بیان “الإخوان المسلمون” فی الذکرى الـ۸۹ لتأسیسها

بیان “الإخوان المسلمون” فی الذکرى الـ۸۹ لتأسیسها
الیوم.. مطلع عام جدید تسطع شمسُه على جماعه “الإخوان المسلمون”، لتدخل فیه عامًا جدیدًا من عمرها المدید بإذن لله، مستضیئهً بنور القرآن، مستظلهً بهدی خیر الأنام، صلى الله علیه وسلم، تصدع بکلمه الحق فی ربوع الأرض، لا یثنیها عن غایتها ورسالتها – بحمد الله تعالى – عوائق ولا صعوبات، یضعها فی طریقها من لم تنشرح قلوبهم بنور الإسلام، وتملَّکتهم روح العداء ونهج الإقصاء؛ الذی ارتکبوا من خلاله التجاوزات المنتهکه لکل ما تعارفت علیه الفطره الإنسانیه السلیمه.

لقد ظهرت دعوه “الإخوان المسلمون” إلى الوجود (۱۳۳۷هـ – ۱۹۲۸م) فی ظروف بالغه الصعوبه، وفی أجواء عاصفه کان یمر بها العالم الإسلامی، بعد انتهاء الحرب العالمیه الأولى، وإلغاء الخلافه الإسلامیه، وما صاحبها من عدوان بشع على الأمه الإسلامیه ووحده أراضیها، وبروز المشروع الصهیونی على أرض فلسطین، وترویج الأفکار الغریبه عن دین الأمه وثقافتها فی محاوله لهدم ثوابتها.

ومن رحم هذه الآلام، ومن ثنایا المؤامره على الأمه وعقیدتها، جاءت دعوه الإصلاح الشامل، لتعید للأمه عافیتها، وتبث – بدأب ومثابره – روح الإسلام فی قلب الأمه من جدید، وبدأت فی بناء الأجیال جیلاً بعد جیل على هدی من القرآن الکریم والسنه الشریفه، منطلقهً نحو غایتها الکبرى لتحریر الشعوب والعوده بهم إلى أحضان الإسلام الحنیف.

وفی رسالته “بین الأمس والیوم”، حدد الإمام الشهید حسن البنا، یرحمه الله، طبیعه الدعوه، ومَن هم الإخوان، قائلاً: “أیها الإخوان.. أنتم لستم جمعیه خیریه.. ولا حزبًا سیاسیًّا.. ولا هیئه موضعیه الأغراض محدوده المقاصد.. ولکنکم روح جدید یسری فی قلب هذه الأمه فیحییها بالقرآن.. ونور جدید یشرق فیبدد ظلام الماده بمعرفه الله.. وصوت داوٍ، یعلو مرددًا دعوه الرسول صلى الله علیه وسلم”.

ویشهد تاریخ الجماعه، منذ نشأتها، أنها قد انطلقت فی کل میادین العمل الإسلامی والوطنی؛ السیاسیه والاقتصادیه والاجتماعیه والخیریه والنقابیه؛ سعیًا لإصلاح المجتمع ورقیّه، ونصرهً لقضایا أمتها والتضحیه فی سبیلها بکل ما تملکه ویملکه أبناؤها فی تطبیق عملی لإیمانهم العمیق بمبادئ دینهم وقیمه، وقدموا نماذج فذه للشخصیه الإسلامیه الإیجابیه المتکامله، وضربوا أروع الأمثله فی التضحیه والفداء ابتغاء مرضاه الله سبحانه وتعالى.

وتشهد الدنیا ما قدمته الجماعه فی ساحات العطاء المختلفه طوال تاریخها؛ حیث کان أبناؤها من أوائل من جاهدوا وقدموا الشهداء فی ساحات البذل والتضحیه، ولسان حال الجمیع یقول (وعجلت إلیک ربّ لترضى).

قاوم الإخوان المسلمون الظلم والطغیان؛ أیًّا کان مصدره، فتکالبت علیهم قوى الشر جمیعًا – وما زالت- لإفشال دعوتهم الإصلاحیه ومحاوله استئصالها، وقدم مؤسس الجماعه روحه الطاهره فداءً لدینه، وسعت النظم المتعاقبه لحجب عمل الجماعه ومنع عطائها لأمتها، بالحل والمصادره والسجن والاعتقال، منذ أربعینیات القرن الماضی، ونُصبت لها المحاکم العسکریه والاستثنائیه، وصودرت أموال أبنائها وممتلکاتهم، ولکنها لم تتمکن – بفضل الله – من نزعها من قلوب أبنائها؛ فمضوا فی طریقهم مقدمین آلاف الشهداء عبر تسعه عقود من عمرها المدید، وعشرات الآلاف من المعتقلین الصامدین الثابتین على مبادئهم، فما غیّروا وما بدّلوا، ولم تتوقف الدعوه أو تنزوی، بل ازدادت بفضل الله تعالى انتشارًا، تنشر الخیر فی ربوع الأرض.

والیوم، تتعرض الجماعه لحمله ضاریه، تتحالف فیها قوى البغی من کل حدب وصوب، فی محاوله یائسه لإسکات صوت دعوه الحق والقوه والحریه، ولکن هیهات لهم أن ینجحوا، فهذه الحرب المعلنه التی یقودها الانقلابیون الخونه ستبوء – مثل سابقاتها – بالفشل بحول الله؛ لأن سنه الله فی هزیمه الباطل ماضیه إلى یوم القیامه.

إن ملحمه الصمود والثبات التی سطرتها الجماعه عبر صفحات تاریخها تثبت للعالم أجمع أنهم ماضون – بعون من الله وتثبیت – على طریق الصدع بکلمه الحق دفاعًا عن حقوق الأمه، واستردادًا لحقوق الشعب المصری وتمسکًا بالشرعیه وقصاصًا لدماء الشهداء والجرحى ودفاعًا عن حقوق الأبطال الصامدین خلف القضبان، ملتمسین التوفیق والسداد من الله سبحانه وتعالى.

إننا أصحاب عقیده ومبدأ، نحمل الخیر للناس کل الناس، موقنین أن الباطل سیندحر یومًا ما، وستشرق شمس الإسلام لتعمَّ بنورها وتفیض بخیرها على الأمه والبشریه جمعاء.. (أَمْ یَقُولُونَ نَحْنُ جَمِیعٌ مُّنتَصِرٌ. سَیُهْزَمُ الْجَمْعُ وَیُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (القمر:۴۴،۴۵).

تحیهً إلى صمود الأبطال فی السجون والمعتقلات، ودعاءً للعلی القدیر بأن یتقبل دماء الشهداء وأنّات الثکالى والیتامى وجهود المخلصین قربهً لیوم الخلاص القریب، مع یقیننا بوعد الله بأن کل ذلک لن یضیع سدى.. (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِینَ آمَنُوا فِی الْحَیَاهِ الدُّنْیَا وَیَوْمَ یَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: ۵۱).

والله أکبر ولله الحمد

الإخوان المسلمون
الأربعاء ۲۴ جمادى الآخره ۱۴۳۸هـ ، الموافق ۲۲ مارس ۲۰۱۷م