن البیئه التی یعیشون فیها لا تساعدهم على الاستقامه بل تتحول إلى حرب شعواء ضد هذا العائد إلى الله ۰ فربما أحاط به قرناء السوء حتى یعیده إلى ما کان من الفساد والانحراف ۰

لهذا کان لزاماً على الداعیه أن یتعاهد ثمره دعوته وأن یجعل لهذا الفرد أصدقاء صالحین یحیطون به حتى لا تتخطفه الأیدی الآثمه المجرمه۰

ومن الوسائل النافعه أن یصطحب هذا المدعو إلى حلقات العلم والمواعظ والرحلات ۰ والله الموفق۰

۱۰ – إیجاد البیئه الصالحه للمدعو :

ما ذکرنا سابقاً إن البیئه التی یعیشها المدعو لا تساعده على الاستقامه لذلک لا بد من إیجاد البیئه الصالحه له فیبعد عن جلساء السوء وینقل إلى الجلساء الصالحین ۰ ففی صحیح مسلم من حدیث أبی سعید الخدری رضی الله عنه أن النبی صلى الله علیه وسلم ( ذکر رجلاً من بنی إسرائیل قتل تسعه وتسعین نفساً ثم أتى راهباً وهم یتعبد فسأله : هل لی من توبه فإنی قتلت تسعه وتسعین نفساً ۰ فقال له : لیس لک من توبه ، فقتله فأکمل به المائه ۰ ثم دل على عالم فسأله قائلاً إنی قتلت مائه نفس فهل لی من توبه ؟ فقال : نعم ومن یحول بینک وبین التوبه ۰ انطلق إلى أرض کذا کان بها أناساً یعبدون الله تعالى ، فاعبد الله معهم ۰ ونهاه أن یعود إلى أرضه معللاً ذلک بأنها أرض سوء ۰۰۰ ) الحدیث بالمعنى۰

فهذا العالم الربانی لم یکتف بتوصیه السائل إلى التوبه فقط بل أمره أن یغیر البیئه التی کان یفعل فیها المعصیه وأن یجالس الصالحین۰

فعلى الداعیه أن یأخذ درساً من هذا الحدیث ویعمل جاهداً على نقل المدعو من البیئه السیئه إلى البیئه الصالحه التی تعینه على الطاعه۰

وعلى الذین یحیطون بهذا الفرد أن یحسنوا التعامل معه ، فیهدون له الشریط النافع ۰ والکتاب الجید ۰ ولا یهدرون أوقاتهم ووقت المدعو فی التجول فی الشوارع والجلوس فی المقاهی کما یعمل کثیر من الشباب ۰ فإن هذا التائب یکون عنده الاستعداد النفسی التام للتوجیه فلتستغل هذه الفتره ۰۰ والله الموفق۰

۱۱- الاقتصاد فی الموعظه :

مما ینبغی على الداعیه فی حاله زیارته للمدعو أن لا تنتهی زیارته بدون موعظه ۰ وینبغی أن تکون هذه الموعظه مختصره ومرکزه ۰

ففی صحیح البخاری من حدیث ابن مسعود : أن النبی صلى الله علیه وسلم کان یخولهم فی الموعظه کراهه السآمه علیهم ۰

وعلى الداعیه أن لا یکثر من الزیاره للمدعو وإلا أصیب المدعو بالملل والتضجر من الداعیه وخیر الأمور أوسطها ۰

۱۲- الالتزام بآداب الزیاره :

یجب على الداعیه أن یتقید بآداب الزیاره فیختار الوقت المناسب وذلک على حسب ظروف المدعو فلا یزور فی حاله نوم المدعو ولا فی حاله تجهزه للذهاب إلى عمله مثلاً وهکذا۰

ومن الآداب أن لا یتدخل فی الشئون الخاصه بالمدعو کتقلیب أوراقه مثلاً أو سماع أشرطته ومن الآداب أنه یطلب من المزور أن لا یتکلف فی إکرامه حتى لا یستثقل وهکذا ۰

۱۳ – القدوه الحسنه :

یقول الله عز وجل : ( یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ(۲)کَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ )

فهذا ذم لمن یأمر بالمعروف و لا یأتیه فإذا کان الداعیه آمراً للمدعو بأمر هو نفسه لا یفعله أو ینهاه عن شیء ویفعله فإن دعوته تبوء بالفشل ، فلهذا یجب على الداعیه أن یکون قدوه حسنه ۰

وقد ثبت الوعید الشدید لأولئک الذین یأمرون بالمعروف ولا یأتونه وینهون عن المنکر ویأتونه کما فی الصحیحین من حدیث أسامه بن زید رضی الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله علیه وسلم یقول : ( یؤتى بالرجل یوم القیامه فیلقى فی النار فتندلق أقتابه فیدور بها کما یدور الحمار بالرحى فیجتمع إلیه أهل النار فیقولون : یا فلان ما لک ؟ ألم تکُ تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنکر ؟ فیقول بلى ولکنی کنت آمرکم بالمعروف ولا آتیه وأنهى عن المنکر وآتیه ) الفتح ۶/۳۳۱ والنووی على مسلم ۱۸/۱۱۸ ۰

فالعامه لو وجدوا عند الداعیه سیئه واحده وتسعه وتسعین حسنه غلبوا السیئه على تلک الحسنات ۰ لهذا یجب على الداعیه أن یکون قدوه حسنه للمدعوین ۰ والله الموفق ۰

۱۴- الهدیه :

ثبت عن النبی صلى الله علیه وسلم : أنه قال : ( تهادوا تحابوا ) البیهقی فی الکبرى ۶/ ۱۶۹ وانظر إرواء الغلیل ۶/۴۴

نعم إن الهدیه تورث المحبه ۰ ولها ذکریاتها الخاصه۰ فیجب على الداعیه أن لا یبخل بشیء من الهدایا ولو کانت متواضعه۰

فإن الهدیه عنوان المحبه ۰

وهذه الهدیه لیست بمن تربطک به علاقه قدیمه بل إذا أراد الداعیه أن یکسب فرداً جدیداً فعلیه أن یقدم له هدیه مهما قلت قیمتها هذه الهدیه هی التی ستمهد الطریق إلى قلب المدعو الذی سیأتی إلیک تلقائیاً وسیبادلک الهدیه والحدیث ۰ وسیوحی لک بکثیر من أسراره وآلامه ، الأمر الذی سیجعلک تضع العلاج لبعض تلک المشاکل التی یعانی منها ۰ فیجب على الداعیه أن یربط تلک القضایا بالدین حتى یتمکن الإیمان من قلب المدعو مع إخلاص العمل لوجه الله عز وجل۰

۱۵ – التلطف والرفق بالمدعو :

یقول الله عز وجل : ( ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَهِ وَالْمَوْعِظَهِ الْحَسَنَهِ ) سوره النحل : آیه ۱۲۵

ویقول کذلک : ( فَبِمَا رَحْمَهٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ کُنْتَ فَظًّا غَلِیظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِکَ ) سوره آل عمران : آیه ۱۵۹

وفی الصحیح أن النبی صلى الله علیه وسلم قال : ( ما کان الرفق فی شیء إلا زانه وما نزع من شیء إلا شانه ) رواه مسلم برقم ( ۲۵۹۴ )

ویقول أیضاً : ( إن الله رفیق یحب الرفق ) البخاری ۱۰/۳۷۵ ومسلم برقم ( ۲۱۶۵ )

فالداعیه الناجح هو الذی یرفق بالمدعوین ویستخدم فی دعوته الحکمه والموعظه الحسنه۰

والرفق واللین من أخلاق الأنبیاء فقد قال الله لموسى وهارون عندما أمرهما أن یذهبا إلى فرعون ذلک الطاغیه المتکبر المتجبر الذی ادعى الألوهیه فقال : ( مَا عَلِمْتُ لَکُمْ مِنْ إِلَهٍ غَیْرِی) سوره القصص:آیه ۳۸

وادعى الربوبیه فقال ( فَقَالَ أَنَا رَبُّکُمْ الْأَعْلَى ) سوره النازعات : آیه ۲۴ ۰

قال الله لهم ( فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَیِّنًا لَعَلَّهُ یَتَذَکَّرُ أَوْ یَخْشَى ) سوره طه : آیه ۴۴

فإذا کان هذا مع فرعون فمع غیره أحرى وإذا کان الأمر للأنبیاء فلنا فیهم أسوه حسنه ۰

ولهذا لما رأی النبی علیه الصلاه والسلام ذلک الأعرابی الذی بال فی المسجد فأراد الصحابه أن یقعوا فیه ، والبول فی المسجد منکر عظیم ۰ قال لهم : ( دعوه وأهریقوا على بوله سجلاً من ماء ) الفتح ۱/۳۲۳

وفی روایه : ( لا تزرموا علیه بوله فإنما بعثتم میسرین ولم تبعثوا معسرین ) رواه البخاری ۰

والشواهد على هذا کثیره من السنه ۰

والمطلوب من الداعیه هو التلطف مع المدعو والرفق به والأقربون أولى بالمعروف ۰ اهـ

۱۶ – لا بأس من استعمال شیء من الدعابه والمزاح المباح :

وذلک لإبعاد استثقال المدعو للداعیه فإن الداعیه إذا کان مرحاً کان أدعی إلى حبه من المدعوین ولکن من دون إفراط ۰ فقد کان النبی صلى الله علیه وسلم یستخدم بعض الدعابه والمزاح ولکنه إذا مزح لا یقول إلا حقاً۰

وروی الترمذی فی الشمائل عن الحسن البصری رحمه الله قال : أتت عجوز إلى النبی صلى الله علیه وسلم فقال یا رسول الله : ادع الله أن یدخلنی الجنه فقال : ( یا أم فلان إن الجنه لا تدخلها عجوز ) فولت تلک العجوز تبکی فقال النبی علیه الصلاه والسلام : [ أخبروها أنها لا تدخلها وهی عجوز إن الله تعالى یقول ( إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً(۳۵)فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْکَارًا(۳۶)عُرُبًا أَتْرَابًا ) ]سوره الواقعه : الآیات ۳۵-۲۷

وهذا الأثر حسنه شیخنا الألبانی فی مختصر الشمائل ۰

وأما ما کان علیه السلف الصالح فکثیر فقد کان الشعبی یمزح وکان الأعمش یمزح ، وکثیر من المحدثین من سلف هذه الأمه کانوا یمزحون وخیر الأمور أوسطها ۰ والله الموفق۰

۱۷ – الأخلاق الفاضله :

یقول الله عز وجل مادحاً نبیه محمداً صلى الله علیه وسلم : ( وَإِنَّکَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِیمٍ ) سوره القلم : آیه ۴

فالأخلاق الفاضله من أجمل ما یتحلى به الداعیه فبها یستطیع الداعیه أن یکسب الکثیر من المدعوین ۰ ونظراً لأنه کان إذا أمر بشیء بدأ بنفسه فقد سئلت أم المؤمنین عائشه رضی الله عنها عن أخلاق النبی صلى الله علیه وسلم قالت : کان خلقه القرآن ۰ رواه مسلم رقم ( ۷۴۶ )

ومن أهم هذه الأخلاق :

أ- hلتواضع : ( ومن تواضع لله رفعه الله )۰ النووی على مسلم ۱۶/۱۴۱

ومن تواضعه علیه الصلاه والسلام :أنه کان یقضی للناس حوائجهم حتى کانت الجاریه لتأخذ بیده علیه الصلاه والسلام فتطوف به فی المدینه ۰وکان علیه الصلاه والسلام یسلم على الصبیان ۰

وقد وصف الله المؤمنین أنهم ( أَذِلَّهٍ عَلَى الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّهٍ عَلَى الْکَافِرِینَ ) المائده :آیه ۵۴

فیجب على الداعیه أن لا یغفل عن هذا الخلق العظیم ۰إلا أن بعض الدعاه لکثره مشاغلهم یصدر منهم تصرف یبدو للمدعوین أنه متکبر فلا یفتح الداعیه هذا الباب على نفسه وعلیه بالصبر ۰

ب- الحلم : وهو أمر مهم للداعیه وله أسوه حسنه بخیره خلق الله محمد صلى الله علیه وسلم ، ففی

صحیح البخاری من حدیث أنس رضی الله عنه قال : ( کنت ماشیاً مع رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم وعلیه برد نجرانی غلیظ الحاشیه فأدرکه أعرابی فجبذ بردائه جبذه شدیده قال أنس : فنظرت إلى صفحه عاتق النبی وقد أثرت فیها حاشیه الرداء من شده جبذته ثم قال الأعرابی : یا محمد مر لی من مال الله الذی عندک ، فالتفت إلیه النبی صلى الله علیه وسلم ثم أمر له بعطاء ) ۰ الفتح ۱۰/۵۰۳

فانظر إلى حلمه وتواضعه علیه الصلاه والسلام على هذا الأعرابی ۰

فیلزم الداعیه التخلق بهذا الخلق الحسن ولکن لا یصل به الحال إلى درجه الذل فأحیاناً یصفح عمن أساء إلیه لأنها من صفات المؤمنین وأحیاناً أخرى ینتصر لنفسه لتظهر قوته ومکانته ویرهبه أعداء الله عز وجل ۰ قال تعالى : ( وَالَّذِینَ إِذَا أَصَابَهُمْ الْبَغْیُ هُمْ یَنْتَصِرُونَ ) سوره الشورى : آیه ۳۹

۱۸ – إنزال الناس منازلهم :

إن من عوامل نجاح الدعوه أن ینزل الداعیه کل إنسان منزلته فمن کان من أهل المکانه والوجاهه أنزله المنزله التی تلیق به ومن کان شیخاً للقبیله أنزله منزله وهکذا ۰

ومن أراد أن یسوی بین الناس فی دعوته فیبوء بالفشل۰

فلقد روى مسلم فی مقدمه صحیحه من حدیث عائشه رضی الله عنها قالت : ( أمرنا رسول الله صلى الله علیه وسلم أن ننزل الناس منازلهم )

وفی سنن أبی داود من طریق میمون بن أبی شبیب أن عائشه رضی الله عنها مر بها سائل فأعطته کسره خبز ومر بها رجل علیه ثیاب وهیئه فأقعدته فأکل فقیل لها فی ذلک فقالت قال رسول الله صلى الله علیه وسلم : ( أنزلوا الناس منازلهم ) – الحدیثان مختلف فی صحتهما فمن أهل العلم من یقول إنهما منقطعان ومنهم من یجعلهما متصلین –۰

قال الحافظ النووی رحمه الله کما فی شرحه لصحیح مسلم : ومن فوائده : تفاضل الناس فی الحقوق على حسب منازلهم ومراتبهم وهذا فی بعض الأحکام أو أکثرها ۰ اهـ

وکان النبی علیه الصلاه والسلام : إذا کتب کتاباً إلى ملک أو غیره أنزله منزلته فمن ذلک مثلاً ( من محمد بن عبدالله ورسوله إلى هرقل عظیم الروم ) الفتح ۱/۳۲

الشاهد قوله عظیم الروم۰

فیجب على الداعیه أن یتنبه لهذا الحدیث وخیر الهدی هدی محمد صلى الله علیه وسلم۰

۱۹ – الاستمرار فی تقویم المدعو :

إن التقویم من الداعیه للمدعوین أمر ضروری إذ من خلاله یمکن أن یتعامل مع المدعوین بناء على ذلک التقویم ۰

والتقویم یکون الفرد المدعو عضواً صالحاً فی المجتمع الإسلامی ، والتقویم یکون على الأقوال والأفعال التی یلمسها الداعیه وتاره یکون على ما غاب علیه وذلک بأن ینقل إلى الداعیه من أخبار المدعو ما یلزم تقویمه بعد التثبت من صحه ما نقل ۰ وهذا الجانب أهم من الأول إذ أن المدعو قد یتصنع الاستقامه أمام الداعیه ۰ فإذا نقل إلى الداعیه أن المدعو یصاحب أناساً لا خیر فیهم وجب التنبیه على ذلک بالرفق واللین کما تقدم ۰

ولهذا ثبت فی الحدیث أن النبی صلى الله علیه وسلم قال : ( المرء على دین خلیله فلینظر أحدکم من یخالل ۰۰۰ ) رواه أبو داود ۰

ویقول الشاعر :

عن المرء لا تسأل وسل عن قرینه *** إن المقـــارن بالقـــریـن یقتدی

ولا بد أن یشمل التقویم جمیع الجوانب وإلا کان ناقصاً وعلى حساب جانب دون آخر فکما یجب تقویم الأفعال من عبادات وغیرها فیجب تقویم الأقوال والأخلاق والهیئه ۰۰۰ الخ ۰

۲۰- لا اعتبار للسوابق :

من الناس من إذا أراد أن یقوم فرداً نظر ما قد سلف منه من زلات وأخطاء ولو قد تاب عنها ۰ فیظل یذکر تلک السوابق للمدعو ویقرعه بها وهذا خطأ محض إذ أن التوبه تمح ما قبلها فلا داعی إذاً من ذکر العثرات والسقطات فإذا أراد الداعیه أن یکون تقویمه مثمراً فعلیه بمعالجه حاضر المدعو لا ماضیه۰

۲۱- تنویع وسائل وأسالیب الدعوه والتقویم :

مما ینبغی للداعیه أن ینوع أسالیبه فی الدعوه والتقویم حتى لا یسبب رده فعل عند المدعو وکل بحسبه ۰

فمن الوسائل النصح بالحکمه والموعظه الحسنه وإخلاص النیه لله وأن یکون ذلک على انفراد ۰

قال الإمام الشافعی رحمه الله :

تعمدنی فی النصیحه فی انفراد *** وجنبنی النصیحه فی الجماعه

فإن النصح بین الناس نوع *** من التوبیخ لا أرض استماعه

وإن خالفتنی وعصیت أمری *** فلا تجزع إذ لم تعط طاعه

ومنها الکتابه بکلمات رقیقه معبره عن المراد۰

ومنها الشریط الإسلامی ۰

ومنها الاصطحاب إلى خطبه جمعه أو محاضره ۰

ومنها اصطحابه إلى الحلقات العلمیه وهکذا ۰

***********

خاتمه

الحمد لله رب العلمین وصلى الله على نبینا محمد وعلى آله وصحبه أجمعین ، اما بعد :

فهذ جهد المقل فی هذا الجانب حاولت فیه إبراز أهمیه الدعوه الفردیه فی تربیه الأجیال وتکلمت فیه على الأطوار التی ینبغی أن یمر بها المدعو کما أوردت بعض العوامل الأساسیه لنجاح هذه الدعوه وأحوال المدعوین إلى غیر ذلک من الفوائد ۰

أسأل الله تعالى أن ینفع بها الإسلام والمسلمین وأن یجعلها منقذه لکثیر من التائهین إنه سمیع مجیب ۰

ولا أنسى أن أقدم شکری الجزیل لشقیقی عمر بن محمد بن زید حیث قام بتبیض هذه الرساله ۰

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمین

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا