رضا الناس.. غایه لا تُدرک
رضا الناس.. غایه لا تُدرک
بقلم: أحمد زهران
یتعامل الداعیه فی مجتمعه مع کثیرٍ من
الأنماط البشریه المختلفه؛ منها الاجتماعی والمنطوی، والمفکِّر والمبدع، والتقلیدی
والواقعی والخیالی.. إلخ، وهو مُطالَب بأن یتعامل مع هذه الأصناف جمیعها؛ یفهم
حاجاتها ومتطلباتها، ویؤدی واجبه نحوها.
ولما کانت سلوکیات هذه المجموعات متعدِّدهً؛
تأخذ أشکالاً عدَّه؛ من الذهنیه والعضلیه، الفردیه والجماعیه، المادیه والروحیه،
الإیجابیه والسلبیه، التی یستقیها کل فرد من مجتمعه، أو تملیها علیه مواقف حیاتیه
معینه.. کان لا بد من تدخُّل خارجی یفصل فی هذه المنازعات، ویرشد إلى الحل الأمثل
لهذه الخلافات، وکان هذا هو دَور الرسالات التی تنزَّلت من السماء على فترات
بمقاییس صحیحه ومبادئ حکیمه، وکان مصیر الجماعه، فی سعادتها وشقائها، مرتبطًا بمدى
التمسُّک بها واحترامها، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِی کُلِّ أُمَّهٍ
رَسُولاً أَنْ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى
اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَهُ﴾ (النحل: ۳۶).
ولکن لیس کل الناس یحترمون هذه الهدایه، کما
قرَّر القرآن، وهو ما یعنی أن للأهواء سلطانًا على النفوس یحاول أن یزاحم سلطان
المقرَّرات التی جاء بها الأنبیاء والمرسلون، وبهذا کانت النتیجه الحتمیه دوام
المنازعات، وکثره الخلافات؛ قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ
أُمَّهً وَاحِدَهً وَلا یَزَالُونَ مُخْتَلِفِینَ (۱۱۸) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ
رَبُّکَ وَلِذَلِکَ خَلَقَهُمْ﴾ (هود)؛ أی للاختلاف خلقهم؛ لأنه حین خلقهم منح
کلاًّ منهم حریه العقل وحریه الإراده، وما دام لکلٍّ منهم رأیه الحر وإرادته
الحره؛ فلا بد أن یختلفوا، ولقد اختلف الناس من قبل على الرسل والأنبیاء، واختلفوا
على المصلحین والعظماء.. یقول علیّ بن أبی طالب کرم الله وجهه-: “هلک فیّ
اثنان: محبٌّ غالٍ، ومبغضٌ غالٍ”، وهذه طبیعه الحیاه والناس.
بل إن الفرد یدخل فی صراعٍ مع نفسه وغرائزه
ویقع فی حیره؛ لأنه لا یعرف کیف یرضیها کلها، یقول الدکتور القرضاوی: “غیر
المؤمن یعیش فی الدنیا تتوزَّعه هموم کثیره، وتتنازعه غایات شتى.. هذه تمیل به إلى
الیمین، وتلک تجذبه إلى الشمال؛ فهو فی صراع دائم داخل نفسه، وهو فی حیرهٍ بین
غرائزه الکثیره؛ أیها یرضی..؟ غریزه البقاء، أم غریزه النوع، أم المقاتله، أم.. أم..؟!!
إلخ، وهو حائرٌ مره أخرى بین إرضاء غرائزه وبین إرضاء المجتمع الذی یحیا فیه، وهو
حائر مرهً ثالثه فی إرضاء المجتمع، أیّ الأصناف یرضیهم ویسارع فی هواهم؟! فإن رضا
الناس غایه لا تُدرک.. إذا رضیت عنی کرام عشیرتی فلا زال غضبانًا علیّ لئامها
والعکس بالعکس طبعًا: إذا رضی اللئام غضب
الکرام”.
وهنا
یذکرون الحکایه المشهوره؛ حکایه الشیخ وولده وحماره: رکب الشیخ ومشی الولد وراءه،
فتعرَّض الشیخ للوم النساء، ورکب الولد ومشی الشیخ، فتعرَّض الولد للوم الرجال،
ورکبا معًا فتعرَّضا للوم دعاه الرفق بالحیوان، ومشیا معًا والحمار أمامهما
فتعرَّضا لنکت أولاد البلد، واقترح الولد أن یحملا الحمار لیستریحا من لوم اللائمین؛
فقال له الأب الشیخ: لو فعلنا لأتعبنا أنفسنا، ولرمانا الناس بالجنون؛ حیث جعلنا
المرکوب راکبًا.. یا بنی، لا سبیل إلى إرضاء الناس.
ومن فی الناس یرضی کل نفس وبین هوى النفوس مدى بعید؟!
ولعل بعض المواقف الفکاهیه تُثبت ما توصَّل
له ذلک الرجل من أن رضا الناس غایه لا تدرک، ومن هذه المواقف ما حدث أن أحد
المشایخ سأل رجلاً لدیه زوجتان: هل الزوجتان راضیتان عنک تمام الرضا؟، فأجاب هذا
الرجل قائلاً ومستشهدًا بقوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْکَ الْیَهُودُ وَلا
النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ (البقره: من الآیه ۱۲۰).
وعلى
ما فی هذا الموقف من فکاهه ومرح، غیر أنه یفرض علینا سؤالاً مهمًّا، وهو: هل
یستطیع الرجل المعدّد أن ینال رضا الزوجات؟!
الإجابه
نترکها لک أخی المسلم، ولکن الواقع یثبت أن الرجل یحاول إرضاء زوجته بأیه طریقه من
الطرق، ولکنه رغم اجتهاده فی ذلک یجد أنها لا ترضى عنه أبدًا، ویجد فیما یقدِّمه
إلى زوجته کثیرًا من الانتقادات الکثیره، وکذلک الأمر عندما تجتهد الزوجه فی
محاوله إرضاء زوجها بطرق متعدِّده؛ فإنه لا یرضى عنها ویبسط لها کثیرًا من
الانتقادات.
وفی
المجال الدعوی یواجه إمام المسجد اختلاف وجهات نظر المصلین؛ فمنهم من یرغب فی أن
تکون الصلاه خفیفهً ویستشهد بقول النبی صلى الله علیه وسلم: “أفتَّانٌ أنت یا
معاذ؟!”، ومنهم من یرغب فی أن تکون هذه الصلاه طویلهً ویقول نرید أن نستمع
للقرآن ونتدبَّر معانیَه، وکثیرًا ما یقولون للإمام لا تعجل فی الصلاه، ومنهم من
یشکو من ارتفاع صوت مکبِّر الصوت، ومنهم من یشکو من خفضه، ومنهم من یشجِّع الأطفال
على الصلاه فی المسجد ویجعل لهم الجوائز تحفیزًا لهم وتدریبًا على صلاه الجماعه، ومنهم
من یرفض ذلک ویطردهم من المسجد؛ لما یحدثونه من ضوضاء وإزعاج وعلوِّ صوت وکثره
حرکه، وما أجمل قول الشاعر:
ضحکت فقالوا: ألا تحتشم؟! بکیت فقالوا: ألا تبتسم؟!
بَسَمْتُ فقالوا: یُرَائِی بها عَبَسْتُ فقالوا: بدا ما کتم
صَمَتُّ فقالوا: کَلِیلَ اللسان نطقت فقالوا: کثیر الکلم
حَلُمْتُ فقالوا: صنیع الجبان ولو کان مُقتدِرًا لانتقم
بَسِلْتُ فقالوا: لِطَیشٍ به وما کان مجترئًا لو حکم
یقولون شَذَّ إذا قلت لا وَإِمَّعَهٌ حِینَ وافَقْتَهُمْ
فأیقنتُ أنّیَ مهما أُرِِدْ رِضَا الناس لا بُدَّ مِنْ أنْ أُذَمْ
ولقد حاول رسول الله صلى الله علیه وسلم- على
ما عنده من رصید ضخم من الأخلاق اتصف به- أن یکسب رضا أهل مکه بدعوتهم إلى التوحید
ومکارم الأخلاق، فأبَوا واستکبروا، وألغوا عقولهم، وانساقوا وراء أهوائهم، وساوموه
على ترک الدعوه فأبى کلَّ الإباء، وعرضوا علیه من بین ما عرضوا أن یشارکهم عباده
الأوثان حتى یشارکوه عباده الله، ومع حرصه على کسب جانبهم لم یستطع أن یتحلَّل من
التزامات الرساله؛ فثبَّت الله قلبه على الحق، ووالاه بالتوجیه والنصح.. قال تعالى:
﴿وَلَنْ تَرْضَى عَنْکَ الْیَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ
قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ
الَّذِی جَاءَکَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَکَ مِنْ اللهِ مِنْ وَلِیٍّ وَلا نَصِیرٍ﴾ (البقره:
120)، وأمام باطلهم واتهاماتهم، وأمام عروضهم الکثیره لاجتذابه نحوهم، یقول الله
له: ﴿قُلْ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِی خَوْضِهِمْ یَلْعَبُونَ﴾ (الأنعام: من الآیه ۹۱).
