الاحزاب و الحرکات

الإخوان المسلمون والصوفیه

الإخوان المسلمون والصوفیه

بقلم: عبده مصطفى دسوقی

الإخوان المسلمون والصوفیه

بقلم: عبده مصطفى دسوقی

مقدمه:

من أکثر العلوم التی اختلف الناس حولها “التصوف” فمنهم من أعلى من شأنه، وجعله غایه العلوم، ونعته بـ”علم الآخره” ومنهم من حط من قدره، وجعله بابًا واسعًا لإفساد عقائد الناس، ورمى أصحابه بالکفر والزندقه.

ووقف الإمام البنا من قضیه التصوف موقفًا معتدلاً، فلم یقبله کله، ولم یرفضه کله بما فیه من صواب وخطأ، وحسن وسوء، ولم یعتبر کل المتصوفه مبتدعین، کما لم یعتبرهم کلهم على سنه.

وقد تعرف الإمام البنا على التصوف فی مرحله باکره من شبابه، فقبل بلوغه الرابعه عشره التزم بالطریقه الحصافیه التی أسسها الشیخ حسنین الحصافی، وکانت دعوته مؤسسه على العلم والتعلم، والفقه والعباده والطاعه والذکر، ومحاربه البدع والخرافات الفاشیه بین أبناء بعض الطرق، والانتصار للکتاب والسنه على أیه حال، والتحرز من التأویلات الفاسده، والشطحات الضاره، والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، وبذل النصیحه على کل حال، حتى إنه غیّر کثیرًا من الأوضاع التی اعتقد أنها تخالف الکتاب والسنه.

واظب الإمام البنا فی هذه الطریقه على أورادها فی الذکر صباحًا ومساءً، والتی کانت تسمى “بالوظیفه الزروقیه”، ولم تکن هذه الوظیفه أکثر من آیات من الکتاب الکریم وأحادیث من أدعیه الصباح والمساء التی وردت فی کتب السنه، ولیس بها شیء من الألفاظ الغامضه، أو التراکیب الفلسفیه أو العبارات التی هی أقرب إلى الشطحات منها إلى الدعوات.

ومما شجعه على التزامها صحه الأحادیث التی اشتملت علیها، حیث خرجها وعلق علیها والده الشیخ أحمد عبد الرحمن البنا، فی رساله لطیفه سماها “تنویر الأفئده الزکیه بأدله أذکار الزروقیه”.

وکما أثر التصوف على تزکیه روح الإمام الشهید وتهذیب أخلاقه، أثر علیه أیضًا فی أسلوب تربیته للإخوان، حیث رباهم على إیثار الناحیه العملیه، وتجنب الجدل فی الخلافیات أو المشتبهات من الأمور.

ولقد فهم الإمام البنا التصوف فهمًا أحاط بکل جوانبه، کیف لا وقد عرکه منذ نعومه أظافره، لذا فقد وقف على عیوبه وممیزاته، وسلبیاته وإیجابیاته، وقد کتب فی غیر مره موضحًا للناس ما عرفه عنه، وعن أهله ومریدیه، ومما کتب مقاله بعنوان: “غایه الصوفیه رضوان الله علیهم ووسائلهم فی الوصول إلیها”.

ومع هذا الفهم الدقیق للتصوف والذی یدل على تجربه صوفیه عمیقه ومؤثره، فقد وقف الإمام البنا مع الجانب التربوی فقط منه ومدحه وحث علیه لما له من أثر طیب فی تهذیب السلوک. وقد کان من أعلام هذا الجانب، الإمام الجنید (ت ۲۹۷هـ) الحارث المحاسبی (ت ۲۵۴هـ)، والإمام القشیری والإمام الغزالی (ت ۵۰۵هـ) وغیرهم من أعلام التصوف، یقول الإمام البنا عن هذا الجانب من التصوف: “وهذا القسم من علوم التصوف، واسمه “علوم التربیه والسلوک”، ولا شک أنه من لب الإسلام وصمیمه، ولا شک أن الصوفیه قد بلغوا به مرتبه من علاج النفوس ودوائها، والطب لها والرقی بها، لم یبلغ إلیها غیرهم من المربین، ولا شک أنهم حملوا الناس بهذا الأسلوب على خطه عملیه من حیث أداء فرائض الله واجتناب نواهیه، وصدق التوجه إلیه، وإن کان ذلک لم یخل من المبالغه فی کثیر من الأحیان تأثرًا بروح العصور التی عاشت فیها هذه الدعوات: کالمبالغه فی الصمت والجوع والسهر والعزله.. ولذلک کله أصل فی الدین یرد إلیه، فالصمت أصله الإعراض عن اللغو، والجوع أصله التطوع بالصوم، والسهر أصله قیام اللیل، والعزله أصلها کف الأذى عن النفس ووجوب العنایه بها.. ولو وقف التطبیق العملی عند هذه الحدود التی رسمها الشارع لکان فی ذلک کل الخیر”.

ولکن فکره الدعوه الصوفیه لم تقف عند حد السلوک والتربیه، ولو وقفت عند هذا الحد لکان خیرًا لها وللناس، ولکنها جاوزت ذلک بعد العصور الأولى إلى تحلیل الأذواق والمواجد، مع مزج ذلک بعلوم الفلسفه والمنطق ومواریث الأمم الماضیه وأفکارها، فخلطت بذلک الدین بما لیس منه، وفتحت الثغرات الواسعه لکل زندیق أو ملحد أو فاسد الرأی والعقیده، لیدخل من هذا الباب باسم التصوف والدعوه إلى الزهد والتقشف، والرغبه فی الحصول على هذه النتائج الروحیه الباهره، وأصبح کل ما یکتب أو یقال فی هذه الناحیه یجب أن یکون محل نظر دقیق من الناظرین فی دین الله والحریصین على صفائه ونقائه”.

ورغم أن الإمام البنا نشأ فی أحضان “الطریقه الحصافیه”- إلا أنه لم یأخذ من التصوف إلا ناحیته التربویه السلوکیه ورفض ما دونها، لأن الطرق الصوفیه قد تأثرت کثیرًا بالانحراف الفلسفی الذی طرأ على التصوف وانحرف به عن جاده الصواب، وابتعد به عن طریق الکتاب والسنه والسلف الصالح.

الإخوان وإصلاح التصوف:

 

عز على الإمام البنا- وهو الذی علم التصوف عن تجربه، وسبر جوهره عن خبره- أن یؤول حاله إلى ما آل إلیه، وهو من یعلم أن فی التصوف قوه روحیه لو انضبطت بالکتاب والسنه وتوجهت نحو العمل وتجمیع الناس، وتألیف قلوبهم لأثمرت أمه فریده بین العالمین، لذلک فقد دعا إلى إصلاح الطرق الصوفیه، وشجع مثل هذه الدعوات، وکتب عن ذلک فقال: “ومن واجب المصلحین أن یطیلوا التفکیر فی إصلاح هذه الطوائف من الناس، وإصلاحهم سهل میسور، وعندهم الاستعداد الکامل له، ولعلهم أقرب الناس إلیهم لو وجهوا نحوه توجیهًا صحیحًا، وذلک لا یستلزم أکثر من أن یتفرغ نفر من العلماء الصالحین العاملین، والوعاظ الصادقین المخلصین لدراسه هذه المجتمعات، والإفاده من هذه الثروه العلمیه، وتخلیصها مما علق بها، وقیاده هذه الجماهیر بعد ذلک قیاده صالحه.

