الرجل الذی أحیا فکرته بموته!!
الرجل الذی أحیا فکرته بموته!!
بقلم: د. ممدوح المنیر
کان فیه من الساسه دهاؤهم، ومن القاده
قوتهم، ومن العلماء حججهم، ومن الصوفیه إیمانهم، ومن الریاضیین حماسهم، ومن
الفلاسفه مقاییسهم، ومن الخطباء لباقتهم، ومن الکتاب رسالتهم، وکان کل جانب من هذه
الجوانب یبرز کطابعٍ خاص فی الوقت المناسب) “روبیر جاکسون”.
ونحن نحتفل بذکرى استشهاد الإمام حسن البنا
(۱۲ فبرایر) کان لا بد من کشف حساب، ومراجعه لفکر هذا الرجل الذی یمثل فی حیاته
ومماته قیمهً من النادر أن تتکرر فی التاریخ.
أزعم أن المساحه تضیق عن الإحاطه بهذا
العنوان الکبیر، ولکن حسبنا أن نومض ومضات سریعه عن الرجل وأتباعه، نعرف من خلالها
أین نقف من هذا المشروع الذی تجاوز حدود الزمان والمکان، لیملأ کذلک القلوب
والعقول.
أحب أن أشیر بداههً واحترامًا منی لعقلیه
القارئ أننی لا أستطیع، وأنا أکتب عن هذا الرجل العظیم أن أکون محایدًا، حقیقه
ینبغی أن یعیها القارئ جیدًا، وأزعم أننی لستُ وحدی کذلک.
لا شک أن الرجل کان متمیزًا غایه التمیز فی
شخصیته وأنا لا أتحدث عن إعجاب أتباعه من أبناء حرکه الإخوان المسلمین، ولکنه
إعجاب کل صاحب فکره، ورساله ومنهج أین کان اتجاهه أو مشروعه فهو نموذج بالغه
الروعه لکل صاحب قضیه عادله یناضل من أجلها، وتزداد الروعه ویعلو بریقها إذا کان
هذا المشروع إسلامی الأساس، ربانی التوجه، یتصالح مع الواقع ولا یتصادم معه،
یستوعب الأحداث، ولا تستوعبه، یؤثر فیها أکثر مما تُؤثر هی فیه.
الرجل الکاریزما
أعتقد أن أحد الصفات الأساسیه والحیویه التی
یحتاجها أی زعیمٍ سیاسی أو مصلح اجتماعی فی عصرنا هی صفه الکاریزما تلک الصفه
الآثره التی یستطیع بها الرجل أن یملک العقول والقلوب ویوجهها الوجه الصحیحه
بدونها سنظل نتحرک بسرعه السلحفاه فی المشروع الإصلاحی، وأنا هنا لا أتفق مع الذی
یربطون وجود هذه الصفه بتاریخٍ نضالی طویل، وعریض لصاحب هذه الصفه، وإن کنت لا
أنکر أهمیتها ولکن حسن البنا فی طریقه للقلوب، والعقول لم یکن یملک هذا التاریخ
لسبب بسیط أنه کان یصنعه حینها!!.
ولکن أزعم أن خمس صفات توافرت فیه شکلت
الکاریزما الخاصه به أعتقد أنها کانت کافیه لتفیض على غیرها من الصفات (إخلاص عمیق
لفکرته، استیعاب کامل للبیئه التی یعیش فیها، تضحیه بلا حدود، ضبط عالٍ لإیقاع
الأحداث وحسن التعامل معها، فهم عمیق لطبائع النفس البشریه مع معرفه لغه الخطاب
المناسبه لکل فئه مما یسهل قیادتها وتوجیهها).
المشروع السیاسی لحسن البنا
من
الممکن تقسیم المشروع السیاسی لحسن البنا إلى ثلاثه اتجاهات رئیسیه:
أولاً- معرکه التحرر الوطنی ضد الاحتلال
الإنجلیزی لمصر ابتداءً من الدعم المعنوی والمادی والاحتضان لکافه حرکات التحرر
الوطنی فی العالم الإسلامی وعلى رأسها القضیه الفلسطینیه، وانتهاءً بتکوین النظام
الخاص الذی کانت مهمته القیام بالعملیات الفدائیه ضد المصالح البریطانیه فی مصر
إلى المشارکه بحرب فلسطین، وإذا تتبعنا هذا المسار نجد أنه حتى بعد وفاه المؤسس ظل
هذا النهج الجهادی المسلح متصلاً ومستمرًا فی الفکر الإخوانی فی کافه الدول
العربیه والإسلامیه الواقعه تحت الاحتلال فقط لا غیر مثل (أفغانستان- الشیشان-
فلسطین- لبنان- العراق)، وغیرهم مما لا یتسع المقام لذکره یبین مدى أهمیه هذا
العنصر فی المشروع السیاسی للجماعه.
ثانیًا- کان الاتجاه الثانی أو محور الحرکه
لدى (البنا- الجماعه) هو النضال السلمی أو المعارضه السیاسیه ضد الأنظمه الحاکمه،
ومطالبتها الدءوبه والمستمره بالحکم بالشریعه الإسلامیه والتی هی لب المشروع
السیاسی للإخوان وعندما نقرأ للبنا (أستطیع أن أجهر صراحهً بأن المسلم لن یتم
إسلامه إلا إذا کان سیاسیًّا بعید النظر فی شئون أمته، مهتمًا بها غیورًا علیها..
وأعتقد أن على کل جمعیه إسلامیه أن تضع فی رأس برنامجها الاهتمام بشئون أمتها
السیاسیه، وإلا کانت هی نفسها تحتاج إلى أن تفهم الإسلام”.
بهذا الکلمات الواضحه والقاطعه حدد حسن
البنا موقع المعارضه السیاسیه السلمیه من فکرته، ومشروعه الإصلاحی للأمه؛ ولکن
لماذا کان هذا الاهتمام البالغ بهذا المحور فی مشروعه؟
أعتقد أن سقوط الخلافه الإسلامیه کان بمثابه
الحجر الضخم الذی حرَّک الماء الراکد فی النفوس، والشعور، وکان یوم السقوط هو نفسه
یوم المیلاد لهذه الفکره التی ما زالت لاعبًا رئیسیًّا على الساحه العربیه
والدولیه (الإخوان المسلمون) کان حلم المؤسس وقتها یتجاوز قدرات الفهم والاستیعاب
حینها، وأعتقد ونحن نحتفل بذکرى استشهاده أنها لا تزال کذلک!.
فالحدیث حول عوده الخلافه الإسلامیه،
وأستاذیه العالم ما زال محل دهشه واستغراب واستنکار لدى الکثیرین ولکن على أرض
الواقع هل تبتعد الجماعه أم تقترب من تحقیق حلم مؤسسها، والذی أصبح فیما بعد فکره
أساسیه فی مشروعها الحضاری؟.
مما لا شک فیه أن الطموح السیاسی للإخوان
تعرض لکثیر من التحدیات والعقبات لأنه کان طبیعیًّا أن تقف الدول الغربیه فی طریقه
فلم یکن سهلاً علیها أن تجد من یتحدث من جدید عن عوده الخلافه بعد أن استراحوا
منها بعد جهد جهید منهم ومنا للأسف! لذلک عندما رشَّح حسن البنا نفسه فی
الانتخابات النیابیه کانت الضغوط الهائله من الغرب على القصر وقتها لوقف هذا
التقدم ولا یزال!.
وطبعًا لم تکن الدول الغربیه وحدها بل کافه
الأنظمه العربیه الحاکمه وإلى الآن اعتبرت الإخوان المسلمین یمثلون تهدیدًا
مباشرًا لوجودهم فاستخدمت تلک الأنظمه کافه الوسائل لکبح جماح الإخوان بدءًا من
الحل إلى التضییق إلى التشویه إلى السجن إلى التعذیب إلى القتل إلى الضرب
بالصواریخ من أجل الإباده- أحداث حماه فی سوریا- وما حدث فی الحقبه الناصریه
والساداتیه والمبارکیه لیس منا ببعید! ولکن بعد مرور عشرات السنین على هذه
الحادثه- ترشح البنا- عندما ننظر الآن على أرض الواقع نجد أن الإخوان تجاوزا هذه
المرحله، أو المراحل أو بمعنى أدق کان الاکتساح النسبی لمعظم المجالس النیابیه فی
الوطن العربی بل العالم الإسلامی من الإخوان المسلمین خاصه والإسلامیین عامه.
ثم کانت مفاجآت العیار الثقیل عندما شکَّل
الإسلامیون فی ترکیا العلمانیه الحکومه- رغم التحفظ على أدائها فی بعض المواقف-
إلى المفاجأه الکبرى بتشکیل الحکومه الفلسطینیه من قبل حرکه حماس الإخوانیه
الجذور، فهل اقترب الإخوان من تحقیق الحلم أم ستنجح الضغوط فی وقف المد الإخوانی؟
أعتقد أن مَن یجیب عن هذا العنوان هی الفیزیاء! التی تعلمنا أن الضغط یزید من
تقارب الجزیئات، وکلما زاد الضغط زاد التقارب حتى یصل الضغط إلى نقطه اللاعوده
وعندها یحدث الانفجار والذی یکون فی عکس اتجاه الضغط، ومن حسن حظنا أن هذه حقیقه
علمیه، ولیست نظریه قابله للتغییر.
ثالثًا- الاتجاه الثالث فی المشروع السیاسی
للإخوان هو التحرک فی وسط المجتمع ومحاوله توعیته دینیًّا أو کما یقول الإخوان فی
أدبیاتهم إیقاظ الإیمان المخدر، بحیث تکون المحصله النهائیه أن الشعوب هی نفسها
التی تشتاق للفکره الإسلامیه، وتطالب بعودتها إلى موقع الصداره فی حیاتها وتترجم
الإسلام إلى سلوکٍ عملی فی حیاتها.
وإذا تتبعنا هذا المحور تاریخیًّا نجد أن
الإخوان قد حققوا فیه نجاحات باهره، وقدموا الکثیر من العلماء والدعاه الذین أخذوا
على عاتقهم القیام بهذا الدور سواء المنتمین تنظیمیًّا للجماعه أو المتعاطفین
فکریًّا معها منهم الشیوخ والعلماء محمد الغزالی، سید سابق، سید قطب، یوسف
القرضاوی، عبد القادر عوده، محمد قطب، محمد عماره؛ عمرو خالد، کشک؛ زغلول النجار،
فیصل مولوی؛ وغیرهم الکثیر فی کافه أنحاء العالم الإسلامی؛ لذا نجد أن الصحوه
الإسلامیه الحالیه أصبحت هی الأصل، وغیرها هو الاستثناء، کذلک حاول الإخوان تغییر
أنماط الحیاه لتتلاءم مع مشروعهم الإصلاحی الإسلامی فساهموا فی إنشاء البنوک
والمصارف الإسلامیه والتی أصبحت تکسب کل یوم أرضًا جدیدهً.
کذلک فی الفن أنشأوا الفرق والمسارح
الإسلامیه والروایات الإسلامیه وغیرها من کافه أنماط الحیاه، وهکذا یستطیع المرء أن
یقول إن الإخوان المسلمین تحرکوا فی المسارات الثلاثه فی توازن شدید مما یجعلنا
نطمع أن حلم هذا الرجل العظیم ربما نفاجأ ذات یوم أنه أصبح حقیقهً واقعهً ولیس
أضغاث أحلام، اللهم آمین.
المصدر: اخوان ان لاین