عاجل إلى الإخوان!
عاجل إلى الإخوان!
د. محمد مورو
من الحقائق البدیهیه أن تحقیق تفوق ما أسهل من الحفاظ علیه، ومن ثم فإن قراءه أسباب هذا التقدم والعمل على تثبیتها وتعظیمها هو أحد أهم وسائل المحافظه علیه من الضیاع.
ومن الأمور الشرعیه المعروفه أن المسلم مرآه أخیه، وأن النقد والنقد الذاتی فریضه إسلامیه، و"رحم الله امرأ أهدى إلی عیوبی" هو مبدأ إسلامی، ولیس بالضروره أن تکون عیوبا، ولکن من الممکن أن تکون میزات لا یهتم بها الإنسان فیلفت غیره نظره لها.
حقیقه واضحه
إن صعود وتقدم مرشحی جماعه "الإخوان المسلمین" فی الانتخابات البرلمانیه المصریه حقیقه لا شک فیها، وهو فی الحقیقه لم یکن إلا کشفا لقوه وتواجد القوى السیاسیه المختلفه فی الشارع المصری، وتوجهات ووجدان هذا الشارع.
الحقیقه التی کشفت عنها تلک الانتخابات – ولا أبالغ – هی أن "الإخوان المسلمین" هی القوه الوحیده فی الشارع المصری حالیا، وأن الحزب الوطنی لو ارتفعت عنه ید الحکومه بالدعم المادی والإعلامی والبولیسی لتلاشى، أما أحزاب المعارضه والقوى السیاسیه غیر الرسمیه الأخرى فحجمها یقترب من الصفر، وهی محصوره بین النخب، ومعزوله عن وجدان الناس، ولا تخوض معارکها فی الشارع، بل على شاشات الفضائیات وعلى أوراق الصحف، وقد لقنها الشارع المصری درسا لن یُنسَى.
هذا الدرس ببساطه یقول: إن وجدان الناس فی مصر إسلامی حتى النخاع، وإن العلمانیه مرفوضه شکلا وموضوعا، وإن کل الرطانات والمؤلفات والتعالی الثقافی الزائف لا قیمه له ولا رصید له فی الواقع المصری الشعبی، وهذا معناه ببساطه شدیده انحیاز الناس إلى المشروع الإسلامی، ویترتب على ذلک مباشره أن استخدام اللغه الإسلامیه هو أمر صحیح وعلمی وغیر طائفی، ومن ثم فإن على "الإخوان المسلمین" ألا یستمعوا إلى النصائح المسمومه التی یقدمها بعض المحللین حول ضروره تخفیف لهجه الخطاب الإسلامی للإخوان المسلمین، بل المطلوب زیاده جرعه هذا الخطاب وأثره وتعمیقه دون تطرف أو غلو، أما إذا کان هؤلاء یریدون من "الإخوان المسلمین" – مثلا – استخدام لغه حزب محافظ، فإنهم لا یریدون إلا نزع أهم أسلحه "الإخوان المسلمین" الفکریه والسیاسیه والثقافیه.
لا للخطاب الاعتذاری
یجب أیضا ألا ینجر "الإخوان المسلمون" إلى تقدیم خطاب تبریری أو اعتذاری، فالتهمه التی روجها الإعلام والعلمانیون حول المشروع الإسلامی وحول "الإخوان المسلمین" تساقطت مثل الأوراق الجافه، ومن ثم فإن الانزلاق إلى الدفاع والتبریر هو فخ خطیر. والصحیح أن نقدم المشروع الإسلامی بقوه دون افتئات على حقوق الآخرین، ودون غرور أو تعالٍ أو إقصاء للآخر مهما کان حجمه.
بین الدعوی والسیاسی
تنقسم أسباب الصعود الإخوانی -فی نظری- إلى شقین: شق یتعلق بجماعه "الإخوان" نفسها، وشق یتعلق بالآخرین. فبالنسبه للجماعه فإن التنظیم الدقیق والکفء -ولا شک- کان أهم أسباب النصر، بل کان الوعاء الذی حمل الأسباب الأخرى على کتفه للوصول إلى هذا النجاح، ومن ثم فإن الدعوات إلى حل الجماعه واستبدال حزب سیاسی بها فقط أمر ینبغی التوقف فیه.
أنا شخصیا من دعاه الفصل بین العمل السیاسی والعمل الدعوی والخیری للحرکات الإسلامیه، ولکن بشرط توفر الظروف الصحیه لذلک، فلا یمکن التحول إلى حزب سیاسی فقط أو حتى حزب سیاسی وجمعیه خیریه مع حل الجماعه إلا بنضوج الظروف الموضوعیه، کوجود دیمقراطیه حقیقیه، ووجود حریه حقیقیه، ووجود سیاده قانون حقیقیه، وإلغاء الطوارئ والقوانین سیئه السمعه، ووجود مناخ حقیقی لتداول السلطه، أما بدون ذلک فهو نوع من الخداع على طریقه ربط الأسد وتقییده قبل مصارعته.
محاربه الفساد وتجنبه
من أسباب تصویت الناخب لمرشحی "الإخوان" – بالإضافه إلى خیار الناس الإسلامی وکفاءه الجماعه التنظیمیه – انتشار الفساد والدیکتاتوریه والمحسوبیه والرشوه والانهیار الاجتماعی وتدنی مستوى المعیشه، وهذا یعنی أن الشعب المصری ینتظر من "الإخوان المسلمین" فی المجلس وخارجه نضالا برلمانیا وسیاسیا متمیزا، دفاعا عن الحریات، وتضامنا مع المعتقلین السیاسیین من کل الاتجاهات والقوى، وانحیازا غیر مشروط لحریه الصحافه والتعبیر والعمل السیاسی والحزبی.
وینتظر الشعب أیضا من نواب "الإخوان" داخل المجلس – وخارجه أیضا – التصدی للفساد وکشفه ومحاربته بلا هواده، وعدم ممارسه الفساد قطعا، فالإخوان المسلمون بشر یمکن أن یفسدوا، ومن ثم لا بد من الیقظه حتى لا یتحول بعض الأفراد إلى نماذج فاسده تحقق مصالحها الشخصیه المادیه أو المعنویه، والحساب هنا سیکون مضاعفا؛ لأن ذلک لو حدث فسیعتبره الشعب الذی وثق بالإخوان خیانه منهم للأمانه.
لقد انصرف الشعب عن الحزب الوطنی الحاکم لممارسته المحسوبیه بشتى صورها، وهذا بالضبط ما نخشى أن یقع فیه "الإخوان"، فعلى "الإخوان" ألا یعطوا امتیازات فی دوائر نفوذهم لأقاربهم، أو للمنتمین للجماعه، إلا من خلال معیار الکفاءه والاستحقاق وفق قواعد شفافه.
وعلى "الإخوان" أیضا أن یدافعوا عن مصالح الفقراء الاقتصادیه والاجتماعیه، وألا یتخلوا عن الضعفاء والمهمشین مهما کان الثمن؛ لأن النیابه هی عن الأمه جمیعها، وهی أمانه ینبغی عدم التفریط فیها، ومن ثم فکل عمل یضر الفقراء مثل تغییر قانون إسکان المساکن، أو إلغاء الدعم، أو المزید من الخصخصه والعولمه، أو فرض الضرائب أو زیاده الأعباء، أو إلغاء مجانیه التعلیم… إلخ من واجب "الإخوان" التصدی لها بطریقه حقیقیه، ولیس لمجرد تسجیل موقف.
رفض المزایدات والتنازلات
من العوامل المعروفه فی تصویت الناس للإخوان والاتجاه الإسلامی عموما فضلا عن العوامل السابقه وجود نوع من الاحتقان الطائفی المستتر أحیانا والجلی فی أحایین أخرى بین عنصری المجتمع من المسلمین والمسیحیین، نتیجه بعض الحوادث مثلما حدث فی الإسکندریه من قصه المسرحیه المعروفه، ومن قبله حادث تسلیم وفاء قسطنطین للکنیسه، وغیرها من الأحداث.
وإذا کان بعض المسیحیین یحذر من أن صعود "الإخوان" یعنی هجره المسیحیین من مصر، فهذا نوع من المزایده الهدف منها جر "الإخوان" إلى نوع من التنازلات وبلع الاستفزاز، والتخلی عن بعض الثوابت. والصحیح أن على "الإخوان" أن یحذروا من هذا الفخ، حیث یجب أن یکونوا أول من یرفض وینتفض إذا ما تم المساس بمقدسات الإسلام من مسلم أو من غیر مسلم على حد سواء. وهذا لا یعنی بالطبع إلا المزید من إنصاف غیر المسلمین، ومعاملتهم بمقتضى العدل وفقا لشریعه الإسلام ذاتها التی تحض على ذلک، ولیس بادعاء العدل والموضوعیه بالتخلی عن ثوابت الإسلام أو قبول امتهان رموزه.
لا تغازلوا الأمریکان
ولعل أکبر وأهم العوامل التی ساهمت فی صعود الإسلامیین فی کل انتخابات تقریبا أجریت بعد إعلان الولایات المتحده الحرب على الإرهاب، هو الشعور الشعبی -فی إیران وترکیا والبحرین والآن مصر وغدا جمیع الدول- بأن الولایات المتحده تشن حربا على الإسلام ذاته، وأن هناک شعورا بالمهانه الدینیه والقومیه والحضاریه الإسلامیه بسبب احتلال أفغانستان والعراق، والممارسات الصهیونیه فی فلسطین، وعجز بعض الحکومات العربیه وعماله البعض الآخر.
هذا العامل الأهم ینبغی على "الإخوان" احترامه بجدیه، ولیس بمجرد تصریحات، وأن یکفوا تماما عن مغازله أمریکا أو ادعاء إمکانیه التفاهم معها بدعوى المصلحه، فالشعب العربی عامه، والمصری خاصه یعشق کل من یهاجم أمریکا، لیس لأنه شعب عاطفی، بل لأنه یحس بسکین أمریکا على رقبته ورقبه إخوانه فی أفغانستان والعراق وفلسطین.
ومن ثم فإن المطلوب من "الإخوان" لتحقیق المزید من القبول الشعبی وإفشال حاله الحصار الحکومی والعلمانی، هو بناء موقف رفض حقیقی للمشروع الأمریکی الصهیونی، والوقوف شکلا وموضوعا وبحزم وبدون تردد أو إمساک العصا من المنتصف مع المقاومه فی أفغانستان والعراق وفلسطین، والتفریق دائما بین رفض الدیکتاتوریه واستخدام هذا الرفض فی القبول بالأجنبی.
وعلى "الإخوان" ابتکار صیغه لرفض الدیکتاتوریه ومقاومه العدوان الخارجی فی نفس الوقت، وإذا کان لا بد من تقدیم أحدهما على الآخر، وعلى قاعده أخف الضررین – والصحیح ترک أسوأ الضررین- فلا شک أن العدوان والاحتلال الأجنبی أسوأ من الدیکتاتوریه الداخلیه وکلاهما سیئ، وکلاهما سبب للآخر، وهذا الترتیب لیس إلا من قبیل توضیح المسأله.
الناس تنتظر من "الإخوان" أن یکونوا على قدر المسئولیه، مسئولیه قیاده الأمه ضد عدوها الخارجی (أمریکا وإسرائیل)، وعدوها الداخلی (الدیکتاتوریه والفساد)، وننتظر من "الإخوان" أن یکون معیار التفاضل هو الکفاءه ولیس الانتماء إلى "الإخوان" أو حتى الانتماء إلى التیار الإسلامی، أو صله قرابه أو مصلحه هنا أو هناک.
الناس وضعت فی "الإخوان" الثقه.. وإن لم یکونوا على قدرها ویرعوها حق رعایتها فستکون فتنه، وأی فتنه، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلی العظیم.
المصدر : اسلام آن لاین