وقد امتلأت جریده الإخوان المسلمین بمثل هذه الدعوات إلى إصلاح الطرق الصوفیه وأهلها، من ذلک مقال تحت عنوان: “إلى الساده أهل الطرق الصوفیه: هل تفکر وتأخذ بهذا الاقتراح!!..” یقول: وجد التصوف یوم وجد ونشأت الطرق لتخدم الإسلام وتثبت عقائده وتربی الناس على مبادئه.. وکثیر من شیوخ الطرق رضوان الله علیهم کانوا مثلاً علیًا فی العباده والتربیه والسیر بمتبوعیهم إلى سنن الکمال ثم خلفت من بعدهم خلوف غیرت وبدلت وحق فیها قول أبی مدین:

واعلم بأن طریق القوم درسه            وحال من یدعیها الیوم کیف ترى

ومن الخطأ الفاحش والخطر الداهم وجود مثل هذه الطرق غیر المتفقه مع الشریعه على حالتها التی وصلت إلیها الیوم تحتل قلوب العامه إذ رأوا فیها بابًا من ذکر الله ومدیح الأولیاء، فتأخذ بناصیه المتعلقین بها إلى الهاویه.

فحق على کل مسلم أن یرد القوس لباریها، وأن یذود عن هذا الدین بکل قواه ویصدم کل من یتصدى للدفاع عن هذه الهمجیه التی قربتنا من الوثنیه، بل وجب علیه أن یصرع کل من جرح الدین الحنیف وسبب له الامتهان.

أیرضى النبی بهذه الخزعبلات التی ابتدعها القوم بعده، فجاءت مهزله وأی مهزله بهذه الفصائل والجماعات الکسوله التی لا تجتمع فی المیادین لتخیف العدو أو تنصر الدین، بل لتزعج السکان لیلاً بالصیاح وقرع الطبول کأنما الحرب على الأبواب.. وناهیک من أنهم جمیعًا (منتسبون) ولولاهم لطارت البرکه من البلاد ولما وجد الزاد، فلیجمع أهل الطرق رأیهم ولیخططوا هذه الخطوه الصائبه، ولینظموا صفوفهم ویهذبوا نشیدهم أو یخلقوه خلقًا جدیدًا، ولیشترکوا فی الریاضه والسباحه ورکوب الخیل واستعمال السیوف والتمرن على الکشف والعسکره.

إن تلک القوه لو تجمعت، وتلک الجیوش الجدیده لو تجمهرت، وتلک الکتائب لو تکاتفت لنفعتنا وقت الفاجعه حیث لا ینصر الله إلا من جد وقام یقول أنا سیف الله.

وکتب الأستاذ عمر التلمسانی عام ۱۹۳۶م مقالاً تحت عنوان: “الإخوان المسلمون مبدأ، وفکره، وعقیده” یقول: “بقیت لدینا طائفه من المسلمین هم من أحب الناس إلى قلبی، ومن أقربهم إلى نفسی، أولئک هم أصحاب الطرق الصوفیه، ولست أقصدهم جمیعًا على إطلاقهم، وإنما عنیت منهم من صفت سریرته وطابت بالتقوى دخیلته، وحسنت بالإیمان نیته، أقصد منهم من عرف طریق التصوف حق معرفته فأخلص لله عمله وألزم نفسه سبیل المؤمنین”.

محاربه الإخوان لبدع الصوفیه:

ولم یقف دور الإخوان عند دعوه الطرق الصوفیه إلى الإصلاح وإلى الاجتماع على إصلاح الأمه، بل تعداه إلى محاربه البدع والضلالات التی راجت بین کثیرین منهم عند الزیارات البدعیه للأضرحه، والتبرک بالقبور، ودعاء الأموات، وتعلیق التمائم.. وغیرها، فأعلن الإمام الشهید الحرب على هذه الأشیاء فی “الأصول العشرین” حیث اعتبرها کبائر تجب محاربتها، فقال فی الأصل الثالث: “وللإیمان الصادق والعباده الصحیحه والمجاهده نور وحلاوه یقذفها الله فی قلب من یشاء من عباده، ولکن التمائم والرقى، والودائع، والرمل، والمعرفه والکهانه، وادعاء معرفه الغیب وکل ما کان من هذا الباب، منکر تجب محاربته إلا ما کان من قرآن أو رقیه مأثوره”. وقد کان من أسالیب الإخوان فی حرب هذه البدع أن یوزعوا على أئمه المساجد وخطبائها خطبه جمعه تتحدث عن بعض تلک المفاسد، وکانوا ینشرون مثل هذه الخطب فی جریده الإخوان فی باب “عظه المنبر”، من ذلک مقاله بعنوان: “المفاسد التی تقترف بالموالد”.

وقد حمل تلامیذ الإمام حسن البنا لواء إنکار المنکر على بدع الصوفیه، وکتبوا فی ذلک الشیء الکثیر، نذکر منه ما کتبه الشیخ إبراهیم خلیل الشاذلی فی جریده الإخوان عام ۱۹۳۵م تحت عنوان: “الذکر الملحون والمحرف”.

وکتب الإمام البنا یقول:

 “أجمع شیوخ الصوفیه رضوان الله علیهم أن الغایه من الطریق هی “الوصول إلى الله تبارک وتعالى” والفوز بقربه والسعاده بمعرفته، وأجمعوا کذلک على أن السبیل إلى ذلک أثر واحد هو الاعتصام بالکتاب والسنه ومتابعه الرسول صلى الله علیه وسلم، وها أنت قد رأیت فیما قدمناه لک فی حد التصوف وما یتعلق به من کلامهم رضوان الله علیهم مما یؤید ذلک ویؤکده.

والناظر فی کتبهم وأقوالهم رضوان الله علیهم یراهم قسموا الطریق إلى أربع مراحل: المرحله الأولى مرحله العمل الظاهر من العکوف على العباده، والانقطاع إلى الله تعالى، والإعراض عن زخرف الدنیا وزینتها، والزهد فیما یقبل علیه الجمهور من لذه ومال وجاه، والانفراد عن الخلق فی الخلوه للعباده والاشتغال بالذکر والاستغفار… إلخ، وهذا حظ العامه من المریدین بل حظ الناس أجمعین.

والمرحله الثانیه:

 مرحله العمل الباطن، من مجاهده النفس وتطهیرها من الأخلاق الذمیمه وتحلیتها بالأخلاق الفاضله، ومحاسبتها على الصغیر والکبیر من أعمالها، ومراقبتها فی هذه الأعمال حتى لا یصدر عنها ما یکون حائلاً دون الوصول إلى الغایه وهو حظ المتوجهین من الصادقین والمبتدئین من السالکین.

والمرحله الثالثه:

مرحله الأحوال والمقامات والأذواق والمواجد، وذلک أن ریاضه النفوس ومجاهدتها والمداومه على العباده وآدابها یرقق حجاب الحس ویقوی سلطان الروح، ویقذف فی القلب نورًا ینکشف به للسالک ما لم یکن یعلم من جمال الکون وجلاله ودقائقه وأسراره ومظاهره، وتجد لذلک نشوه فی الفؤاد ولذه فی المشاعر، ولا تزال هذه المشاعر التی یسمیها القوم واردات وأحوالاً تقوى فی النفس حتى تصیر لازمه لها فتکون مقامات ثم تتوارد على القلب واردات أخرى هی أحوال جدیده ثم تقوى فتصیر مقامات، وهکذا لا یزال السالک یترقى من حال إلى مقام ثم إلى حال فوق هذا المقام ثم مقام أرقى من المقام الأول حتى یصل إلى المرتبه الرابعه، وهذا حظ المستشرفین من السالکین والمبتدئین من العارفین.

المرحله الرابعه:

 مرحله الوصول وهی مرحله زوال الحس وتجرد النفس ووصولها إلى مرتبه شهود الحق بالحق، ولیست هناک عباره تحد تلک المرحله أو تحیط بوصفها، وکل ما یعرف السالکون عنها لمحات من بوارق أنوار القرب منها فیحدوه ذلک إلى السیر، فإذا قدر لهم الوصول فثم تمحى العبارات وتغنی الإشارات ویکون الأمر على حد قول القائل محب ومحبوب وساعه خلف وهذا حظ الواصلین العارفین.

فأما المرحلتان الأولى والثانیه فقد فصل القرآن الکریم والسنه المطهره حدودهما وأبانا نهجهما وأرشدا إلیهما، ولم یدعا فی ذلک زیاده لمستزید، لهذا کان کلام الشیوخ الأولین رضوان الله علیهم کالمحاسبی والجنید وإبراهیم بن أدهم وذی النون المصری وبشر الحافی وداود الطائی وأضرابهم دائرًا حول هاتین لا یتجاوزهما إلى غیرهما، وإن وجد فی کلامهما غیر ذلک فإنما هی رشحات تخرج عن دائره القدره البشریه، وهاتان المرحلتان هما أساس الطریق ولبه، وما عداهما ففرع لهما لا یمکن الوصول إلیه إلا بهما کما فصلنا ذلک من قبل.

وأما المرحله الثالثه فلا تحد بأوصاف ولا تنضبط بعباره، لأن الأذواق والمواجد لا حد لها وهی عند کل شخص بما یناسبه، فهی شخصیه عامه، ومبهمه لا واضحه ومطلقه غیر محدوده فأنى تحدها العبارات أو تحصرها اللغات، وقد استفاضت فی کتب بعض الشیوخ ولا سیما المتأخرین منهم فکانت مثار الإنکار علیهم بما أنها خاصه بهم لا یدرکها غیرهم، وقد لا ینطبق التعبیر على ما ألف الناس من أحکام الشریعه وعرفوا من حدودها، ومن هنا نشأ الخلاف بین الفقهاء والصوفیه، ولو اقتصر الصوفیه على المرحلتین الأولیین وترکوا هذه الأذواق والمواجد ینعم کل إنسان بما یکشف الله منها لما کان هذا الخلاف، ولعلهم معذورون فی ذلک بحسن المقصد فإنهم ما دونوها إلا لیشوقوا المریدین ویهونوا علیهم مشاق الطریق، وقد وضعوا لها من المصطلحات ما لو درسه المنکرون علیهم لما رأوا فی أقوالهم ما یوجب الإنکار ولا سیما وقد اتحد الفریقان فی أصل الطریق وغایته.

وخلاصه القول أن هذه المرحله مرحله خاصه، فما وافق الشریعه من کلام القوم فیها أخذ کما هو، وما لم یمکن اتفاقه معها ولو على وجه من وجوه التأویل المتقبله ترک ورد على صاحبه وکان أمره فیه إلى الله.

وأما المرحله الرابعه:

 فهی مزله الأقدم ومهواه المهالک، وکم ضل فیها مرید وسالک، والکلام فیها عن غیبه أمر لا یدخل تحت حد التکلیف والتحدث بها عن حضور أمر لا یتحمله هذا العقل البشری الضعیف، ولهذا أغلق القوم فیها باب الکلام لأنها فوق الأفهام والأوهام، وکان منهم من أبى ذلک بتاتًا وقال لمن سألوه أن یتکلم لهم فی شیء من هذا: أتریدون أن یکذب الله ورسوله؟ وقد طلب أصحاب أبی عبد الله القرشی إلیه أن یتکلم لهم فی شیء من الحقائق فقال لهم کم أصحابی الیوم؟ قالوا: ستمائه رجل فقال الشیخ: اختاروا منکم مائه فاختاروا، فقال: اختاروا من المائه عشرین فاختاروا، قال: فاختاروا من العشرین أربعه، فاختاروا، فقال الشیخ: لو تکلمت علیکم فی علم الحقائق والأسرار لکان أول من یفتی بکفری هؤلاء الأربعه وما ذلک إلا لأنه یدق علیهم فهم ما یشرحه لهم مما لا تتناوله العبارات. وإنما هو من خوالج النفوس ومشاهداتها الخاصه.

إذا تقرر هذا فاعلم یا أخی أن الشیوخ من أهل هذه الطریق تکلموا فی هذه المراحل الأربع إلا أن المتقدمین منهم کان دعامه کلامهم المأثور ونصوص الکتاب والسنه لا غیر لا یتجاوزونها إلى غیرها إلا نادرًا، ثم جاء بعد قوم آخرون خلطوا الکتاب والسنه بغیرها من قواعد العلوم فی المراحل الثلاث بما أن هذا الخلط لا یتأتى فی المرحله الأولى، فخلطوا الکتاب والسنه فی المرحله الثانیه بأقوال أرسطو طالیس وأضرابه فی تقسیم النفس وبیان أحوالها وعوارضها من شهوانیه وغضبیه وعقلیه، کما ترى ذلک منبثًا فی کتب الإمام الغزالی رضی الله عنه فی أکثر الأحایین، وخلطوا الکتاب والسنه فی المرحله الثالثه بأقوال أفلاطون وأضرابه من الإشراقیین فی تجرد النفس والحاسه السادسه وإشراق العلوم والمعارف على النفس بالریاضه، ومعظم کتب القوم ولا سیما المتأخرین منهم مستفیضه بهذه البحوث یمزج فیها الکتاب والسنه بنظریات الفلاسفه.

وخلطوا الکتاب والسنه فی المرحله الرابعه بأقوال الفلاسفه فی وحده الوجود ووحده الشهود والحلول والاتحاد، وبیان الحق من ذلک والباطل، کما ترى ذلک منبثًا فی کتب ابن دهقان وابن سبعین وابن عربی وغیرهم وهذا مثار الخطر العظیم على العقائد الإسلامیه والقواعد الإیمانیه، فإن الکتابه فی مثل هذه البحوث شوشت الطریق على السالکین وأثارت ثائره المتمسکین وکانت مطیه الملحدین والإباحیین، على أن الباحث لن یصل فیها إلى غایه ولا تطمئن نفسه معها إلى حقیقه إلا عن طریق الکشف والشهود، فما قیمه الکتابه فی أمر لا یفید فیه إلا العیان، وختام هذا البحث أیها الحبیب أن تعلم أن المرحلتین الأولیین واجب علیک، والمرحلتین الأخیرتین هدیه من ربک لک، فاشتغل بما وجب یصلک ما وهب”.

وقد رکزت صحف الإخوان فی هذه الفتره على محاربه بدع الصوفیه، خاصه فی الموالد، وزیاره الأضرحه وما یحدث بها من مخالفات شرعیه کبیره، ومع ذلک کانت صحف الإخوان تستکتب بعض مشایخ الصوفیه المعتدلین لیوضحوا للناس حقیقه الصوفیه الصحیحه، مثل ما کتبه الشیخ محمد الحافظ التیجانی شیخ الطریقه التیجانیه تحت عنوان: “هؤلاء هم الساده الصوفیه”، کما کان للإمام البنا علاقته الطیبه مع العدید من مشایخ الطرق، وکانت له مقدره على کسبهم وإقناعهم بشمولیه الإسلام، حتى إنه أثناء فتره إقامته فی الصعید عام ۱۹۴۱م بعد نفیه إلى قنا استطاع أن یجمع الصوفیه حوله، وما زال یعلمهم حتى أصبحوا هم جواله الإخوان المسلمین بقنا.

وکما رأینا رأى الإخوان فی الصوفیه وتعاملهم معها وکیف أنهم أخذوا من الصوفیه ما یزکی الروح ویحیی القلوب وحارب کل ما یدعو إلى الضلال والإباحیه والخزعبلات، وکیف حوت صحفهم توضیح الطیب من الصوفیه والسیئ.

وکان هذا حال الإخوان مع کل الجماعات الأخرى

————————————

للمزید:

۱- محمود عبد الحلیم، الإخوان المسلمون
أحداث صنعت التاریخ، دار الدعوه، الجزء الأول، ۱۹۹۹م.

۲- جمعه أمین عبد العزیز، أوراق من تاریخ
الإخوان المسلمین، دار التوزیع والنشر الإسلامیه.

———————————–

* باحث تاریخی- Abdodsoky1975@hotmail.com

المصدر: اخوان ان لاین

 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا