المقالات

متى یفصل “الإخوان” بین الدعوی والسیاسی؟

متى یفصل "الإخوان" بین الدعوی والسیاسی؟

 محمد صلاح

أحب أن أؤکد بدایه أنی لست مخولا من قبل "الإخوان المسلمین" بالرد أو التحدث الرسمی باسمهم، إلا أننی أحب أن أبدی وجهه نظری الشخصیه فیما ذکره الدکتور ضیاء رشوان فی مقاله المنشور بموقع "إسلام أون لاین" المعنون: کیف أنضم إلى الإخوان؟.

 

ولا أظن الدکتور ضیاء یرید الإجابه الحرفیه على الأسئله بقدر ما یرید استجلاء موقف الجماعه من التعامل مع أطیاف المجتمع المختلفه فکریا ومظهریا وسلوکیا، ناقلا الحوار الذی اعتاد علیه کل من یتطرق للقضیه من مجرد تعامل الجماعه مع هؤلاء، إلى أقصى درجات الانخراط والتعایش مع الجماعه وهو الانتماء لها.

 

وسبحان الله! فالجماعه التی کان الانتماء لها یجرم فی السابق -لیس من قبل الأستاذ ضیاء – ویتهم من یسعى إلیه بالتطرف والإرهاب والجمود والتعصب و… إلخ، أصبحت الآن یسأل قیاداتها عن إجلاء شروط العضویه، سواء کانت فکریه سیاسیه أو شکلیه شخصیه، وهذا فی حد ذاته بصراحه یحسب للجماعه؛ لأنها استطاعت أن تفرض العبور بالمجتمع – وبالأخص النخبه منه – من مجرد کیل الاتهامات إلى استجلاء حقائق بعینها ومواقف التعامل الواقعی مع باقی صنوف المجتمع، بوصفها هی الأخرى واقعا یجب التعامل معه.

 

إشکالیه الجماعه والحزب

 

ما فهمته من المقال کأنه یقول الرساله التالیه: بما أنکم بصورتکم الحالیه کتنظیم وکجماعه لن تقبلوا المصری العادی غیر الملتزم فضلا عن غیر المسلم، والذی یختلف معکم فی بعض الرؤى أو له بعض التحفظات على بعض مواقفکم التاریخیه، بینما خطابکم والکثیر من مواقفکم تعلن القبول بالآخر والتنسیق والتعاون معه، فعلیکم إذن حل إشکالیه الجماعه والحزب، بأن تتقدموا بطلبین، کل للجهه المختصه به، وذلک لإنشاء کیانین منفصلین لکل منهما دوره، وذلک باعتبار أن الحزب – أو العمل السیاسی الوطنی – لا علاقه له بالاختلافات المطروحه أو على الأقل یتحمل التعایش معها، أما الجمعیه – صوره الجماعه الرسمیه – فبما أنها دعویه، فلا ضیر أن تقصر عضویتها على المسلمین الذین لهم اهتمامات دعویه.

 

بدایه أحب أن أبین – حسب مشاهداتی – أن الجماعه أصلا بأعضائها الحالیین تقبل الکثیر من صور الخلاف المذکوره فی المقال، فی داخلها وبین صفوفها، ولا مانع إطلاقا من التحفظ على رؤیه الجماعه لمواقفها التاریخیه، وذلک الخلاف ینشأ إما لاختلاف الزمان والمکان والظروف والمعطیات من وقت حدوث الحدث التاریخی لوقت الحکم علیه الآن، ویختلف أیضا نظرا للخبره التی لم تکن موجوده لقیادات الجماعه فی وقت الحدث عن تلک المتوافره الآن، إلى جانب اختلاف وجهات النظر کحقیقه وطبیعه بشریه بین أی شخص وآخر.

 

وأظن أنه لا مانع أیضا أن یعترض عضو بالجماعه على شعارها الانتخابی، ویعرض رأیه هذا بوضوح، بل یظل معترضا علیه. ولکن الجماعه – وشأنها فی ذلک شأن أی تجمع عملی مثل الشرکات ومجالس الإدارات للمؤسسات المختلفه – تطرح کافه الآراء وتدرسها من کافه جوانبها، ثم تأخذ علیها الشورى، ثم یلتزم الجمیع بالرأی الذی انتهت إلیه الشورى.

 

وهناک أصلا من أعضاء الجماعه من لهم أمهات أو أخوات أو قریبات غیر محجبات، ولا یتبرءون منهن بل یبرونهن ویزورونهن، وفی نفس الوقت یبذلون واجب الدعوه معهن بالحکمه والموعظه الحسنه، أما مسأله أن ینتمی هؤلاء إلى الجماعه – سؤال الدکتور ضیاء – فهذا ما سأحاول الإجابه عنه.

 

لو ظل الحال على ما هو علیه الآن، جماعه شرعیتها القانونیه لا یعترف بها النظام – على الرغم من وجودها لأن الشعب هو مصدر الشرعیه – تمارس العمل السیاسی بدون حزب، فکیف یمکننی أن أتعرف على شروط عضویتها أو أدخلها وأعدل فیها حسب وجهه نظری… إلخ التساؤلات.

 

والإجابه عن هذه التساؤلات تعرف إذا عرفنا هدف الجماعه الأساسی، وهو "أسلمه المجتمع" بمعنى الدعوه إلى أن تحکم مبادئ الإسلام -ولیس الإخوان المسلمین- السمحه کل مناحی الحیاه، من أول سلوکیات الأفراد إلى سلطه الحکم. وأقصد بالمبادئ السمحه: الأخلاق الإسلامیه، ولا أقصد الشرائع والعبادات، وهی أخلاق یتفق علیها کل ذی لب وحکمه، أیا کان فکره أو انتماؤه أو شخصیته أو حتى عقیدته. وتتم هذه الدعوه بالحکمه والموعظه الحسنه، ومدعو للانضمام لذلک الکیان (الجماعه) کل شخص أراد أن یحمل هذا العبء واقتنع بأسلوب الجماعه المتمثل فی العمل الدعوی التربوی التدرّجی الشامل السلمی، وأعلن استعداده لتحمل التبعات مهما کانت، فأهلا وسهلا به عضوا بالجماعه.

 

وبناء على ذلک، فإننی سأظلم الشخص إذا طلبت منه أن یدعو إلى مبادئ عقیده غیر عقیدته؛ لأنه: "لا إکراه فی الدین"، ولکننی سأرحب بأی نقد یقدمه لی فی إطار برنامج العمل الخیری أو فی إطار النصح العام، فبالتالی فی شق الانتماء التنظیمی للجماعه بکافه أنشطتها لن یُضم إلا المسلم؛ لأن ذلک یتطلب منه أن یؤدی الأدوار العبادیه والدعویه ویتلو الأوراد القرآنیه والأدعیه التی توصی بها الجماعه… إلى غیر ذلک من أنشطه وأفعال إسلامیه بحته، وأن یحضر اللقاءات التی تجتمع من خلالها الجماعه وتبدأها بقراءه القرآن والذکر والدعاء.

 

وإن کان مسلما یدخن السجائر أو لا یصلی أو…أو…، فأیضا لیس من الحکمه ولا المنطق أن یدعو الناس لأشیاء لا یفعلها هو شخصیا، وهکذا الحال بالنسبه لکل من یعمل أعمالا تنافی الشرع؛ لأن الجماعه إسلامیه المبادئ والتعاملات، ولذلک حتى فی أسلوب ضمها النخبوی الذی ذکرته سیادتک بالمقال، لا تضم أناسا إلا بعد أن تربیهم تربیه إیمانیه على أسس سلیمه من الإقناع والتدرج، ببرامج عملیه وأسالیب منشوره فی أدبیات الجماعه، وهدفها الأول الارتقاء بإیمانیاته وأخلاقه ولیس ضمه للتنظیم، أما مسأله الانتماء فهی خیاریه بحته، فمن اقتنع وشاء الانضمام فأهلا به، ومن لم یشأ فأهلا به أیضا.

 

لا للعضویه الشرفیه

 

ولیس من المقبول أن تکون هناک "عضویه شرفیه"، وأقصد بها أن یکون الفرد عضوا بالجماعه ولکن لا یمارس الدعوه، وإلا صار عبئا على الجماعه، حتى لو کان مقتنعا بمبادئها وفکرها وأسلوبها؛ لأن الجماعه لیست تشریفا أو حامیا یوم الحساب، وإنما هی تکلیف وبذل وعمل متواصل فی الدعوه والتربیه والإصلاح، وهی تدفع من جهد ووقت العاملین فیها للارتقاء بالمجتمع، فلا یصح أن ینتمی إلیها من لن یعمل ویکون جزءا من المنظومه النشطه المضحیه! وتربی الجماعه أبناءها على أنهم هم الفائزون بالثواب من الله جزاء للعمل، ولیس الإسلام هو الفائز بهم؛ لأن الإسلام سینتصر حتما، وعلى أیدی من یختارهم الله، فإن تولى قوم أتى الله بآخرین: "وإن تتولوا یستبدل قوما غیرکم ثم لا یکونوا أمثالکم".

 

إصلاح لا انقلاب

 

الجماعه لیس هدفها أن تَحکُم بالإسلام بقدر ما تهدف إلى أن تُحکَم بالإسلام، وذلک مکتوب فی رسائل الإمام البنا مؤسس الجماعه: "وإصلاح الحکومه حتى تکون إسلامیه بحق"، أی "إصلاح الحکومه" هو الأولویه ولیس "الانقلاب على الحکومه"، أما إذا لم تجد غیر نفسها للقیام بهذه المهمه، فهی تتعرض لها مرغمه لأداء واجب إصلاح المجتمع وتحکیم شرع الله کما أمر سبحانه بذلک. وطریقها فی ذلک هو تغییر وإصلاح المجتمع لیکون القاعده التی ینبع منها الحکم، فتکون مؤمنه ومقتنعه بالإسلام کطریق وکمنهج لکل مناح الحیاه بما فی ذلک الحکم.

 

إذن، أتفق مع الدکتور ضیاء فی أنه إذا کانت هذه هی الإجابه، فیجب حل إشکالیه الجماعه والحزب، لکی یستوعب الحزب هؤلاء المقتنعین بفکر الجماعه الإصلاحی العام للمجتمع، بغض النظر عن عقیدتهم أو صفاتهم الشخصیه والفکریه، ومستوى ممارستهم للعبادات والشرائع، ولکنی لا أتفق أن الکره فی ملعب الجماعه لتحل هذه الإشکالیه، وإنما الکره فی ملعب النظام، وهو – غالبا – لن یعطی شیئا، لذلک تلجأ الجماعه لدفع الشعب لیطالب بمصلحته ویدفع فی اتجاه الإصلاح، ویصر ویقاوم الفساد والتزویر بکل أسالیب المقاومه الدستوریه القانونیه السلمیه المحترمه.

 

إذن لماذا الکره فی ملعب النظام، ولا تتقدم الجماعه بالطلبین المذکورین؟ نقول: إن الجمعیه أساسا موجوده ولم تحل، وهناک قضیه تنظر فی القضاء منذ ما یقرب من ۳۰ عاما ولم یثبت أن هناک قرار حل بعد!.

 

 ولکن الوضع تغیر الآن فقد أصبح لکم نواب بالبرلمان، والنظام لن یرفض، وعلى الجماعه أن تسعى لتسجیل جمعیه باسم آخر مثلا (أو باسمها التاریخی الحالی)، وتفوت على الحکومه والمعارضه والنخبه فرصه الاتهام أو التساؤل. نرد قائلین: دعنا نفرض أن ذلک تم، فهل ستتغیر توجهات الجماعه أیا کان اسمها؟، هل ستتغیر ثوابتها المنادیه بالشریعه؟، هل ستتغیر مبادؤها؟ هل سیختفی قادتها المعروفون للمجتمع والنظام؟- بالطبع لا، إذن سیتعامل معها النظام کما یتعامل معها الآن، وکما یتعامل مع أیه قوه فعاله فی المجتمع، وتجربه جمعیه "التربیه الإسلامیه"، ومدارس "الجیل المسلم" بمحافظه الغربیه خیر دلیل عملی على ذلک!.

 

وعلى الرغم من ذلک، فإن الجماعه سعت بالفعل لإنشاء جمعیات لأغراض خاصه، وکانت مبادؤها وعضویتها مفتوحه للجمیع، مثل "الجمعیه الطبیه الإسلامیه"، وهو ما یدلل أصل العمل العلنی تحت المظله الشرعیه والقانونیه عند الجماعه.

 

ونفس الأمر بالنسبه للحزب، فلقد أعلن النظام على لسان أکثر من فرد من قیاداته، أن الإخوان لو تقدموا بإنشاء حزب – حتى لو أغلظوا الأیمان بأنه مدنی – فلن توافق علیه الحکومه – أقصد لجنه الأحزاب التابعه لحکومه الحزب الوطنی التی تسمح أو ترفض قیام أحزاب منافسه له! – وذلک لمعرفتها أن هذا الحزب سیکون المنافس الأقوى لها، وإلا لوافقت على حزب الوسط الذی خرج من قلب الإخوان، والمعلقه حالته منذ ۱۰ سنوات، على الرغم من وجود أقباط به، وحصوله على حکم بأنه لا یخالف مبادئ إنشاء الأحزاب. أو لوافقت على أحزاب أخرى تم تقدیمها من قبل آخرین، مثل حزب الشریعه.

 

حتى الحزب الوحید الذی صرحت له فی الآونه الأخیره وأقصد حزب "الغد"، لما وجدوا نجمه یلمع، وعنده قدره حقیقیه على المنافسه، وأدته بإثاره الفتن داخله، وهو حزب لیبرالی غیر إسلامی.

 

الدیمقراطیه ذات الوجهین!

 

القضیه یا دکتور ضیاء – فی رأیی – تتعلق بإراده النظام للإصلاح، فیجب أن تکون هناک إراده لدى النظام للإصلاح الحقیقی، الذی یسمح بالتعددیه وبحریه الرأی وحریه تکوین الکیانات المختلفه، بغض النظر عن کونها أحزابا أو جمعیات أو غیر ذلک. والنظام أول من یعلم أنه إذا طبق هذه الحریه، ففی الیوم الثانی سیکون خارج السلطه، لذا فإنه لن یفعل ذلک أبدا، وهذا منطقی بالطبع لأن الحریه لا توهب وإنما تنتزع. وهذا ما أکدته نتائج الانتخابات الأخیره فضلا عن آراء کل المحللین السیاسیین والمراقبین، للدرجه التی طالب فیها قاده الأحزاب بمراجعه مطلب الدیمقراطیه، حیث قال أحدهم: "إذا کانت الدیمقراطیه ستأتی بالإسلامیین، فیجب أن نعید التفکیر فی ذلک"، معتمدا على الادعاء الذی یوجه لهم بأنهم دعاه دیمقراطیه المره الواحده، أو الذین سیصعدون على سلم الدیمقراطیه ثم یرمونه بعد ذلک.

 

لو کان النظام جادا فی الإصلاح، فلماذا تم تقفیل اللجان فی المرحله الثالثه، ومنع الناس من التصویت؟ ولماذا تم اعتقال الإخوان فی الأماکن التی انتهت بها الانتخابات وعذبوا وأهینوا بشده؟ ولماذا تغیرت نتائج الفرز النهائیه لبعض الدوائر بعد إعلانها؟ ولماذا تفرض الحراسه على النقابات؟ ولماذا تم تجمید حزب العمل؟ ولماذا لم تنفذ عشرات الأحکام بعوده جریده الشعب؟ ولماذا… ولماذا… ولماذا…؟.

 

إن الحل الحقیقی هو فی الضغط الشعبی لإجبار هذا النظام على التغییر والدفع فی اتجاه الإصلاح، بکل الأسالیب الممکنه، فالشعب هو القوه الوحیده التی لا یستطیع النظام أن یقف أمامها – لو توحد معظمه على رأی – کما رأینا فی أوکرانیا وغیرها من الدول.

 

وعند ذلک تجرى إصلاحات سیاسیه ودستوریه حقیقیه ترسی قواعد الحریه، وقواعد التعددیه، وتسمح بإنشاء أحزاب حره، وفی هذا الوقت بإذن الله فی ۲۴ ساعه – کما قال الدکتور عصام العریان – یکون مشروع حزب الإخوان المسلمین – أیا کان اسمه – جاهزا، فاتحا أبوابه لکل أبناء الوطن بمختلف أفکارهم وأطیافهم وصفاتهم الشخصیه، شریطه شیء واحد، الاقتناع بلائحه الحزب وشروط العضویه التی ستکون معلنه للجمیع.

 

وتظل الجمعیه – أو الجماعه بکیان شرعی – هیئه إسلامیه دعویه مستقله تمارس الدعوه والتربیه، وتکون مرجعیه شرعیه رسمیه معترفا بها من الدوله، وآراؤها وعضویتها علنیه، وذلک بالطبع بجانب مختلف المرجعیات الأخرى وعلى رأسها الأزهر الشریف، وکافه علماء الأمه.

 

نمایش بیشتر

مطالب مرتبط

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

پاسخ دادن معادله امنیتی الزامی است . *

دکمه بازگشت به بالا