المقالات

بین المنحه والمحنه

بین المنحه والمحنه

حسن البنا

وَنَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَیْرِ فِتْنَهً وَإِلَیْنَا تُرْجَعُونَ

وهل تتضح الموهبه ویصفو الجوهر إلا بین المنحه والمحنه؟ ، وتلک سنه الله تبارک وتعالى فی تنشئه الأفراد وتربیه الأمم، وسبک أصحاب الدعوات ممن اصطنع لنفسه من عباده وصنع على عینه من خلقه لیکونوا أئمه یهدون بأمره .. (وَنَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَیْرِ فِتْنَهً وَإِلَیْنَا تُرْجَعُونَ) (الانبیاء:۳۵).

والأمه الإسلامیه الیوم بین منحه ومحنه إن فهمت عن الله فیهما، وأدت ما وجب علیها من حقهما، وشکرت النعمه، وثبتت وصبرت على الشده وواصلت السیر فی قوه إلى الغایه وهى واصله بإذن الله تبارک وتعالى إلى ما ترید، مهما اعترضها من صعاب وواجهها من عقبات، ونصر الله قریب ، وصدق الرسول القائل: (عجبت لأمر المؤمن ، إن أمره کله خیر , إن أصابته النعماء شکر فکان خیرا له ، وإن أصابته الضراء صبر فکان خیرا له).

والإخوان المسلمون الیوم وهم الأمه الجدیده القائمه على الحق ، المهتدیه بنور الله الداعیه إلى صراطه المستقیم ، بین منحه ومحنه ، علیهم أن یشکروا الله أجزل الشکر على ما أولاهم من نعمته وأغدق علیهم من فضله ومنته وأن یصبروا أکمل الصبر على المحنه مهما علا ضجیجها ، وأرعد برقها وعظم هولها وأجلبت بخیلها ورجلها، ولیثقوا بموعود الله تبارک وتعالى لسلفه الصالحین من قبل: (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا یَضُرُّکُمْ کَیْدُهُمْ شَیْئاً إِنَّ اللهَ بِمَا یَعْمَلُونَ مُحِیطٌ) (آل عمران:۱۲۰).

یا أیها الإخوان المسلمون ، فی الحرم المکی وأمام الکعبه المشرفه تجلس بعثتکم المتواضعه خاشعه لله ، مخبته تذوب حیاء من رب البیت وتنطوی على نفسها خشیه لجلاله وعظمته ، والأبصار ترنو إلیها من کل مکان ، والأیدی تدل علیها بکل بنان ووفود الحجیج من کل قطر وبلد ومصر ، تقبل علیها بقلوب متواده متحابه تسأل فی لهفه وشوق:أنتم الإخوان المسلمون؟ مرحبا بکم وما أشوقنا إلى لقائکم ونحن إخوانکم فی أندونسیا ، أو فی جاوه وسیلان ، أو الهند وباکستان ، أو فی جنوب أفریقیا أو فی مدغشقر وبورنیون ، أو فی نیجیریا والکمرون أو فی إیران والأفغانستان ، أو فی غیر ذلک من أراضی الله الواسعه التی امتدت إلیها أضواء الإسلام الحنیف وانبسط فیها هدی کتابه الشریف المنیف ، وتکون تحیه وسلام وتفاهم وکلام ، وتدارس لحال أبناء الإسلام .

وإعجابا بجهودکم المتواضعه ، وأعمالکم النافعه لا نرى أنفسنا له أهلا ولا نعتبرها إلا منه من الله وفضلا و (ذَلِکَ فَضْلُ اللهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ) (الحدید:۲۱) ، ویعود إخوانکم من البعثات العلمیه أو الرحلات التجاریه فی إنجلترا أو أمریکا أو فرنسا أو غیرها من بلاد الغرب المتهالکه على الماده ، المتهافته على الطغیان ، فإذا بهم قد أنشأتهم الرحله نشأه أخرى وسمعوا ورأوا من حدیث الناس عنکم ، واهتمامهم بشأنکم ، والتعلیق على جهادکم وجهودکم بما یجعلهم یستشعرون التقصیر فی حق الدعوه ، ویعتزمون بذل الجهد وفوق الجهد فی العمل لها والجهاد فی سبیلها ، ولقد سمعت أحدهم بالأمس القریب یخاطبنی فی حماسه ویحادثنی فی قوه وحزم ، فیقول: یا أخی والله إننا لسنا مجهولون إلا فی وطننا ، ولا مغموطین إلا فی أرضنا ، فإذا أراد الناس أن یعرفونا بل إذا أردنا نحن أن نعرف أنفسنا ومدى تأثیر دعوتنا ، فعلینا أن نرحل خلال هذه الأقطار ، ونجوس تلک الأمصار ونستمع إلى أهل تلک الدیار ، فی مجالسهم الخاصه ومجامعهم العامه وسنرى من ذلک العجب العجاب والقول اللازب فأقول له : لا بأس علیک، فقدیما قیل: (وزامر الحی لا یحظى بإطراب) ولیس نبی بدون کرامه إلا فی وطنه وبین عشیرته ، وسیدرک قومنا بعد قلیل من نحن وماذا سنصنع والعاقبه للمتقین: (وَلَیَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ یَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِیٌّ عَزِیزٌ) (الحج:۴۰).وفى هذه الغمره من نعم الله علیکم بحسن الأحدوثه وجمیل الذکر وجلیل التقدیر تواجهکم محنه القول الزائف فتبلغ قلوب المؤمنین الحناجر ، ویظن الکثیر من المتربصین بالله الظنون ، وتقول طائفه کما قال أسلافها من قبل: (یَا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقَامَ لَکُمْ فَارْجِعُوا) (الأحزاب:۱۳) ، وتقول طائفه أخرى: (مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُوراً) (الأحزاب:۱۲).

وأنتم خلال ذلک تسیرون فی رکاب نبیکم والمؤمنین معه ، وتهتفون بدعائهم : (هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلا إِیمَاناً وَتَسْلِیماً) (الأحزاب:۲۲).

یا أیها الإخوان المسلمون ..

ستنکشف الغمه ..

وتزول المحنه إن شاء الله …

وتخرجون من البلاء خروج السبق من الجلاء أنقیاء أتقیاء …

والله تبارک وتعالى یربیکم بالمنحه والمحنه …

والله اکبر ولله الحمد

حسن البنا

نمایش بیشتر

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا