فی ذکرى ۱۱ سبتمبر ، أکذوبه الإرهاب الإسلامی
فی ذکرى ۱۱ سبتمبر ، أکذوبه الإرهاب الإسلامی
رساله من: أ.د. محمد بدیع- المرشد العام لجماعه الإخوان المسلمین
الحمد لله، والصلاه والسلام على رسول الله صلى الله علیه وسلم ومن والاه، وبعد..
فی الحادی عشر من سبتمبر ۲۰۱۱م تطالعنا ذکرى مرور عشر سنوات على تلک الأحداث التی غیَّرت وجه العالم، جاءت هذه الأحداث مع وصول الجناح المتطرف والمُسمَّى "المحافظین الجدد" إلى سدَّه الحکم فی أمریکا، ولم یَمْضِ على دخول بوش الابن البیتَ الأبیض سوى بضعه أشهر حتى وقع الحدث.
ولأن الیمین المتطرف کان مستغرقًا بالکامل فی ذلک الحین فی إعداد الخطط الکفیله بتمکین أمریکا من فرض هیمنتها على العالم أجمع طوال القرن الحادی والعشرین؛ إذ کانوا یصرُّون على أن یکون هذا القرن "قرنًا أمریکیًّا" خالصًا.. فقد صُمِّمت أحداث سبتمبر لتمنح هذا التیار الفرصه الذهبیه لإطلاق الآله العسکریه دون ضوابط لإحکام السیطره الأمریکیه على العالم تحت ستار (الحرب على الإرهاب)، وکان العالم الإسلامی هو المستهدف بهذه الحرب.
کانت الرؤیه الغربیه تجاه العالم الإسلامی أسیره نظرتَیْن سادتا فی ذلک الوقت: الأولى نظریه (صدام الحضارات)، والتی تبنَّاها بوش شخصیًّا، واعتمد علیها فی الهجوم على العالم الإسلامی، والأخرى نظریه (نهایه التاریخ)؛ فقد اتفقت النظریتان على اعتبار الإسلام هو الخطر الأکبر والوحید الذی یواجه البشریه الآن، ومن ثم التحریض على الهجوم على العالم الإسلامی وضربه قبل أن یستفحل خطره.
کانت فکره (محور الشر) واتهام دول بعینها، مثل العراق وأفغانستان، بأنها دول شریره، واتهام "القاعده"؛ الشراره الأولى التی ارتکزت علیها أمریکا لتبدأ المواجهه باحتلال أفغانستان، ثم العراق، لترتکب أمریکا أکبر جریمه عسکریه وأخلاقیه انتُهکت فیها حقوق الإنسان فی سجنَیْ "جوانتانامو" "وأبو غریب"، وفی السجون المتنقله والطائره عبر العالم، والتی کان المعتقلون یُنقلون إلیها لیتولى بعد ذلک العملاء من الحکام الطغاه مهمه تعذیبهم بل وقتلهم بالوکاله عن أمریکا.
إن الإداره الأمریکیه وهی تحیی ذکرى أحداث سبتمبر، أخذت تُعدِّد خسائرها البشریه والمادیه، وتقدم الإحصاءات والأرقام، ونحن کذلک نقدم مثالاً لا حصرًا من ملف النکبه الفلسطینیه التی تسببت بها أمریکا؛ فالرکام والحطام والدمار الناجم عن تحطیم الاحتلال الصهیونی المرافقَ الفلسطینیه؛ یفوق مئات المرات نظیرتها الناجمه عن تدمیر برجَیْ مرکز التجاره فی نیویورک- مع رفضنا التام للحادث- فإذا أضیف إلیها مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردین والمنفیین من وطنهم، علاوهً على حقیقه الحقائق، وهی أن الشعب الفلسطینی صار بلا وطن ولا أمن ولا سلام ولا حریه؛ صارت الکارثه الفلسطینیه هی کارثه العصر.
إننا نطالب الإداره الأمریکیه فی هذه الذکرى بأن تعترف بأن هناک احتلالاً صهیونیًّا، وأن هناک اغتصابًا للأرض الفلسطینیه التی قُدِّمت على أطباق "الاستیطان"، وأن هناک تهویدًا للقدس والضفه الغربیه، وأن هناک هدمًا لمنازل المواطنین الفلسطینیین، وتهجیرًا لأصحابها الشرعیین بعد مصادره هویاتهم؛ فإذا کانت أمریکا معنیه حقًّا بالقضاء على الإرهاب، فعلیها أن تبحث فی دوافعه ومسبباته؛ فهی دون شک کامنهٌ فی قهر الشعوب والتعالی علیها والکیل لها بمکیال خاص، وهی تحدیدًا متجذره فی النکبه الفلسطینیه.
وتشاء إراده الله، وقبل أن تحل الذکرى العاشره لأحداث ۱۱ سبتمبر، أن تنطلق الثورات والانتفاضات العربیه ضد الظلم والطغیان والدیکتاتوریه والفساد والاستبداد، وتطیح بأعتى الطغاه فی المنطقه الذین تولَّوا کِبْر ما یُسمَّى "الحرب" على الإرهاب؛ فجففوا المنابع، وضربوا الإسلام، وحاصروه، واشترکوا فی ضرب العراق وأفغانستان ومحاصره غزه؛ فکان "بن علی" فی تونس، و"القذافی" عمید الإرهابیین فی لیبیا، و"الکنز الإستراتیجی" للصهاینه فی مصر.
والعجیب أن تدَّعیَ الإداره الأمریکیه أنها بسیاستها وفرضها الدیمقراطیهَ ودفاعها عن حقوق الإنسان عجَّلت بالثورات العربیه؛ فهذه أکذوبه کبرى، بل قامت الثورات العربیه لصدِّ تلک الهجمه الصهیو- أمریکیه لمواجهه ذلک الانبطاح من الحکام الطغاه إزاءها، ولیس أدلَّ على ذلک مما نشاهده من هلع وخوف اعترى الصهاینه بعد ثوره الشعب المصری ضدهم، والتحول فی العلاقات الإستراتیجیه بین مصر وترکیا، والذی تُوِّج بزیاره أردوغان إلى القاهره لیشکل محورًا جدیدًا فی مواجهه المخطط الصهیونی.
هذه حکمه الله البالغه أن لکل ظالم نهایه، وإذ نشهد الآن نهایه الطواغیت فی أرجاء الوطن العربی، فإننا نشهد بدایه أفول نجم السیطره الأمریکیه والحضاره الغربیه أیضًا، وها هی الأصوات تتعالى من هناک منذرهً بسوء مصیر البشریه فی ظلِّ حضارهٍ خاویهٍ من الإیمان، لم تَجْنِ منها البشریه سوى القلق والهموم والأمراض النفسیه ومعدلات الانتحار المتزایده، على الرغم من الرفاهیه المادیه وإطلاق کل الشهوات بلا ضوابط ولا قیم.
وأصبح واضحًا وجلیًّا لکل ذی لُب أن الخلاص للبشریه فی اتباع نهج الإسلام ومنظومته القیمیه رغم المحاولات المستمره والدءوبه لتشویهه، والتی باءت کلها بالفشل الذریع، ولیتضح للجمیع أن خلاص البشریه مما هی فیه من ویلات هو فی اتباع تعالیم الإسلام فی جمیع المجالات، ففیها الخلاص والنجاه.. (صِبْغَهَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَهً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (۱۳۸)) (البقره).
وإذا کانت "عاد الأولى" قد سقطت سقوطًا سریعًا فما أقرب "عاد الثانیه" إلى عاد الأولى.. تلک سنه الله التی لا تتحول ولا تتبدل ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّهِ اللَّهِ تَبْدِیلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّهِ اللَّهِ تَحْوِیلًا (۴۳)﴾ (فاطر) هذا وعد الله الذی لا یُخلف وعده ولا وعیده، ولا مبدل لکلماته، وصدق الله العظیم القائل: ﴿وَتَمَّتْ کَلِمَهُ رَبِّکَ صِدْقًا وَعَدْلًا﴾ (الأنعام: من الآیه ۱۱۵).
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والله أکبر ولله الحمد.