ولعل
من المناسب هنا للداعیه أن یعرف من یخاطب، والمعرفه لا تقتصر على لقاءٍ أو لقاءین،
وإنما لا بد من المعایشه والمخالطه، ثم تفهم إمکاناتهم، واستیعاب طاقاتهم؛ فکل
إنسان له حاجات، وتلبیه حاجاتهم ورغباتهم نصف الطریق للوصول إلى قلوبهم.
والداعیه الذی یتحاکم الناس إلیه؛ کلٌّ یرید
منه أن یقضیَ له، فإذا مال قلبه نحو أحدهما أو فضَّله لمنزلهٍ أو جاهٍ، أو حتى من
أجل هدایته فسینصرف عنه الآخر، وإنما یجب أن یحکم بینهما بما أنزل الله؛ یقول
تعالى: ﴿وَأَنْ احْکُمْ بَیْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ
أَهْوَاءَهُمْ﴾ (المائده: من الآیه ۴۹)، وقوله تعالى: ﴿یَا دَاوُودُ إِنَّا
جَعَلْنَاکَ خَلِیفَهً فِی الأَرْضِ فَاحْکُمْ بَیْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا
تَتَّبِعْ الْهَوَى فَیُضِلَّکَ عَنْ سَبِیلِ اللهِ إِنَّ الَّذِینَ یَضِلُّونَ
عَنْ سَبِیلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِیدٌ بِمَا نَسُوا یَوْمَ الْحِسَابِ﴾ (ص:
26).
والواجب أن یسمع الداعیه من کلٍّ منهما على
حدته، ویزن الأمور بمیزانها الصحیح، ویبحث عن نقطه مضیئه فی حجه کلٍّ منهما، ویثنی
على ذلک، ثم یثبت الحق لصاحبه، وبهذا یضمن محبه الجمیع له.
والداعیه فوق منبره تتنازعه هموم الناس
وآلامهم؛ فإن خاض فی حدیثٍ دون حدیث، أو التفت إلى قومٍ دون قوم تُظَنُّ به
الظنون، ویُوضع فی دائره الاتهام، ولا عاصمَ له من ذلک إلا أن یعلن أمام الجمهور
عزمَه على الحدیث فی موضوع کذا وکذا فی المستقبل القریب، فیطمئن المضطرب، ویسکن
القلق، ویهدأ المرتاب.
ضع فی نفسک أخی الداعیه أنک عاجزٌ عن إرضاء
الناس جمیعًا؛ فإن الله تعالى وهو مالک الأمر کله آمن به بعض الناس، وکفر به البعض
الآخر، ورضی بقضائه أناس، وسخط آخرون، ولو شاء الله لآمن من فی الأرض کلهم جمیعًا،
ولکنها إراده الله.
ورسول
الله صلى الله علیه وسلم مرَّت ببعض أصحابه لحظات لم یفهموا حکمه بعض تصرُّفاته،
حتى إذا فهموها عاد إلیهم الصفاء، وزاد حبهم له صلى الله علیه وسلم، وما أمر قسمته
لغنائم هوازن وإعطاء المؤلَّفه قلوبهم وموقف الأنصار من ذلک منا ببعید!!.
ولو
حاول الداعیه أن یُرضیَ النفوس جمیعها لعانى معاناهً کبیرهً، ولذهبت جهودُه أدراجَ
الریاح؛ فکل نفس لها فی کل وقت هوى، ولها مع کل ظرف غرض، ولقد شقی أحد المحبین فی
عمل یُرضی به حبیبته، وانتهى أمره إلى تصویر حاله بهذه الصوره:
شکوتُ فقالت: کل هذا تبرمًا بحبی، أراح الله قلبک من حبی
فلما کتمتُ الحب قالت: لشد ما صبرت، وما هذا بفعل شجی القلب
وأدنو فتقصینی، فأبعد طالبًا رضاها، فتعتدُّ التباعد من ذنبی
فشکوای تؤذیها وصبری یسوءها وتجزع من بُعدی وتنفر من قربی
فیا قوم هل من حیله تعلمونها أشیروا بها واستوجبوا الشکر من ربی
فإذا کانت هذه مشکله محبٍّ مع حبیبته، فردٍ
مع فرد، فما بالک بمشکله فردٍ مع جماهیر المجتمع وطوائفه وفئاته؟!
الواجبات
السبعه
وحتى یدرِّب الداعیه نفسه ویعوِّدها هذا
الأمر، نوصیه باتباع الأمور التالیه:
۱- لیکن همک الأول إرضاء الله تعالى ولو سخط
علیک الناس جمیعًا:
فقد خرَّج الترمذی فی الزهد عن رجلٍ من أهل
المدینه قال: کتب معاویه رضی الله عنه إلى عائشه رضی الله عنها أن اکتبی لی کتابًا
توصینی فیه ولا تکثری علیّ، فبعثت عائشه رضی الله عنها إلى معاویه: “سلام
الله علیک، أما بعد.. فإنی سمعت رسول الله صلى الله علیه وسلم یقول: “من
التمس رضا الله بسخط الناس کفاه الله مئونه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله
وَکَلَه الله إلى الناس” والسلام علیک” (إسناده صحیح).
وفی روایه لابن حبان: “من أرضى الله
بسخط الناس کفاه الله، ومن أسخط الله برضا الناس وَکَلَه الله إلى الناس” (وسنده
صحیح أیضًا، والحدیث ذکره الشیخ الألبانی فی حدیث الجامع الصغیر للسیوطی، وقال عنه
الشیخان شعیب وعبد القادر الأرناءوط فی تحقیقهما لزاد المعاد: إسناده صحیح).
وقوله صلى الله علیه وسلم: “من التمس
رضا الناس” یعنی: طلب، وقوله: “کفاه الله مئونه الناس” المئونه: التبعیه،
والمقصود کفاه الله تعالى شر الناس وأذاهم.
وهذا میزان دقیق ینبغی أن یکون واضحًا عند
کل الدعاه؛ لأن البعض ربما یجاری الناس فیما یحبون، ولوعلى حساب فریضه بتأخیرها عن
وقتها؛ مثل الذی یذهب إلى میعاد ما ویخاف أن یفوته فیؤجِّل أداء الصلاه إلى حد
خروج وقتها حتى یقضیَ میعاده، وما درى هذا أن من أحبِّ الأعمال إلى الله الصلاه
على وقتها، وقِسْ على ذلک أمورًا کثیره تحدث فی واقعنا المعاصر.
۲- الثبات على المبادئ وعدم الحیده عنها:
فلا یستدرج الداعیه إلى التورط، خاصهً أوقات
الأزمات، بین شخص وآخر، أو فصیل وآخر، ولیتذکَّر أنه داعیه للخیر، وصدیق للجمیع؛
یبسط یده للقریب والبعید، ینظر إلى الإیجابیات ویستبشر بها، ولا یرکِّز على
السلبیات، وهو لا یبیع دینه بعرض من الدنیا، ولا یلتمس رضا فلان أو غیره، وإنما
الواجب أن یثبت على مبادئه ولا یحید عنها، طالما أنها من الإسلام تنبع، وعلى أصوله
ترتکز.
۳- تنظیم الوقت وتفعیل فقه الموازنات
والأولویات:
فالوقت لا یتسع لکل شیء، ولأن الواجبات أکثر
من الأوقات، ومن الأفضل للداعیه أن ینظر وَفْق المتطلبات العاجله والمشکلات
الکبیره، فیعمل على حلِّها، والأمور الصغیره یمکن تأجیلها إلى وقتٍ آخر، وکما قال
القائل: “الوقت المفقود؛ لا یعود ولا یُشترى بالنقود”.
وفقه الموازنات یعنی أن نوازن بین المصالح
بعضها وبعض؛ من حیث حجمها وسعتها، ومن حیث عمقها وتأثیرها، ومن حیث بقاؤها
ودوامها، وأیها ینبغی أن یُقدَّم ویُعتبر، وأیها ینبغی أن یُسقط ویُلغى، خاصهً إذا
کان من المتعذر أن نقوم بعمل کل شیء نریده!.
أما فقه الأولویات فمعناه أن نضع کل شیء فی
مرتبته؛ فلا یُؤخَّر ما حقُّه التقدیم، أو یُقدَّم ما حقُّه التأخیر، ولا یُصغَّر
الأمر الکبیر، ولا یُکبَّر الأمر الصغیر، ومن فقه الأولویات أن نعرف أیَّ القضایا
أولى بالاهتمام؛ فنعطیها من الجهد والوقت أکثر مما نعطیه لغیرها.. یقول الشاعر:
والوقتُ أَنْفَسُ ما عُنِیتُ بحفظه وأراهُ أسهلَ ما علیکُ یضیعُ!!
وحبَّذا لو علَّمنا الناس هذا الباب العظیم
من الفقه؛ حتى یزنوا به کلَّ أمور حیاتهم الشخصیه والأسریه والمجتمعیه، ضاربین لهم
الأمثله من القرآن الکریم والسنه المطهَّره، فنخلق مجتمعًا واعیًا مدرکًا ممیِّزًا
بین المصالح وبعضها البعض وبین المضار وبعضها البعض.
۴- التماس
الأعذار للناس.. کل الناس:
ففیهم العالم والجاهل، الطائع والعاصی،
الملتزم والمقصِّر، وکلٌّ أصحاب ثقافات شتى، وأعراف متعدِّده، والداعیه مُطالَب
بالتواصل مع الجمیع تواصلاً ینتج المحبه والثقه والتقدیر، لا ینتج الکراهیه أو
الشک أو الإهمال، ولن یجد الداعیه إنسانًا بلا أخطاء.. یقول الإمام علی بن أبی
طالب کرّم الله وجهه: “أعقل الناس أعذرهم للناس”، ویقول الشاعر:
ومَنْ ذا الذی تُرضى سجایاه کلها کفى بالمرء حمدًا أن تُعدَّ معایبه
۵- الالتزام بمبدأ التسامح مع الآخرین:
وخاصه الذین یکثرون من الاعتراض والشکوى،
ولیکن قدوتنا رسول الله صلى الله علیه وسلم الذی عبَّر کثیرًا عن هذه القیمه بمثل:
“اللهم اهد قومی؛ فإنهم لا یعلمون”، وقوله: “لعل الله یخرج من
أصلابهم من یعبده لا یشرک به شیئًا”، وقوله: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
وینبغی أن یکون هذا المبدأ فعلاً لا قولاً،
وسلوکًا لا فکرًا؛ ففعل رجل فی ألف رجل خیر من قول ألف رجل لرجل.. یقول عبد الله
بن مسعود رضی الله عنه: “من یغفرْ یغفر الله له، ومن یَعْفُ یَعْفُ الله عنه”،
ویقول الشاعر:
سَامحْ صدیقکَ إن زلَّت به قدم فلیس یسلمُ إنسانٌ من الزَّللِ
۶- الدعاء..
الدعاء.. الدعاء:
أن
یُلین الله لک قلوب الناس، وأن یفتح لک عقولهم، وأن ییسر فکرتک لتکون ذا قیمه
عندهم وقبول، فلیس المهم لک أخی الداعیه أن تکسب موقفًا، ولکن المهم أن تکسب قلوب
الناس؛ فلو فعلت ذلک ستضیق المسافات بینک وبینهم، وستجد قبولاً واستجابهً لما
تقول، وسیقلُّ الذین یعارضونک؛ إما لأنهم لا یجدون آذانًا مُصغیه لهم، وإما لأنهم
سیستحیون من أنفسهم، ویعودون إلى رشدهم حتى لا یصبحوا کالشعره السوداء فی الثور
الأبیض، ومن ثم یعود إلیک الصفاء.
یا خالق الخلق یا رب العباد ومَنْ قد قال فی محکم التنزیل: ادعونی
إنی دعوتک مضطرًّا فخذ بیدی یا جاعل الأمر بین الکاف والنون
۷- ابتعد عن الصفات السلبیه:
فإیاک وإیاک والعجز، أو الیأس أو الفتور، أو
الإحباط أو الکراهیه؛ فهی صفات لا تلیق بالداعیه، ولتعلم أن أحلام الأمس حقائق
الیوم، وأحلام الیوم حقائق الغد، ولا زال فی الوقت متسع لتغییر قناعات الناس وما
أَلِفُوه من شر، وما ورثوه من عناد، فاصبر.
لا تیأسن من روح ربک وارجُهُ فی کل حالٍ فهو أکرم مَنْ رُجِی
وإذا عَرَتْکَ من اللیالی شِدَّهٌ فاعلم بأن مآلها لِتَفَرُّجِ
ولتکن الوصیه القرآنیه للنبی صلى الله علیه
وسلم أمامک فی کل وقت: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّکَ یَضِیقُ صَدْرُکَ بِمَا
یَقُولُونَ (۹۷) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّکَ وَکُنْ مِنْ السَّاجِدِینَ (۹۸) وَاعْبُدْ
رَبَّکَ حَتَّى یَأْتِیَکَ الْیَقِینُ﴾ (الحجر).
المصدر : اخوان ان لاین